تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الثورة تستطلع من القاهرة آراء من عاشوا مع الوحدة

الوحدة بين سورية ومصر
21/2/2008
رغم مرور خمسين عاما على تجربة الوحدة الفريدة, التي تحققت بين مصر وسوريا, واستمرت لأكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة,

ورغم كل ما قيل عن هذه الوحدة, لكن تظل هذه التجربة المتميزة والرائدة على مستوى العالم العربي كله, شاهدا على هذه الوحدة, التي كانت ومازالت حلم يراود كل القوميين العرب, وأنها الأمل الوحيد للتخلص من حالة الضعف والترنح التي يعاني منها العرب اليوم, وهم يواجهون المخططات الصهيونية العالمية, في ظل الأحادية القطبية, وسيطرة الإمبريالية الأمريكية على مقاليد الحكم في العالم, وانحيازها المتواصل للعدو الصهيوني, على حساب الحقوق العربية المشروعة, في عالم لا يعرف اليوم غير لغة القوة والوحدة, في حين يتفتت ويتجزأ العرب, بحيث لم يعد لهم مكانا على الخارطة العالمية, ولن يعودوا اليها إلا من خلال وحدتهم, وحدة حقيقية, مقاومة للمخططات الصهيونية, ومتصدية للإمبريالية الاستعمارية الأمريكية, وحدة مستلهمة التجربة المصرية - السورية, التي تمت في عهد زعماء الوحدة, وتكالب عليها الأعداء المحليين والإقليميين والخارجيين الثورة استطلعت من القاهرة آراء الكتاب والسياسيين الذين عايشوا الوحدة يوما بيوم وكانت المواقف التالية :‏‏‏

***‏

محمد حسنين هيكل :‏‏ التيار الشعبي السوري صنع رجالها‏‏‏

حقيقة, كان كل السياسيين السوريين الذين تصدروا عملية إتمام الوحدة بين مصر وسوريا, لم يقودوا الوحدة, وإنما للحقيقة والتاريخ أنهم انقادوا لها, فهم لم يصنعوا ذلك التيار الشعبي السوري, الذي حقق تجربة الوحدة الاولى, وإنما هذا التيار الشعبي السوري, هو الذي صنعهم.‏‏‏

ففي مطلع سنة ,1958 كانت الجماهير السورية كلها تردد بصوت واحد كالرعد هتافها التاريخي, الذي يحمل كل المشاعر الفوارة التي فجرها ظهور شخصية البطل عبد الناصر.‏‏‏

وبدأت أصداء هذا الهدير الشعبي الجماهيري, تصل الى كل مكان داخل سوريا, الى دور الأحزاب المتصارعة, الى ثكنات الجيش الخائفة المتربصة, والى المتحدثين بالسياسة في علب الليل في بيروت.‏‏‏

وبدأت الأصداء تسمع في العواصم العربية, المشتركة في الصراع داخل سوريا وعلى سوريا, في بغداد وعمان وفي الرياض, ثم وصلت الأصداء الى لندن, الى باريس, الى واشنطن, الى تل أبيب.‏‏‏

في ذلك الوقت, اجتمع قادة الكتل المتصارعة في الجيش, في شبه هدنة مؤقتة بينهم, ثم تناقشوا في أوضاع سوريا, ثم استقر قرارهم على أنه لا حل ولا أمل في سوريا, إلا بوحدة مع مصر.. تستجيب أولاً لنداء الجماهير, ثم تنتهي ثانياً لعبة الحبل المشدود على حافتي الهاوية, الذي كانت تسير علىه سوريا بحكم الحالة التي تردَّت الىها أمورها, وكانوا في ذلك الوقت 22 ضابطاً, يمثلون 22 كتلة في الجيش السوري, ووافقوا جميعاً على ذلك الحل, برغم ما كان في خواطر كل منهم.‏‏‏

كان أحدهم - مثلاً - وهو أمين النفوري يحلم بانقلاب تقوم به مجموعة الضباط الشوام, كما يسمونهم, أي ضباط دمشق, وكانت هناك عناصر في بغداد تحمسه وتدفعه, ولكنه لم يكن واثقاً من النجاح.‏‏‏

وكان أحدهم - مثلاً - وهو عفيف البزري, يعيش بكل أحلامه مع الشيوعية, ولكن الطريق أمامه لم يكن واضحاً لعمل محدد يستطيع بعده أن يرفع الراية الحمراء فوق دمشق, هو أيضاً لم يكن واثقاً من النجاح.‏‏‏

وكان أحدهم - مثلاً - وهو عبد الحميد السراج, لغزاً غريباً, يكتم في داخل نفسه أكثر مما يظهر للناس, ويريد أن يعرف كل شيء ويمسك بأصابعه كل خيط, وكان في قلبه صراع عنيف, بين المثل الوطني الأعلى وبين الرغبة في السلطة والسلطان والرهبة, وكان من غير شك - يريد الوحدة, وكان في نفس الوقت - ومن غير شك أيضاً - يريد سوريا, ولكن كيف السبيل?!‏‏‏

هكذا, بالخوف, وبالحيرة, وبالشك, وبالأمل, وبالطموح, اتفقت كلمتهم جميعاً على أن الوحدة هي الحل وهي المخرج.‏‏‏

وركبوا جميعاً طائرة جاءوا بها الى القاهرة, إلا واحداً منهم - هو عبد الحميد السراج - تركوه وراءهم في دمشق ليمسك بزمام الأمور في غيبتهم, ويحفظ الميزان الدقيق المشدود على سلك بين حافتي الهاوية - ريثما يعودون الىه.‏‏‏

وصلوا الى القاهرة يوم 14 يناير 1958 على وجه التحديد, وطلبوا أن يقابلوا الرئيس جمال عبد الناصر, ولكنه يومها لم يكن في القاهرة, بل كان في الأقصر مع ضيفه في ذلك الوقت الدكتور أحمد سوكارنو رئيس جمهورية أندونيسيا, وقابلهم المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة, والقائد العام للقيادة المشتركة التي كانت تضم الجيش المصري والجيش السوري في ذلك الوقت, وكان يعرفهم جميعاً, وكانوا يعرفونه جميعاً,وتكلموا معه بما جاءوا من أجله, وليلتها اتصل المشير عبد الحكيم عامر بالرئيس جمال عبد الناصر في الأقصر, وكان رأي جمال عبد الناصر: إنه على أي حال سوف يعود في الغد الى القاهرة, وسوف يجتمع بهم ليسمع ما عندهم.‏‏‏

وباتوا ليلتهم في قصر الضيافة قصر الطاهرة, وفي الساعة الثامنة مساءً خرجت بهم قافلة سيارات حملتهم من قصر الطاهرة الى بيت الرئيس جمال عبد الناصر في منشية البكري, ثم كان اجتماع, سيظل- مهما كان ومهما سوف يكون- من أهم صفحات التاريخ العربي المعاصر, وتحدثوا جميعاً فيما جاءوا من أجله, وساقوا له المبررات, وصفوا حالة الفرقة بينهم, وصفوا حالة الاستنفار الدائمة في الثكنات, لأن كلا منهم يتوجس من الآخر, وصفوا حالة سوريا الضائعة بين أحزابها, وبين ضغط حلف بغداد علىها في الداخل والخارج, وبين تسلل الشيوعيين الى الأعصاب الحساسة للوطن السوري.‏‏‏

تحدثوا عن أسلحة حلف بغداد التي يجري تهريبها عبر الحدود, وعن مخططاته للسيطرة على سوريا.‏‏‏

تحدثوا عن نشاط خالد بكداش, وعن حي الأكراد الذي حّوله في دمشق الى قلعة مسلحة, لا يجسر على الاقتراب منها غريب.‏‏‏

تحدثوا عن الشخصيات السورية السياسية المتهالكة, بعضهم يمد يده للرياض استجداء لمالها, الذي لا ضابط له ولا حساب, وبعضهم ترك جيوبه لبغداد تحشوها له, بما تقدر علىه بغداد من فيض الخير والرزق.‏‏‏

وقال جمال عبد الناصر: هذا كله لا يبرر قيام وحدة, تلك كلها أسباب سلبية, سوف تكون عبئاً على الوحدة أكثر ما تكون قوة دافعة لها.‏‏‏

قالوا: لكن الشعب في سوريا كله يطلب الوحدة, إن الوحدة مطلبه الدائم, والوحدة مع مصر بالذات هي التيار الكاسح في سوريا كلها الآن, والناس في سوريا يحسون أنهم يقبلون وأن مصر تصدهم, وأن مجلس النواب السوري اتخذ قراراً بالوحدة مع مصر, ولكن مجلس الأمة المصري لم يستجب, وظل أسابيع طويلة بين التردد والإحجام, ولا يجيب على الإشارة الموجهة الىه من المجلس النيابي السوري, وإن هذا وضع يجرح الشعور الشعبي في سوريا.‏‏‏

وقال عبد الناصر: إن الوحدة ليست بالعمل السهل, لقد بدأنا الآن - بالكاد - بعد معارك عنيفة مع الاستعمار نوجه كل طاقتنا لبناء مصر, وأملي في بناء مصر هو أن تكون قاعدة قوية, من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية, لنضال باقي الشعوب العربية, إن أملي أن نجعل مصر نموذجاً للعمل الوطن, وبرغم ما في ذلك من مشقة, فإن هذا هو طريقنا الوحيد, ليس للتطوير فقط, ولكن للوحدة أيضاً, إني أريد أن نجعل مصر البلد النواة للتطوير العربي, ولسوف يكون لذلك كله أثره في تدعيم الدعوة الى الوحدة عملياً وواقعياً وإيجابياً.‏‏‏

وقالوا له: تريد أن تعمل ذلك لمصر, وتترك سوريا التي علقت آمالها على مصر وعلىك, أنت بذلك تتخلى عن دعوة القومية العربية كلها من أجل مصر وحدها.‏‏‏

وبعد وصول الموافقة الرسمية من الحكومة السورية, قال جمال عبد الناصر: إنني أقبل المبدأ تحقيقاً لمطلب الشعب السوري, ولكي لا تضيع سوريا, ولكن شروطي الثلاثة هي:‏‏‏

أولاً: أن يتم استفتاء شعبي على الوحدة, ليقول الشعب في سوريا وليقول الشعب في مصر رأيه الحر في التجربة ويعبر عن إرادته.‏‏‏

ثانياً: أن يتوقف النشاط الحزبي في سوريا توقفاً كاملاً, وأن تقوم الأحزاب السورية بحل نفسها.‏‏‏

ثالثاً: أن يتوقف تدخل الجيش في السياسة تدخلاً تاماً, وأن ينصرف ضباطه الى أعمالهم العسكرية, ليصبح الجيش أداة دفاع وقتال, وليس أداة سلطة في الداخل وسيطرة.‏‏‏

وسكتوا جميعا, واستطرد جمال عبد الناصر: إنني أعلم أنكم جميعاً سوف توافقون على شرط الاستفتاء الشعبي, ولكن باقي الشروط لها أهميتها في تقديري.‏‏‏

وكان واضحاً أن الشرطين الأخيرين لجمال عبد الناصر لمسا الأوتار الحساسة في الحياة السياسية السورية, بالطريقة التي كانت تجري علىها, فلم يكن الاستفتاء الشعبي موضوع سؤال فقد كان التيار الشعبي واضحاً كاسحاً, ولكن الأحزاب السورية.. هل تقبل أن تحل نفسها, وضباط الكتل في الجيش السوري.. هل يتنازلون طواعية عن سلطانهم القوي?‏‏‏

واجتمعوا ليلتها جميعاً, مرة اخرى ثالثة, وعبد الحميد السراج معهم, بالرئيس جمال عبد الناصر, وكان لايزال عند شروطه كلها, لم يتنازل عن واحد منها, وخرجوا من عنده قرب الفجر يركبون طائرة تعود بهم الى دمشق, وكانت الحقيقة الكبرى في الطائرة معهم وهم عائدون: إن التيار الشعبي وأوضاع سوريا الخارجية والداخلية, وما بينهم هم أنفسهم, تجعل الوحدة أمراً محتماً, مهما كانت شروط الرئيس جمال عبد الناصر.‏‏‏

وجاء كل الساسة من سوريا, وفي طليعتهم شكري القوتلي.‏‏‏

وبين الظروف الواقعة, وبين شروط جمال عبد الناصر, لم يكن هناك مخرج ثالث سهل, وكان الإلحاح الشعبي السوري يكاد يقتحم كل غرفة من غرف الاجتماعات, كانت إرادة الجماهير السورية هي العامل الضاغط والموجه.‏‏‏

وقبِل الوحدة من السياسيين السوريين من قبلها في ذلك الوقت وفي ذهن كل منهم:‏‏‏

أولاً: أن يفلت من الضغط الشعبي الذي يحاصره.‏‏‏

ثانياً: أن يجد لنفسه في الأوضاع الجديدة- بعد الوحدة- مكاناً يستطيع منه أن يباشر العمل لنفسه ولأهدافه التي لم يجد لها مخرجاً في الدقيقة الستين من الساعة الرابعة والعشرين.‏‏‏

***‏

إبراهيم بدراوي : تحية تقدير الى المواطن العربي الأول القوتلي‏‏‏

تمثل تجربة الوحدة التي أبرمت بين مصر وسورية في الفترة من 22- 2- ,1958 وانفرطت في 28-09-,1961 أحد أبرز الأحداث في التاريخ العربي المعاصر, خاصة وأن هذه الوحدة قد أتت استجابة للإرادة الشعبية المتلهفة للوحدة والتحرر, والمتعطشة لتصفية الاستعمار, ومقاومة التخلف والتجزئة والاحتكار.‏‏‏

وحدة قادها الرئيس جمال عبد الناصر أحد أعظم رجال العرب في التاريخ المعاصر, لقيادته ثورة قومية فعلىة, في وجه الرجعية والاستعمار, وأيضا فإن الرئيس شكري القوتلي يستحق تحية إعجاب رائعة, لتخليه عن الحكم في سورية وتسليمه عبد الناصر مقالىد الأمر, واختياره طوعا صفة المواطن الأول في دولة الوحدة الجديدة الجمهورية العربية المتحدة, فإن هذا الأمر لا ينال من شخصية الرجال, خاصة وإن كانوا في عظمة عبد الناصر والقوتلي, هذا أولا.‏‏‏

ثانيا: نقول إن هذه الوحدة المباركة أبرمت بعد مباحثات بين الرئيسين عبد الناصر )مصر( وشكري القوتلي )سورية(, حيث أعلنت الوحدة يوم 02-02-,1958 وصيغ لها دستور مؤقت, تلاه استفتاء شعبي علىهما الوحدة والدستور أذيعت نتائجه يوم 22-02-,1958 ثم حظيت الوحدة بين القطرين بإجماع شبه مطلق داخل مجلس النواب السوري, وكم كانت الفرحة واضحة على الشعب العربي في مصر وسورية, بقيام الجمهورية العربية المتحدة, باعتبار الوحدة أحد الأهداف المركزية للنضال العربي وللوحدويين, وتم تسجيل الحدث على أنه أروع انتصار للأمة العربية خلال هذه الحقبة, وعلقت الجماهير العربية في هذين القطرين على الوحدة أحلاما وآمالا كثيرة, وبدأ المواطن العربي, لا الثوري فحسب, وإنما حتى رجل الشارع العادي يستشعر حقيقة وقرب انهيار مراكز الاستعمار في الوطن العربي تباعا, كما كان نفس هذا المواطن يعتقد تدافع الشعب العربي في سائر الوطن العربي, نحو الاتحاد, مع هذه الجمهورية الفتية, واستبشر عموم الشعب العربي بحل مشكلاته الواحدة تلو الاخرى, خاصة في القضايا الجوهرية وفي مقدمتها: الملف الفلسطيني, القضية الجزائرية, وبدأت النخبة العربية, وفي مقدمتها طليعتها الثورية, تروج بين الجماهير العريضة شعارات الحرية والاشتراكية وتكافؤ الفرص والقضاء على الاحتكار والإقطاع والرأسمالىة, واستعاد عموم الشعب العربي نخوته القومية, واندفع يتطلع الى أفق جديد يضرب فيه موعدا مع التاريخ.‏‏‏

لكن هذا الشعب العربي سرعان ما عاد الى الىقظة, على نبأ فشل هذا المشروع الوحدوي للاعتبارات التالىة:‏‏‏

ˆ اختلاف وتيرة التطور بين سورية ومصر, وما نتج عن ذلك من نقائص اقتصادية استغلها أعداء الوحدة.‏‏‏

ˆ عدم استيفاء الإعداد الكافي للوحدة, وإنجازها تحت ضغط العاطفة والحماس, وغياب الوعي السياسي الوحدوي.‏‏‏

ˆ القصور في إدراك العلاقة بين الوحدة والديمقراطية.‏‏‏

وإذا كانت قد سقطت وحدة العرب التاريخية بين مصر وسورية, فإن مطلب الوحدة صار حلما جديدا الىوم نتمنى أن يتحقق.‏‏‏

* قيادي شيوعي‏‏‏

***‏

د. أحمد ثابت : نفذها الشجعان وفصل عراها الاستعمار‏‏‏

بمناسبة مرور خمسين سنة على ذكرى أول وحدة عربية في التاريخ المعاصر حققها الوحدويون العرب, تلك الوحدة التي حلم بها كل العرب المخلصين, وخطط لها ونفذها الشجعان, وفصل عراها الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية, وتحالف رأس المال والإقطاع مع الاحتكارات الدولية, ويجب ألا ننسى أن وحدة مصر وسورية في 22/2/,1958 لم تكن المرة الاولى التي يضّم فيها القطرين كيان سياسي واحد, بل كانت واحدة من سلسلة حالات وحدوية توالت منذ خمسة آلاف سنة, و إذا كانت قد تعددت وجهات النظر حول هذه التجربة الوحدوية العربية, حيث يراها البعض بأنها كانت عملا متسرعا, تم من غير دراسة وافية وكافية, ولم تأخذ الظروف الموضوعية الخاصة بكل قطر, وأنها وحدة حماسية ومتسرعة, هكذا قال فيها خصوم الوحدة ومعارضوها, ثم رددها من بعدهم الكثيرون دون تمحيص أو تدقيق أو دراسة, وأبرزت مقولات متعسفة, والحقيقة أنه بعد تأميم قناة السويس في عام ,1956 كشركة مساهمة مصرية ردا )على سحب أمريكا وبريطانيا تمويل مشروع السد العالى(, وكانت أول عملية تأميم في الوطن العربي, وقامت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالاعتداء على مصر, ففاجأ عبد الناصر العالم بالإصرار على المقاومة ورفض الاستسلام, برغم عدم تكافؤ القوي وازدياد الخطورة على مصر, وانتهت المعركة بانتصار سياسي وتاريخي شكل مفصلا مهما في حياة الوطن العربي والعالم الثالث, والى جانب صمود مصر قيادة وشعبا تفاعلت الأمة العربية مع عبد الناصر, متجاوبة مع تفجير عبد الناصر آمالها المحبوسة وطموحاتها المكبوتة, واندفعت سوريا لتصوغ مع مصر موقفا قوميا سمته التحدي والكبرىاء, واستغل عبد الناصر فرصة مشاركة بريطانيا في العدوان فألغى التزامات مصر بموجب اتفاقية الجلاء والاستيلاء على القواعد البريطانية التي كانت تحتفظ بها في منطقة القناة, وتمصير الممتلكات البريطانية ضمن عملية التمصير الكبرى, التي أعقبت العدوان, وتمت تصفية النفوذ البريطاني بالكامل.‏‏‏

كانت لهزيمة بريطانيا وفرنسا في السويس تداعياتها في العالم الثالث, إذ أطلقت صيحة الحرية في كل نواحي إفريقيا, سرعان ما تحرك ثوار أفريقيا, فكان الوضع الجديد في مصر قد شارك في تحرير أفريقيا.‏‏‏

أيضا لأول مرة يصدر في دستور عام 1956 أن مصر دولة عربية ذات سيادة, وهي جمهورية ديمقراطية وجزء من الأمة العربية, وتسارع نمو الوعي العربي نخبويا وجماهيريا لدور مصر العربي, والنظر الىها كإقليم قاعدة عربي مؤهل ومسؤول عن الدفع باتجاه تحقيق الطموحات القومية, وأبرزت كفاءة عبد الناصر في قراءة التاريخ المصري والعربي, بحيث مكنت فهمه من إدراك أهمية التكامل القومي والوحدة العربية, وارتباط أمن مصر واستقرارها استراتيجيا مع أمن الوطن العربي, واستقى عبد الناصر نظرية الحتمية التاريخية من التاريخ العربي, كما استقى ماركس نظريته في التطور التاريخي من تاريخ أوربا, وفتحت مصر العروبة أبواب معاهدها وجامعاتها لآلاف الطلبة العرب, ومساندة المناضلين العرب ودعمت حركات التحرر العربي, فدعمت ثورة الجزائر وجنوب الىمن والخليج العربي وفلسطين والمغرب العربي, وشكلت الناصرية منذ الخمسينيات قاعدة للعروبة, وجسّدت الفكر القومي وعرفت الحركة القومية العربية من خلال قيادة عبد الناصر وصارت القاهرة مركز ثقلها, وبذلك بدأت حقبة من التاريخ ما يمكن تسميته بالنظام القومي العربي, وبعد أن عاشت مصر تحركا ثوريا عشية الوحدة, حيث كان هناك من يري أن مصر قدمت تجربة ثورية رائدة في العالم الثالث, بتحقيق منجزات, تجاوزت في آثارها الإطار القطري الى المحيط القومي والعالم الثالث, على الرغم من قيامها في أكثر مناطق العالم عرضة للمداخلات الخارجية, ولأن الإيجابيات فاقت السلبيات, فالنجاحات كانت تتوالى, فقد اتسم الموقف العربي اتجاه التجربة والقائد بقدر كبير من التأييد الحماسي, الذي غيب بشكل كامل الحديث عن السلبيات ونواحي القصور التي حدثت, فلم يكن في مقدور أحد إلا أن يتأثر بالمناخ العام الذي ساد سورية في أعقاب الدور القومي الذي مارسه عبد الناصر في مؤتمر )باندونج(, والتصدي لحلف بغداد, وتحوله لقائد قومي بدون منازع.‏‏‏

* قيادي ناصري‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية