تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الوحدة تعني النصر.. السفير سليمان حداد: إنجاز قلب الكثير من المعادلات

الوحدة بين سورية ومصر
21/2/2008
بعد خمسين عاماً على قيام أول وحدة عربية في العصر الحديث ثمة الكثير من الدروس والعبر التي يمكن التوقف عندها,

بل والتمعن في أبعادها ودلالاتها, وهي التي تمكنت من تحقيق أول حلم عربي بعد طول انتظار, واليوم حين نسترجع تلك السنوات فإن بارقة الأمل لا تزال تشير إلى ذلك الضوء في نهاية نفق طويل, وإن بدا في بعض الأحيان خافتاً.‏‏

واليوم حين تتحرك الذاكرة لاسترجاع تفاصيل غابت بعد أن كادت العناوين ذاتها تغيب, فإن هناك الكثير مما يستوقف أي متابع وأي قارىء, خصوصاً في العوامل الموضوعية التي مهدت لقيام الجمهورية العربية المتحدة, والتي أضفت أبعاداً في غاية الأهمية, ولاسيما أن استرجاع ذلك يتم في وقت يتسابق فيه البعض إلى دفن الحقائق, ومغالطة الوقائع والوجود.‏‏

في هذا السياق نحاول مع السفير سليمان حداد الذي عايش الوحدة بتفاصيلها, حين كان ضابطاً يخدم في جيش الجمهورية العربية المتحدة, نبش أوراقا من الذاكرة وذكريات بأوراق كادت تنسى عبر الحوار التالي:‏‏

- ما قبل الوحدة ثمة مخاضات سبقت قيامها.. كيف تتذكرها اليوم?‏‏

-- بداية لابد من إقرار حقيقة واضحة بأن البعثيين كانوا المعول الذي حرك هذه الوحدة في وجدان الناس, وزرع وجودها في نفوسهم فقد حفلت تلك المرحلة بأحداث تاريخية كانت بمنظور البعث إنجازات يفخر بها إذا ما أخذت بسياقها العام وظروفها التاريخية, حيث نجح الوعي النضالي للجماهير في مواجهة الأحلاف الاستعمارية وتحقيق العديد من التحولات الاجتماعية في سورية وبعض الدول العربية, وعبر مشاركة حزب البعث في المؤسسات الرسمية (الحكومة والبرلمان) استطاع التواصل مع الجماهير وحركها للضغط باتجاه الاقلال من سلبيات السلطة والإكثار من تبني القوانين الايجابية وساهمت هذه المشاركة في تبني سورية لمواقف وطنية مكنتها من الصمود في وجه الضغوط الغربية واستطاع بذلك أن يهيئ الأرضية الشعبية للوحدة وفكرها ومنظورها, فكان هناك الاستعداد الجماهيري المسبق لأي خطوة بهذا الاتجاه, وتحققت أول وحدة لأن الشعب يريدها.‏‏

- والقوى السياسية الأخرى كيف كانت تتعاطى مع فكرة الوحدة?‏‏

-- كل القوى من الناحية النظرية أيدت الوحدة, ولكن البعثين هم الذين حققوها, فرغم أنه لم يكن لهم في البرلمان سوى 17 نائباً إلا أن صوتهم كان مسموعاً لكل الناس, وقد مارسوا ضغوطاً كبيرة من أجل تحقيق الوحدة, فقد وافق حزب البعث على شرط الوحدة, وحل الحزب نفسه, حيث اعتبر أن أولى أهدافه قد تحققت في الوحدة السورية المصرية, انتقلت القيادة القومية إلى بيروت غير أن القوى والأشخاص الذين ينظرون بعين الريبة إلى الوحدة سرعان ما طوقوا العمل في الجمهورية العربية المتحدة, حيث كانت البطانة المحيطة بالرئيس جمال عبد الناصر هي الانفصال بعينه, والاسماء معروفة وكثيرة, وهي التي تسلمت جميع المناصب الحساسة, وبدأت التنكيل بالبعثيين وأبعد الضباط منهم إلى مصر, وأنا واحد منهم حيث خدمت في سيناء وفي منطقة السويس طيلة فترة الوحدة فالسياسة العسكرية كانت تسير من قبل المجموعة الانفصالية.‏‏

فالرئيس جمال عبد الناصر رجل قومي له مكانته, ولكنه اخطأ بالحاشية, وجمع حوله مجموعة كانت تجسد الانفصال بكل معنى الكلمة, وهي بالفعل من قاد الانفصال فيما بعد.‏‏

- ولكن بأي محتوى تجلت هذه الأدوار على المستوى السياسي?‏‏

-- في أوائل الخمسينيات ظهرت بعض الأحزاب القومية العربية في صفوف الجماهير عامة والطلبة خاصة مما ساعد على تعبئة الجماهير العربية بخط قومي وحدوي وبرزت مسألة الوحدة كهدف أساسي ومن خلال هذا بدأت هذه القوى والجماهير بالضغط على الحكومة السورية, لم يكن الجيش السوري في حينها أقل حماسة من هذه الجماهير, وصادف خروج مصر منتصرة من حرب السويس عام 1956 بالرغم من هجوم ثلاث دول في حينها على مصر, وأصبحت مصر عبد الناصر محجاً للأمة العربية ومقراً لنضالها. وبدأت فكرة الوحدة العربية بين سورية ومصر خلال عام 1957 وبداية عام 1958 وتبودلت الوفود لبحث موضوع الوحدة وازدادت الضغوط على الحكومة السورية لتحقيق الوحدة وانتصر التيار المنادي بالوحدة الذي يقوده حزب البعث, والأحزاب القومية الأخرى. وخرجت إلى النور أول تجربة وحدوية في القرن العشرين, ولقد كان إعلان الوحدة بمثابة ثورة قاعدتها الشعب السوري وبقيادة حزب البعث وفي حينها حين كنا نقول حزب البعث كان يعني جميع الأحزاب الوحدوية والقومية في الوطن العربي. وتم الاستفتاء على الوحدة بتاريخ 21/شباط/1958 وكان الاستفتاء على الوحدة وعلى عبد الناصر مؤشراً يعطي الفكرة الحقيقية عن رغبة الشعب السوري بتحقيق هذه الوحدة ومقدار محبته وتقديره لعبد الناصر.‏‏

حيث حصل عبد الناصر على 1312995 صوتاً من أصل 1313070 ناخباً اشتركوا في الاستفتاء, وبعدها جرت انتخابات لمجلس الأمة فاز فيها الإقليم الشمالي /200/ عضو ومن الإقليم الجنوبي /400/ عضو, ومع مرور الزمن تراكمت الأخطاء وصار المؤيدون للحكومة ينسحبون إلى الظل بالإضافة إلى المؤامرات التي حاكتها الإمبريالية العالمية لأنه لم يطب لهم مشاهدة هذه الوحدة فانقضوا عليها في 28/أىلول 1961 لإنهاء هذه التجربة وقامت ثورة الثامن من آذار لتعيد هذه الوحدة, لكن الاستعمار وأعداء الوحدة فهموا جيداً معنى الوحدة وأهميتها ووقوفها ضد مصالحهم. لكني أستطيع أن أقول الآن وبعد الهجمة الشرسة على الخط القومي العربي إن هذا الخط لن يقف أمامه أي عائق ولابد في النهاية من تحقيق الوحدة ومهما تلبدت الغيوم فلن تستطيع إخفاء شمس العروبة فالمبادىء التي تعلمناها وعلمناها لأجيالنا هي من أهم الثوابت التي لا يمكن التخلي عنها تحت أي ظرف.‏‏

- بعد خمسين عاماً على قيام أول وحدة عربية في العصر الحديث, كيف ترى الصورة اليوم?‏‏

-- حين اتطلع إلى أوروبا التي حققت وحدتها, بعد 100 عام من الحرب ورغم ذلك اتحدت مع بعضها, فهي تتشكل من عدة لغات وعدة أديان وعدة مجموعات فيما نحن نتكلم بلغة واحدة وشعور واحد ومصير واحد, حين أقارن بين أوروبا كيف اتحدت ونحن متفرقون يحز في نفسي الألم, لكني أشعر بالتفاؤل رغم كل شيء, فالوحدة هي ضد كل القوى الطامعة فينا, وحين نتحد ننتصر, فإسرائيل أوجدت في المنطقة كي تفرق واستطاعت أن تفرق العرب, وأن تمزق الفلسطينيين فهي المسؤولة عما يجري بين حماس وفتح, وهي تخطط لمحو حركات المقاومة من الوجود وخصوصاً تلك التي تقول لن اتنازل عن شبر من البحر إلى البحر.‏‏

حين أجري هذه المقارنة بين أوروبا والأمة العربية, أقول إذا لم نفلح في تحقيقها, نأمل أن تحققها أجيالنا القادمة.‏‏

- حين اعلنت الوحدة.. كيف كانت ردة الفعل لدى الشعب, وكيف استقبل خبر اعلانها?‏‏

-- يوم إعلان الوحدة كنت طالبا ضابطا متقدما في الكلية الحربية, وكنا نعلن موقفنا بوضوح, حيث كنا مجموعة من البعثيين, فأنا تربيت في مدرسة البعث وتعلمت من قادة البعث المناضلين الذين عبروا الجبال من لواء الاسكندرون, ومنهم زكي الارسوزي ووهيب الغانم وسليمان العيسى وشكلوا مجموعة الإحياء العربي وحركة نصر العراق, وجاء بعدهم قادة حقيقيون كالقائد الخالد حافظ الأسد أمنوا بالوحدة وعملوا من أجلها.‏‏

كانوا يتهمون البعثيين بأنهم ضد الوحدة, ولكن البعثيين تشبثوا بها, وكانوا يقولون إذا كانت هناك اخطاء, فليس هناك من سبب واحد لتدميرها, بل يجب اصلاحها من الداخل, أما من مزق الوحدة فهم اولئك الذين كانوا مقربين من النظام وكانوا يتآمرون على عبد الناصر والوحدة, واستطاعوا تنفيذ جريمتهم وحققوا الانفصال حيث نجحوا بإبعاد البعثين والوحدويون إلى مناطق نائية وكان قد مارسوا ضغوطاً كبيرة على البعثيين الذين أيدوا الوحدة وقد كنت في الكلية الحربية يوم اعلان الوحدة, ووجهوا لنا التهم ولاحقونا, ومن لم يسرح أبعد إلى الخطوط الأمامية.‏‏

- هل التقيتم الرئىس جمال عبد الناصر.. ما انطباعكم?‏‏

-- التقيته أول مرة في دورة معلم الصاعقة حين نلت المرتبة الأولى فيها, وقد حضر العرض وصافحنا اثناء ذلك, بعدها تم اللقاء في قصر القبة بعد قيام ثورة الثامن من آذار.. وسلم عليّ بعد أن حييته وقال لي: هل أنت من أذع البيان الأول للثورة? فاجابه احد رفاقي : نعم.‏‏

والرئيس عبد الناصر رجل قومي وطني وشخصية دولية مهمة, ولكن بطانته لم تكن بمستوى هذه الشخصية, ولا على مستوى المهام الكبرى التي كانت تتطلبها الوحدة, فالوحدة كانت تعني النصر, أما المتضررون منها فقد ساهموا في انهيارها, وبعضهم من نفذ الانفصال.‏‏

وأخيراً‏‏

وكما هي دوماً ستبقى الوحدة العربية في وجدان الشعب العربي كله وبصورة خاصة الشعب السوري. والوحدة هي الإطار الذي يساهم في حل كل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, وهي النصر إذا أردناه وهي القوة التي تساعدنا في الوصول إلى هدفنا الذي عرفناه.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية