تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تزاوج الحضارتين

الوحدة بين سورية ومصر
21/2/2008
سامي شرف-سكرتير الرئيس جمال عبد الناصر للمعلومات

عندما نتحدث عن خصوصية العلاقات المصرية السورية, لابد أن نرجعها الى الىوم الذي التقت فيه الحضارتان الفرعونية المصرية

والفينيقية السورية, وكان لقاؤهما تزاوجا أبديا.‏‏

إذن الحضارة سجلها التاريخ فكانت وثيقة الزواج الذي لا فكاك منه.‏‏

وفي هذا السياق أتذكر مقولة مشهورة لديفيد بن غوريون الذي قال: العربية ستعصر هذا الكيان وتنهيه.‏‏

فعندما يتحدث بن غوريون وهو يشعر بالخطورة والرغبة في البقاء, بل والسيطرة واستمرار الاحتلال للأرض العربية, ويدرك أنه كيان غريب, والكيان الغريب علميا لابد أن يلفظه الجسد مهما طال الزمن, فهذا يعني أنه بالتقاء الجانب المصري مع الجانب السوري سيتحقق أمرين: الأول: إنهاء هذا الوجود الدخيل, والثاني: تحقيق نهضة عربية شاملة.‏‏

ومن المسلم به أن مصر تمثل قلب الأمة العربية ونبضها, وقوة مصر تعني قوة للعرب, و هي كذلك قوة جذب وتأثير بحكم عوامل عديدة, جغرافية وتاريخية وحضارية, كذلك دمشق التي هي عاصمة بلاد الشام, وأقدم مدينة في التاريخ مأهولة بالسكان- وهو ما يعني حضارة ممتدة- وما تمثله سورية كرمز للعروبة وقوة تأثير وجذب.‏‏

إذن لو اجتمعت قوتا جذب وتأثير, وهما القوتان العربيتان الأصيلتان منذ التاريخ الأول, وفي صدر الإسلام, فسوف تشكلان القاعدة الحقيقية للقوة العربية, بما يجعل هذه الأمة قوة عظمية تؤثر في مجريات الأحداث إقليميا وعالميا.‏‏

إن لبلاد الشام التي تمثل سورية منها موقع القلب, قوة تأثير هامة, فهي مركز تجارة المنطقة بأكملها, ويكفي أن الله تعالى ذكر في القرآن الكريم رحلتا الشتاء والصيف, وهو ما يؤكد أهمية هذه الرقعة الجغرافية لبلاد الشام, والتي تمثل سورية قلبها ومركز تأثيرها.‏‏

كذلك فإن لمصر خصوصية في القرآن الكريم, حيث ذكرت خمس مرات صراحة مصر, وأكثر من سبعين مرة غير مباشرة, من طور سيناء الى البحر الى قارون إلخ, وهذا يؤكد أن الله قد اختص هذين البلدين بخصوصية لحكمة يعلمها هو, وعلىنا أن ندرك أبعادها ما استطعنا ونوظف ذلك بما يخدم العروبة والإسلام.‏‏

إن تجربة الوحدة المصرية السورية هي تجربة إنسانية قبل أن تكون تعبيرا سياسيا عن أمل عربي, ولأنها تجربة إنسانية فلها بعض الجوانب السلبية, وكذلك الإيجابية, ويمكن لي وصف هذه التجربة بأنها تماثل تجربة جمال عبد الناصر منذ بداية ثورة تموز 1952 وحتى ايلول عام ,1970 فهي ليست تجربة قوالب- لأن عبد الناصر لم يأخذ قالب الرأسمالىة ليقوم بتطبيقه, ولا المادية الماركسية, إنما استوعب وأحس وهضم نبض الشارع المصري, وبدأ يترجم هذا النبض والإحساس والآمال والأحلام الى واقع لمصلحة الجماهير العريضة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير.‏‏

ولقد استطاع جمال عبد الناصر بإرادة شعبية جارفة أن يتخطي عقبات تمثلت في مؤامرات داخلية وخارجية, ومحاولات اعتداء متنوعة بلغت مداها في العدوان الثلاثي عام ,1956 الذي استطاع الشعب المصري ومعه أمته العربية من المحيط الى الخليج أن يحقق انتصارا سياسيا ضخما, نتج عنه ميلاد تجسيد القومية العربية من جديد على أرض الواقع العربي, فضلا عن تمكين مصر من الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي, وبداية بناء دولة عربية تعتمد على نفسها لتتحول مصر من مجتمع زراعي يعتمد على القطن الى مجتمع زراعي صناعي متطور ليكون مثل يحتذى بالمستقبل في العالم العربي, وذلك لكي لا نبقى أسرى الاعتماد على الخارج في مجالات التطور والتقدم .‏‏

هذه التجربة لم تكن مفروضة على أمتنا العربية, كما يحاول البعض إلصاق هذه التهمة بعبد الناصر, لأن كل مجتمع عربي في إطار دولته له مزاجية وعادات متوارثة, كما أن للبعض تركيبة خاصة.‏‏

هذه هي نظرة الرئيس عبد الناصر للمجتمعات العربية بمكوناتها الاجتماعية والاقتصادية والحضارية والثقافية, فلم يكن أبدا, كما يحاول بعض المتشككين وصفه بالرغبة في السيطرة, بل كانت حركته من خلال محاولة تحقيق أحلام وأهداف ورغبات الجماهير العريضة, هذا هو جمال عبد الناصر, وكذلك كانت تجربة الوحدة المصرية السورية.‏‏

ومن هنا نؤكد أن التلاقي المصري السوري هو ركيزة للعمل العربي, وكلما اقتربت القاهرة من دمشق أكثر وأكثر, كلما ارتفعت أعلام القومية العربية, والوحدة العربية, والتقدم العربي, فقوة مصر وسورية حين تلتقيان تشكلان ما يمكن أن نسميه بعبع للأعداء, بما تعنيه هذه الكلمة تماما.‏‏

ومهما قمنا بعملية تنظير لتجربة الوحدة, مع احترامي الشديد لجميع من تناول هذه التجربة, سواء بتحقيق الوحدة أو بمؤامرة الانفصال, فلقد تعلمت من الرئيس جمال عبد الناصر أن أكون إنسانا عمليا.‏‏

فتجربة الوحدة كانت تمثل خطرا حقيقيا على الأطماع الاستعمارية بالمنطقة, تلك القوى التي تسعى للسيطرة على مقدراتنا وعلى مواردنا وثرواتنا, وعلى الموقع الجغرافي, ولقد التقى في هذا كل من الشرق والغرب, فالشرق كان يسعي للوصول الى الجنوب, والغرب كان يسعى لفرض مبدأ إيزنهاور بنظرية ملء الفراغ, وبالتالى فقد التقت القوتان لمقاومة الوحدة العربية, وبالتالى القضاء على الأماني العربية.‏‏

لقد كانت ولادة الوحدة المصرية السورية ولادة طبيعية وشرعية, ولم تكن قيصرية, كما يحلو للبعض أن يصفها ظلما, ولو كانت هذه الوحدة ولادة من حمل سفاح, كما يشيع الحاقدون أو نتيجة رغبة شخصية, أو لفرض رأي وهيمنة وزعامة, لكان الشعب السوري ارتضى بالانفصال فور حدوثه, وإلا بماذا نفسر الرد الشعبي الغاضب لحركة الانفصال, ورفضه من الشارع السوري.‏‏

لقد كذب الحاقدون وافتروا على عبد الناصر بأنه يريد الزعامة والسيطرة, فهل نسوا أن الإخوة السودانيين جاؤوا له لإعلان وحدة وادي النيل عام ,1956 وكان جوابه أن تقرير المصير يتم شعبيا أولا, وما سيقبله الشعب السوداني سيقبله هو.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية