تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حلم كل القوميين العرب

الوحدة بين سورية ومصر
21/2/2008
فاروق العشري

اتفاق أول فبراير عام ,1958 الذي جري عليه الاستفتاء وأعلنت الوحدة في 22 من هذا الشهر كان أمل كبير يراود كافة القوميين العرب,

وفي مصر وسوريا بدرجة أكبر, باعتبار أن سوريا ومصر كانا جزءاً من دولة واحدة إبان حكم محمد على قبل فرض معاهدة لندن 1840 من جانب إنجلترا والدول الاستعمارية في ذلك الحين, وكان إعلان الوحدة موقف له آثاره المدوية بالنسبة لأبناء الشعب العربي خاصة أنه جاء بعد تحقيق مصر للنصر السياسي على عدوان أكتوبر 1956 من قبل فرنسا وإنجلترا وإسرائيل في محاولة لإعادة الاستعمار البريطاني مرة اخرى الى مصر بعد أن كان قد تم جلاء آخر جندي بريطاني في 18 يونيو 1956 ثم جاء العدوان الثلاثي ليلة 29 أكتوبر من نفس العام, فكان الانتصار السياسي وصمود شعب مصر ومن ورائه الشعوب العربية وشعوب العالم المتحررة جميعاً ورفض مصر والدول العربية جميعاً لمشروع إيزنهاور الذي أقره الكونجرس الأمريكي في أول عام ,1957 الذي أطلق علىه نظرية ملء الفراغ في منطقة الشرق الأوسط, وبعد سقوط النفوذ البريطاني والفرنسي في المنطقة, وبعد سقوط مشروع حلف بغداد الذي طرح عام ,1955 ثم جاء قيام الوحدة ليتوج وحدة ثورية إيجابية تحقق أمل كبير نادي به وبشر به كثير من المصلحين الوطنيين والقوميين والثوريين بوجوب لم شمل الأمة العربية التي مزقها أعداؤها رغم إرادتها منذ عام 1916 في معاهدة سايكس- بيكو لتجزئة الوطن العربي الكبير واقتسامه بين إنجلترا وفرنسا, بتوافق بينهما, فكان التطلع الى عودة وحدة الوطن العربي الكبير, مخزوناً في عقول وأفئدة غالبية الشعب العربي كله, وإذا كان لها صدى إيجابي كبير على الشعب العربي, فإنه كان لها صداها المزعج والمحرك للأعداء للتحرك في مواجهتها منذ إعلان قيامها, وتركزت جهود أعداء الوحدة في الولايات المتحدة كقائدة للإمبريالىة العالمية في ذلك الحين والصهيونية العالمية, متجسدة في دولة إسرائيل, والتي تحرص بكل السبل المشروعة وغير المشروعة لعدم تحقيق أي تكامل أو وحدة أو اتحاد أو مجرد التواصل بين مجموعة من الدول العربية وبعضها البعض, بما يجعل هذه المنطقة مفتتة وضعيفة يسهل السيطرة علىها من قبل القوي الاستعمارية, ولا تشكل خطراً على دولة الكيان الصهيوني, لقد أصبحت دولة الوحدة في إقليميها الشمالى والجنوبي يجسدان هذا النموذج في دولة واحدة شعارها الحرية للوطن وللشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية والوحدة العربية الشاملة), مما أدى الى تكالب القوى الرجعية في الداخل للتآمر على هذه الوحدة, وساعدهم على ذلك الصهيونية العالمية والإمبريالىة الأمريكية وإنجلترا وفرنسا, واعتبروا هذه الوحدة خطراً كبيراً علىهم, وقد أعلن إيدن وزير خارجية بريطانيا في ذلك الحين أن جمال عبد الناصر قد أخرج الجن من القمقم, وهو إطلاقه للقومية العربية التي تواجه الاستعمار.‏‏

وهنا كان التدبير لقتل عبد الناصر نفسه وإنهاك مصر في حرب الىمن بالقوات المرتزقة بالأموال والتحريك ضد النظام الجمهوري الذي قام بثورة الىمن عام 1962 وكانت هذه القوى الاستعمارية والقوى الرجعية الإقليمية والمحلية قد نجحت قبل ذلك في إحداث كارثة الانفصال في 28 سبتمبر ,1961 وللأسف فقد بكى على هذا الانفصال الكثير من الوطنيين والقوميين, حزناً وألماً وكنت واحداً منهم, وكلما تذكرت هذه اللحظات الالىمة وشعرت بأن الوطن العربي كله في خطر, وأن الحلم الذي تجسد قد تحطم, وأن العرب سيندمون على مر التاريخ على ضياع هذه الوحدة, ومكنا أعداءنا من النجاح علىنا في إجهاض هذا الحلم الذي لم أعد أتصور أن جيلنا أو الجيل القادم بعدنا يمكن أن يعيش ويشاهد فجر الوحدة العربية ولو بين عدة أقطار ترفع علم الوحدة وتزيل الحدود ولتكون نواة لدولة الوحدة الكبرى, التي قد ينجح الأجيال القادمة في فرضها على الواقع, وفرض إرادتها على حكامها.‏‏

الدرس المستفاد من هذه التجربة أن الوحدة العربية ليست مجرد حلم أو خيال طوبوي يتهم البعض هؤلاء المنادين بالوحدة بأنهم مثالىين وغير واقعيين في التطلع لمثل هذا الحلم, بل إن نجاح قيام الوحدة من 22 فبراير 1958 وحتى كارثة الانفصال التي قاوم وقوعها قوميون شجعان من أبناء الشعب العربي السوري وحاولوا الدخول في حرب ضد دعاة الانفصال لكن الزعيم عبد الناصر رفض أن تسفك الدماء العربية بين بعضها البعض, ليبقى الأمل منزهاً من الدماء, ويبقى بالإرادة وحدها والإجماع الشعبي لتنتصر الوحدة بين الأقطار العربية, لكنها أثبتت أيضاً أنها عاشت وكان من الممكن أن تصمد لأكثر من ثلاث سنوات وثمانية أشهر التي عاشتها وتجسدت بيننا في حكومة واحدة وبرلمان واحد وجيش واحد, طوال هذه الفترة, وأن عوامل فشلها والعناصر التي تحركت بعد ذلك والسلبيات التي ظهرت في عدم بناء أعمدة الوحدة على أسس راسخة بين الإقليم الشمالي والجنوبي للجمهورية العربية المتحدة كان من الممكن معالجته آنذاك وتجنب كل هذه العوامل التي أدت الى كارثة الانفصال.‏‏

ومن الواضح الآن ونحن نعيش الآن في الذكرى الخمسين لهذه التجربة الوحدوية العربية وحتى الآن, فإن الأمل يعيش في قلوب وعقول المصريين والسوريين الذين كانوا يجسدون الوحدة على أرض الواقع, وأيضاً من جانب القوميين العراقيين الذين انضموا للوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق, والتي تم توقيع ميثاقها بعد مباحثات مارس ,1963 ولكن لم يصلوا الى توافق كامل لتنظيم سياسي واحد متماثل في كل الأقطار العربية الثلاثة, وفشلت الوحدة مباشرة.‏‏

إذن بعد كارثة الانفصال بين مصر وسورية بعامين فقط كانت هناك مباحثات ثلاثية تؤكد رغبة شعوب مصر وسورية والعراق على قيام الوحدة الثلاثية التي تم الاتفاق علىها وأعلن ميثاقها بالفعل بعد سقوط حكومة الانفصال.‏‏

والواقع الآن يقول أن التحديات أمام الوحدة العربية قوية جداً في ظل العولمة ومشروع الشرق الأوسط الكبير لتمكين الدولة الصهيونية من القيادة الإقليمية في المنطقة العربية في الوقت الراهن.‏‏

وفي تقديري أن الوحدة العربية هي الطريق الوحيد للخلاص من الاستعمار والصهيونية العالمية والإمبريالىة الأمريكية وبناء دولة قوية, والأساس الوحيد لقيام أمن وقومي عربي حقيقي ,وإذا كان هناك أمل في مشروع حضاري عربي, فلن يتحقق إلا في إطار وحدة وتكامل بين الدول العربية, هدف الى بناء وتحقيق الوحدة السياسية الاقتصادية ولو على أساس متدرج ليتحول الى نظام فيدرالي يشكل دولة واحدة, و بكل أسف أقول سوف يخرج العرب من التاريخ تماماً مع أن أمل الوحدة لم يهتز في وجداني ولو للحظة واحدة, حتى وإن طال الزمن سوف تتحقق رغماً عن أعداء هذه الوحدة.‏‏

* أمين التثقيف بالحزب العربي الناصري‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية