تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أبرز الحقائق

الوحدة بين سورية ومصر
21/2/2008
بقلم الدكتور : علي أبو الحسن

كان اليوم الأول من شهر شباط 1958 وقبل خمسين عاماً تتويجاً لاندفاع سورية العربية بجماهيرها الوحدوية يتقدمها حزب البعث العربي الاشتراكي

نحو مصر وقائدها العربي الرئيس جمال عبد الناصر واستجابة لنداءات جماهير سورية الوفية التي استشعرت بالأخطار تهددها من كل جانب, وهي المؤمنة بأن الوحدة قوة كما هي اليوم تماماً وكأن التاريخ يعيد نفسه.‏‏

ففي الذكرى الخمسين لقيام وحدة سورية ومصر تتعرض سورية لذات الأخطار ومن نفس الجهات الاستعمارية وبقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي تتأبط الصهيونية في تهديداتها اليومية ضد سورية متخذة من فلسطين بعد احتلالها جعبة ضد الأمة العربية وشعب فلسطين في الضفة الغربية وغزة ولكل هذه الاعتبارات التي كانت سائدة في ذلك العام والتي عليها الحال الآن واستجابة لنداءات جماهير سورية في جميع محافظاتها, والتي كانت تقول بصوت كالرعد رددته جماهير وادي النيل (بدنا الوحدة باكر باكر مع هالأسمر عبد الناصر).‏‏

أعلن القائد التاريخي للأمة العربية يومها الرئيس جمال عبد الناصر في الأول من شهر, شهر الوحدة إعلانه الأول قائلاً: (إن الشعب العربي في سورية والشعب العربي في مصر يقرران ويعلن بمشيئته قيام دولة جديدة, دولة عظمى, دولة قوية تنبع إرادتها من نفسها, تنبع إرادتها من شعبها, تنبع إرادتها من ضميرها, واليوم بعد أن كانت القومية العربية هتافاً وشعاراً أصبحت حقيقة واقعة, اليوم اتحد الشعب العربي في سورية مع الشعب العربي في مصر, وتكونت الجمهورية العربية المتحدة, ستكون الجمهورية الجديدة سنداً لكل عربي, ستكون الجمهورية الجديدة قوة لكل العرب, تسالم من يسالمها, وتعادي من يعاديها).‏‏

وفي الحادي والعشرين من شهر الوحدة انتخب الرئيس جمال عبد الناصر رئيساً لها, وبعد خمسة أيام وفي الخامس من شهر الوحدة شباط عام 1958 أعلن الرئيس جمال عبد الناصر إعلانه التاريخي الثاني من داخل مجلس الأمة المصري قائلاً: (لقد بزغ أمل جديد على أفق هذا الشرق, إن دولة جديدة تنبعث من قلبه, لقد قامت دولة كبرى في هذا الشرق, ليست دخيلة فيه ولا غاصبة, ليست عادية عليه ولا مستعدية, دولة تحمي ولا تهدد, تصون ولا تبدد, تقوى ولا تضعف, توحد ولا تفرق, تسالم ولا تفرط, تشد أزر الصديق وترد كيد العدو, لا تتحزب ولا تتعصب, لا تنحرف ولا تنحاز, تؤكد العدل وتدعم السلام, توفر الرخاء لها ولمن حولها وللبشر جميعاً).‏‏

لقد جاءت تجربة الوحدة العربية السورية المصرية في مرحلة من مراحل التحول الكبرى في النظامين الدولي والإقليمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية, وكانت ولأول مرة في التاريخ تقدم الصورة المثلى والنموذج الحي للاندماج السلمي بين دولتين عربيتين لتحقيق هدف محدد سعت إليه الجماهير العربية عبر تاريخها الطويل وتمنته, وكان الأكثر وضوحاً وهو التصدي للتهديدات الخارجية الأجنبية المعادية والأمنية التي حركتها قوى إقليمية ودولية في إطار سعيها للتحكم في التطورات الجارية وترتيب نظام إقليمي يتفق ومصالحها الحيوية في الأساس وترجمة لحالة الفوران القومي, كانت ترتكز على أرضية خصبة في المنطقة العربية بوجه عام وداخل سورية على وجه الخصوص يومها.‏‏

فكانت الاندفاعة السورية الصادقة نحو مصر بالذات واستجابت القاهرة لها ارتباطاً بالرغبة في خلق استراتيجية خاصة في أعقاب ثورة الثالث والعشرين من حزيران لعام 1952 المصرية, تلك الثورة المظفرة التي قدمت رؤية جديدة للعمل العربي المشترك وحاولت إخراجه من أسر المخططات الغربية التي حرصت فقط على ربط أي نوع من التحالف في منطقتها العربية بمواجهة الخطر الشيوعي المزعوم وخدمه المعسكر الغربي في حربه الباردة يومها مع الكتلة السوفياتية, كما جاءت وحدة مصر وسورية أيضاً بعد الانتصار السياسي الكبير الذي حققته القيادة العربية المصرية في إفشال أهداف العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والذي وقفت فيه جماهير سورية بكل إمكانياتها معنوياً وعملياً إلى جانب مصر.‏‏

إن ذلك العدوان وفشله اللذان أكدا انتهاء الحقبة الاستعمارية التي قادتها كل من بريطانيا وفرنسا في الشرق الأوسط وإفريقيا منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وأكدتا كذلك قدرة الدول الصغيرة على امتلاك إرادتها وسيادة قرارها وبشكل استقلالي خاصة إذا ما توحدت واندمجت نظمها السياسية, لقد كانت إرادة سورية وإرادة مصر مستقلتين فاتجهتها نحو الوحدة.‏‏

وكما قال الرئيس جمال عبد الناصر: (عندما استقلت سورية توجهت إلى مصر,وعندما استقلت مصر توجهت إلى سورية), وفي ظل هذه الاعتبارات كان اختيار قرار الوحدة ربما أقول ربما دون إجراء التمهيد اللازم لتهيئة البنى الاقتصادية والسياسية في كلا الإقليمين لهذا الحدث العظيم والذي كان مستنداً لعمق عربي ثقافي واحد ومشاعر عربية واحدة وآمال عربية واحدة انطلاقاً من الأرض العربية الواحدة لأمة عربية واحدة تأصلت في أذهان سياسييها ومفكريها ومختلف طبقات شعب سورية الأبي الحزبية وغير الحزبية لتجميع الطاقات المتاحة لكل منها في سورية ومصر لمواجهة التهديدات والأخطار سعياً لبناء تيار قومي قائم لكن معطل أكثر فاعلية بجذب كل القوى الوطنية في الوطن العربي يشكل تنبيها قوياً إلى أهمية تظافر الجهود وإقامة الوحدة وما تعنيه هذه الوحدة من نهضة قومية وخطر على المصالح الاستغلالية والاستعمارية, فاستطاعت هذه القوى المعادية تتقدمها الولايات المتحدة الأميركية متأبطة الصهيونية القذرة فوقع الانفصال البغيض في صبيحة يوم 28/ أيلول 1961 بانقلاب عسكري جبان, لكن استمر اسم الجمهورية العربية المتحدة طيلة عهد حكم الرئيس جمال عبد الناصر في مصر,وأما سورية فبقيت ترفع راية الجمهورية العربية المتحدة بنجمتيها رمزاً لوحدة إقليمي الوحدة مصر وسورية.‏‏

ومنذ وقع الانفصال ضد رغبة شعب سورية العربي الوحدوي العظيم عام 1961 جرت أحداث كثيرة في المنطقة وبذلت محاولات عديدة لإعادة تجربة الوحدة وبأشكال متباينة وبين أطراف مختلفة, بل وتم توظيف مطلب الوحدة عندما وقعت أحداث كبرى وأزمات خطيرة اقتضت في بعض الأحيان الاستعانة بصيغ وحدوية ربما دون إعلان قيام الوحدة السياسية وأحداث أخرى دفعت كلاً من مصر وسورية إلى مزيد من التباعد في مناسبات عديدة لأن تقارب سورية ومصر كان دائماً يبدد أحلام الطامعين ويسقط مؤامرات الانفصاليين والعملاء.‏‏

واليوم وبعد مرور خمسين عاماً على أول وحدة عربية بين إقليمين في تاريخنا العربي الحديث, نجد أنفسنا أمام مجموعة من الحقائق التي تفرض نفسها أمام أي مخطط سياسي, وإن كنا نعيش نفس ظروف ما قبل إعلان وحدة الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 وها نحن الآن عام .2008‏‏

ومن أبرز هذه الحقائق:‏‏

أولاً: ما زال الخطر الصهيوني على المستقبل العربي يشكل أكبر مصادر التهديد للأمن القومي العربي وبدرجة تفوق كثيراً ما كان قائماً يوم قامت الجمهورية العربية المتحدة, فاليوم اتسع الخطر ليشمل أبعاداً اقتصادية وثقافية وسياسية دون التخلي عن التهديد العسكري, وقتها كان التأييد الخارجي للكيان الصهيوني محصوراً في أطراف محددة تتزعمها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية علاوة على بعض دول العالم الثالث تشابهت إلى حد ما تجاربها مع التجربة الصهيونية مثل جنوب إفريقيا تحت وطأة العنصرية وبعض دول أميركا اللاتينية,واليوم يتسع نطاق التأييد الدولي لإسرائيل, ليس فقط على المستوى العالمي وإنما يتقدم لاختراق الدائرتين الإسلامية والعربية, ويعمل على إحكام الحصار على الأطراف العربية المباشرة في الصراع الدائر في منطقتنا العربية,وفي الماضي كان الكيان الصهيوني يضع في اعتباره معايير التوازن الدولي والإقليمي وضغوط الحرب الباردة وما يمكن أن يمتلكه العرب من أوراق ضغط سواء على إسرائيل أو على القوى الكبرى المساندة لها, أما اليوم فإن إسرائيل تمارس استراتيجيتها انطلاقاً من منطق القوة المنفردة والمنفلتة وهذا كله يقود إلى تهديد مباشر للأمن القومي العربي.‏‏

ثانياً: لقد واجه التيار القومي الوحدوي ضربات قوية وعنيفة بدءاً من تجربة الانفصال عام 1961 ومروراً بنكسة عام 1967 ووفاة الرئيس جمال عبد الناصر عام 1970 وانتهاء بحرب الخليج والغزو العراقي للكويت.‏‏

ثالثا: لقد كانت الاتفاقيات المنفردة التي وقعت مع العدو الصهيوني كامب ديفيد عام 1979 وأوسلو وهي الأخطر عام 1993 ووادي عربة عام 1994 فقد أعطت اتفاقية أوسلو الشرعية للكيان الصهيوني.‏‏

رابعاً: احتلال العدو الصهيوني للضفة الغربية وغزة والجولان, وما زال هذا الاحتلال وأجزاء من جنوب لبنان.‏‏

خامساً: وهذا أكثر خطراً ووقاحةً وهو أن الخيانة أصبحت لها أعين وآذان وأياد وأقدام تمشى بيننا ولا من عقاب.‏‏

ما أحوجنا اليوم إلى الوحدة,لقد كانت حقيقة نحياها,واليوم أحلاماً نتمناها, والله معنا والمستقبل لنا.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية