تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حلم تحقق وأخر ينتظر

الوحدة بين سورية ومصر
21/2/2008
بقلم :أسامة عبد الحق

عندما تمكن الزعيم جمال عبد الناصر في تحقيق أول وحدة عربية بين إقليمين عربيين هما مصر وسورية عام ,1958

كان يعلم جيدا أن المعركة مع أعداء الوحدة العربية في الداخل والخارج قد بدأت, فمع هذه الوحدة بدا الحلم الذي طال انتظاره قابلا للتحقيق في النهاية, فقد بدأت الأنظمة المعارضة للمشروع النهضوي العربي في الانهيار, وبدا أن هناك اتجاها قويا داخل الضباط الأحرار العراقيين, الذين قاموا بالثورة, يضغط باتجاه الالتحاق السريع بدولة الوحدة الناشئة, والتي كان من نتائجها المباشرة نزول القوات الأمريكية في لبنان والقوات البريطانية في الأردن, بعد أن اجتاحت عمان وبيروت مظاهرات عارمة, يلهبها حلم الوحدة, الذي فجره عبد الناصر, وقد قدرت وكالات الأنباء آنذاك أن عدد اللبنانيين الذين قصدوا بيروت باتجاه دمشق, التي كان يزورها الرئيس عبد الناصر قد وصل الى نصف مليون, أي أن نصف لبنان قد شارك واقعيا في مواكب الرحلة الى دمشق, خلال فترة لا تزيد على أسبوعين, من ناحية اخرى تأججت الثورة في الجزائر وبدت الأمور آنذاك- وكأننا نسير نحو النصر النهائي للمشروع العربي, الذي بدأت ملامحه قريبة, تداعب الخيال الشعبي, فالوحدة المصرية/ السورية, وقيام الجمهورية العربية المتحدة كشفت بشكل فجائي وصاعق عن جوهر المشروع النهضوي العربي, أي الوحدة العربية, وكشفت في ذات الوقت عن أعداء هذا المشروع, الخارجيين والمحليين.‏‏

لقد كتبت آلاف الكتب والمقالات وعقدت مئات الندوات والمؤتمرات لدراسة قضية الوحدة العربية, تبحث في المعوقات والعقبات, وتقترح الحلول والسياسات, وتتصور الأسالىب والطرق.‏‏

لذلك لا يبدو منطقيا أن نتكلم عن الوحدة العربية الآن, بنفس الخطاب الذي كان سائدا في الخمسينيات والستينيات, فقد كانت الأوضاع السياسية والفكرية السائدة- آنذاك- تشهد حالة صعود لنظام إقليمي عربي قوامه الفكري الإيمان بالوحدة العربية, وقوامه السياسي مواجهة الاستعمار, ورفض الأحلاف, وقوامه الاجتماعي التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية, وقوامه الطبقي الفئات الكادحة والمسحوقة من الجماهير العربية, وقوامه التحرري, كان تحرير فلسطين من القبضة الصهيونية.‏‏

ونستطيع القول إنه إذا كان جيفارا يمثل الثورة في رومانسيتها, فإن عبد الناصر كان يمثل الثورة في واقعيتها.. لقد راح عبد الناصر يعمل في اتجاهات متعددة لتحقيق ما كان يحلم به ثوار كثيرون, ولم تكن الأمور سهلة بالمرة, كما يظن البعض, لكن الحرب الباردة والتنافس والصراع بين أمريكا والاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت قد أتاحت كثيرا من حرية الحركة والمناورة لعبد الناصر لحركات التحرر الوطني في الخمسينيات والستينيات, من خلال الدعم الذي قدمه الاتحاد السوفييتي لها, لمواجهة الضغوط التي كان يفرضها المعسكر الإمبريالي بقيادة أمريكا.‏‏

فلا يمكن أن ننكر أن توازن القوى النسبي الذي ميز النظام الدولي خلال هذه الحقبة كان أحد العوامل التي ساعدت على نجاح المشروع الناصري, وأمدته بحرية مناورة واسعة.‏‏

لكن على الرغم من أن الرئيس عبد الناصر كان قد استفاد من التوازن الدولي, وحقق بفضله نجاحات سياسية كبيرة, لكن هذا لا يمنع من القول إن انكسار هذا المشروع, يرجع السبب الرئيسي فيه الى دور العوامل الخارجية, أو بالتحديد الى دور أعداء الأمة العربية الصهيونية والإمبريالىة, وهي القوي التي حشدت كل طاقاتها وبشكل متفوق لكسر المشروع العربي الناصري, على الرغم من وجود الاتحاد السوفييتي, وما كان يخلقه من توازن سياسي وعسكري واقتصادي.‏‏

لقد استطاع عبد الناصر خلال فترة حكمه أن يعيد صياغة دور مصرفي النظام العربي, وأن يمسك بقيادة هذا النظام باتجاه الوحدة, بعد أن أثبتت التجربة أن الدولة القطرية عاجزة عن حل أبسط مشكلاتها الىومية, إذ لا تزال هذه الدولة القطرية تستورد غذاءها ودواءها من وراء البحار, ولأننا مستهدفون في كل لحظة في حقنا في الوجود.‏‏

وإذا كان حلم الوحدة مازال يراود كل القوميين العرب, باعتبارها الأمل والملاذ الوحيد للخروج من حالة الضعف والانبطاح الرسمي العربي في الوقت الراهن, إلا أن معوقات الوحدة الىوم كثيرة, مما يجعل معها تحقيق هذا الحلم أمرا عسيرا, فهناك حالة من التبعية بالارتهان رسميا اقتصاديا وعسكريا للغرب, وبصفة خاصة للأمريكان.‏‏

لكن رغم كل ذلك, فإن الوحدة تبقي مشروعة وممكنة, شريطة تلافي ما أدى الى إفشالها في المرحلة السابقة.‏‏

فيجب عدم فرض الوحدة العربية على الجماهير, وعدم قيام الوحدة على جوانب شكلية, وإنما يتعين أن تكون الوحدة نتاجا طبيعيا لوضع ثوري وحدوي يناوئ التجزئة, وعدم قيام الوحدة على أساس العاطفة, إذ يجب أن تكون الوحدة محصلة طبيعية لإرادة شعبية واعية, تساعد على إنضاج الأوضاع الثورية الوحدوية, المؤدية الى قيام دولة الوحدة الاشتراكية الديمقراطية.‏‏

كما أن الوحدة العربية الشاملة لن تتحقق إلاٌ بتجزئتها على مراحل, ولا ضير بهذا المفهوم, بشرط أن تكون تلك المراحل على أسس واضحة, منهجية, ومتصلة, مثل تلك التي تقوم علىها الوحدة الأوروبية, بمعني أن تتفق الدول الأعضاء المعنية على قيام الوحدة العربية على المدي البعيد, وتحدد خطواتها الزمنية.. مرحلة تعقبها اخرى, خاصة وأن أهداف قيام جامعة الدول العربية تتضمن هذا كله, ولم يكن مطلوبا من الدول الأعضاء, وما أكثرها غير التحمس لتنفيذها وتحقيقها, خطوة بعد اخرى.‏‏

* كاتب وصحفي مصري‏‏

تعليقات الزوار

اريج |  imane34@yahoo.fr | 10/01/2010 13:19

بارك الله فيك

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية