تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التلميذ

ساخرة
21/2/2008
معتصم دالاتي

الأطفال جميعهم يكبرون, إذا لم يقصف الله عمر أحدهم ويريحه من الحياة في المستقبل,

ومن المدرسة في الحاضر, فالأطفال المساكين تلاميذ يضطرون للذهاب إلى المدارس كل يوم.‏

الطفل الذي سأتحدث عنه قد سلمه الله وبقي (حسب توصيف أحمد شوقي) واحداً من الذين يُراح ويغدى بهم كالقطيع على مشرق الشمس والمغرب, أي إنه كان في كل صباح يذهب إلى المدرسة التي لم يحبها في يوم من الأيام, طبعاً باستثناء أيام الجمع والأعياد والعطل الرسمية الغالية على قلبه. ولقد كان يردد أنه لم يمر عليه يوم جميل سوى تلك الأيام بالإضافة إلى أيام المرض أو التمارض التي يرتاح فيها من المدرسة وهمها, ولعل السبب في ذلك أنه لم يكن تلميذاً مجتهداً في أي من سنوات الدراسة, ولهذا فقد كان يكره المدرسة والمعلمين والمدير, وكانت كراهيته تصل إلى مدير التربية ووزيرها مروراً بالمفتشين الذين أصبح اسمهم فيما بعد موجهين تربويين أو اختصاصيين.‏

ومع ذلك فقد كان في بعض السنوات يحالفه الحظ فينجح في صفه وينتقل إلى الصف الأعلى, فالرسوب أمامه كان أمراً طبيعياً بالنسبة لأمثاله من الكسالى.‏

وإمعاناً في القدر الظالم, والحظ العاثر مع هذا الطفل, فإنه حين كبر في السن وتخرج من المدرسة بدرجة مقبول, واعتقد أن الله أراحه من المدارس, فقد شاء له مقسم الأرزاق أن يصاب بمهنة التعليم, وأن يكون رزقه ورزق عياله من المدرسة, والعودة ثانية إلى الصف المدرسي الذي لم يأتلف معه في يوم من الأيام. حتى إنه حين يكون في منزله يصاب بتسارع دقات قلبه حين يسمع رنين جرس الباب الذي يذكره بجرس المدرسة.‏

بعد ذلك يصبح ذاك التلميذ في الماضي, المعلم في الحاضر والكاره للمدارس في الحالين, مفتشاً, أي موجهاً تربوياً حسب المصطلح الذي أقرته وزارة التربية, وكان عليه أن ينتقل من مدرسة إلى مدرسة ليفتش على المعلمين أو يوجههم تربوياً.‏

في أثناء جولاته على المدارس في مهمته الموكلة إليه بعد استلامه المنصب الجديد, كان يتوق للذهاب إلى مدرسته القديمة التي أكلت طفولته, لكنه كان يؤجل الذهاب إليها, لكأن شعوراً غامضاً من الرهبة والحنين كانا يسكنان قلبه لمدرسته تلك.‏

في اليوم الذي عزم فيه التوجه إلى مدرسته القديمة كان متعثر الخطا وهو في طريقه إليها, لكأنه على موعد مع حبيبته التي لم يلتقها منذ زمن بعيد, ولعله كان يحدس أن يلتقي فيها معلميه القدامى الذين ما زالوا يحتلون تلك الصفوف.‏

تضاربت لديه المشاعر حين سيدخل غرفة صفه القديمة, هل يجلس على طاولة المعلم التي كانت ترهبه وهو تلميذ صغير, أم يجلس في المقعد الأخير ليعيش ولو لأقل من ساعة طفولته التي يحار كيف ضاعت منه.‏

لم ينتبه إلى نفسه إلا وهو في منتصف باحة مدرسته القديمة, تحيط به غرف الصفوف ينبعث منها الضجيج.‏

لم تكن تلك ضجة الأولاد التي ألفها في طفولته, بل كانت ضجة مصدرها آلات الورشة التي كانت في يوم من الأيام مدرسته.‏

داهمته رغبة شديدة للبكاء, ولم يعرف في حياته كلها حزناً يوازي حزنه في تلك اللحظة بالذات.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 21/02/2008 08:52

ترى..هل ذاك الطفل هو الكاتب نفسه؟.

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية