تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في ذكرى رحيل أحمد راتب النفاخ.. علاّمة الشام

ثقافة
21/2/2008
هاني الخير

منذ أيام.. وبتحديد أدق في الرابع عشر من شباط الحالي, مرت مرور الكرام, ودون جلبة,

بالرغم من احتفالنا في هذه الايام بدمشق كعاصمة للثقافة العربية, الذكرى ال 16 لرحيل علامة الشام العضو العامل في مجمع اللغة العربية, الاستاذ أحمد راتب النفاخ (1927-1992م) الذي كنت واحداً من طلابه الكثر خلال دراستي الجامعية في السبعينيات من القرن الماضي.‏

كان حجة في اللغة يشار له بالبنان عربيا ودولياً, وعبقرية أدبية فذة, قلّ ا ن يجود الدهر بمثلها, بسهولة , في دنيا العرب. واليه في القرن الفائت, انتهت علوم العربية, كالقراءات القرآنية الكريمة, والنحو, والبلاغة والعروض, وفقه اللغة ومعانيها , قد جعل الكتاب رفيقه الوفي الدائم, في ترحاله وا قامته, يؤنسه في وحدته وفي وحشته وغربته, وفي ليالي أرقه, وربما أنهى الكتاب الذي يحظى باهتمامه في ليلة واحدة بعد ان يذيل العديد من صفحاته بالتصويبات والاضافات والاستدراكات .‏

كان زاهداً بالألقاب العلمية الفخمة التي تمنحها الجامعات, بدليل ان الرسالة التي أعدها لنيل شهادة الدكتوراه في جامعة القاهرة, باشراف الدكتور شوقي ضيف, وهي في القراءات , ما تزال مخطوطة في منزله حتى يومنا هذا, بالرغم من إلحاح ورجاء استاذه بضرورة تقديمها للجامعة لمناقشتها, ومن ثم منحه شرف حيازة هذه الشهادة, فينعم بمزاياها ويختال بها في الاروقة العلمية , فاعتذر عن الحضور حين وصلته رغبة استاذه الجليل, واكتفي برسم ابتسامة (ما) على وجهه المتجهم المثقل بالأحزان.. لقد هانت عليه هذه الشهادة الاكاديمية, بعد ان لمس بنفسه ميدانياًَ, ان العديد ممن لا يستحقونها حملوها بفضل قوة وسحر المال..‏

وأمضى الراحل سنوات حياته, كأستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق,وفي رحاب مجمع اللغة العربية كرئيس للمقررين.‏

ومع مرور السنوات .. اصبح اديبنا منارة شامخة محببة الى قلوب اجيال الطلاب وتحول اسمه,اذا صح التعبير الى ما يشبه الاسطورة في وجداننا, كحصيلة طبيعية لثقافته اللغوية الغزيرة, وموسوعيته, وسعة اطلاعه على التراث الادبي في عصوره المختلفة.‏

قال عنه رفقاء دربه: انه لو حرقت كتب اللغة الموجودة في منزله لوجدتموها في صدره..‏

لقد كان يمثل في حياتنا العامة, ضمير اللغة وحارسها الامين, لذلك لم يكن يسمح بأي اعتداء مهما كان صغيراً على قدسية اللغة وسلامتها. بدليل ان أحد المؤلفين أهدى ا ليه آخر ما كتبه ليطلع عليه , فكانت النتيجة المؤسفة انه أعاده اليه, وقد ازدان بخطوط حمراء من قلمه, تحت الاخطاء الاملائية والنحوية. اضف الى ذلك انه كان يصطدم بعنف مع الاشخاص الذين يتسرعون في تحقيق كتب التراث, او الذين يتعثرون في الاحاطة بعلوم العربية, فيؤدي جهلهم المركب, وتسرعهم في اطلاق الاحكام العشوائية, الى الحاق الأذى بالحياة الثقافية والاساءة الى مكانة تراثنا وسمعته العريقة.‏

فهو يتأنى في خطواته, ويأخذ نفسه بالتثبيت , لا يقبل أول خاطر يهجم عليه بل يقلب وجوه النظر , ويطمح الى بلوغ الكمال, على حد تعبير الدكتور شاكر الفحام في حفل تأبينه.‏

كان هاجسه الأبدي, الدقة والتروي والتعمق والتمحيص في ابحاثه لهذا السبب فإن مؤلفاته لم تكن كثيرة العدد ولا تتناسب مع مكانته العلمية, ولا غرابة في ذلك فهو يحرص أشد الحرص, لئلا يقع في الغلط الذي سيقود الى غلط آخر. ويعلق الاستاذ عبد الغني العطري على هذه الظاهرة بما معناه: ( للتروي حدوداً ينتهي عندها ولا ريب . فإذا لم ينته هذا التدقيق ولم يقف عند حد معين , فمعنى ذلك عدم انجاز اي عمل وعدم صدور أي كتاب تراثي, لدى أي باحث أو محقق ).‏

وتجدر الاشارة.. الى ان الاستاذ النفاخ , نقد بقسوة الدكتورة (بنت الشاطئ), حين أصدرت كتاب (رسالة الغفران) للمعري بتحقيقها , حيث نشر كلمة بهذه المناسبة في احدى المجلات المصرية, ويبدو ان المجلة تصرفت بكلمته النقدية تصرفا افسدها فلما ظهرت الطبعة الثانية لرسالة الغفران) عام 1957 علق عليها في مقال له بقوله: (عسى ان نصل في هذا النقد الى وجه الصواب).‏

ومن كتبه القيمة نذكر :‏

- ديوان ابن الدمينة, تحقيق-القاهرة .1959‏

- مختارات من الشعر الجاهلي, دمشق .1966‏

- فهرس شواهد سيبويه, بيروت .1970‏

- كتاب القوافي, لأبي حسن الأخفش, تحقيق, بيروت .1974‏

واذا كانت لنا كلمة أخيرة.. في ذكرى رحيل أديبنا الكبير .. فإننا نتمنى على لجنة الاحتفالية, تكريمه بما يليق به, بعد هذه العطاءات المتميزة, وكذلك طباعة أحد كتبه المخطوطة, او المطبوعة التي نفدت من المكتبات السورية منذ مدة طويلة, تعميماً للمعرفة الصحيحة, وخدمة للغة الضاد الجميلة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية