تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بالوثائق البريطانية .. هكذا تآمروا

الوحدة بين سورية ومصر
21/2/2008
الدكتورة هدى جمال عبد الناصر

لقد خرجت مصر بانتصار سياسي في 1956 بعد فشل العدوان الثلاثي علىها, وهنا بدأت مخططات جديدة بهدف تحقيق ما عجز السلاح عن فرضه,

فأصبحت منطقة الشرق الأوسط محور صراع سياسي ضار بين الغرب وقوى التحرر العربية. وتكشف الوثائق البريطانية تلك المخططات وتسجل تفاصيل ذلك الصراع, وبصفة خاصة خلال معركة الأحلاف العسكرية, وبعد تحقيق الوحدة المصرية السورية, وخلال مرحلة المد التحرري العربي الذي ساندته مصر بكل قواها في الىمن والخليج وجنوب شبه الجزيرة العربية.‏‏

فبالرغم من استمرار قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وبريطانيا منذ العدوان الثلاثي في ,1956 فإن الوثائق البريطانية تحتوي على معلومات دقيقة توضح اهتمام بريطانيا والغرب عموما بتتبع عملية الوحدة, كما تكشف- وهو الأهم- مدى خطورة الوحدة المصرية السورية ليس فقط على المصالح البريطانية والغربية في منطقة الشرق الأوسط, بل أيضا على مصالح الكتلة الشرقية التي وقفت من الوحدة منذ البداية موقفا معاديا.‏‏

وأخطر ما في الوثائق البريطانية المتعلقة بالوحدة المصرية السورية التفاصيل التي ذكرت عن مخططات الدول الغربية لمنع انضمام أي من الدول العربية الاخرى الى دولة الوحدة, ومختلف الوسائل التي استخدمت من أجل تحقيق هذا الهدف, فلقد قدم الغرب الدعم المالي والعسكري للدول المجاورة لمصر وسوريا, بالإضافة الى تغذية شكوك جميع دول المنطقة في الدولة العربية الوليدة, وكانت بريطانيا هي المحرك الرئيسي لإثارة مخاوف كل من العراق ولبنان والأردن من احتمال تعرضهم لهجوم عسكري, من جانب الجمهورية العربية المتحدة.‏‏

وتوضح الوثائق البريطانية تفاصيل الدور الذي قامت به بريطانيا لمنع انضمام الأردن الى الجمهورية العربية المتحدة, من خلال نقلها معلومات مضللة الى الملك حسين عن تقديم جمال عبد الناصر الدعم الى مجموعة من القوات المسلحة الأردنية للقيام بانقلاب عسكري ضده في17 أغسطس.1958‏‏

وقد أكد ذلك سلوين لويد - وزير الخارجية البريطانية - للسفير الفرنسي في لندن في23 يوليو1958 بقوله: إن انضمام الأردن الى الجمهورية العربية المتحدة يلحق ضررا شديدا بالمصالح الإنجليزية والغربية في المنطقة, كما أنه يضع الجيش المصري على حدود إسرائيل من ثلاث جبهات, وهذا قد يدفع إسرائيل الى القيام بعمل عسكري ضد الأردن أو الاستيلاء على الضفة الغربية على الأقل.‏‏

وتفضح الوثائق البريطانية أيضا الضغوط الضخمة على لبنان من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا, لكي يقبل الوجود العسكري الأمريكي على أراضيه, تحت زعم حمايته من هجوم مسلح تقوم به قوات الجمهورية العربية المتحدة, وقد تزامن ذلك مع حملة دعائية منظمة ضد دولة الوحدة في أوساط المسيحيين اللبنانيين, كي لا يوافقوا على اقتراح بعض الطوائف بالانضمام الى الوحدة.‏‏

وفي نفس الوقت لعبت بريطانيا دورا كبيرا في إثارة مخاوف العراق من دولة الوحدة, بدعوى احتمال قيامها بغزوها عسكريا.‏‏

وتكشف الوثائق البريطانية عن مقابلة بين نوري السعيد- - رئيس وزراء العراق- وسلوين لويد في لندن في أغسطس,1958 أيد فيها الأخير مقترحات نوري السعيد بضرورة إجهاض الوحدة بين مصر وسوريا, على أن يكون الانفصال ناجما من تحرك سوري منفرد يحظى بدعم دول الجوار. وأضاف نوري السعيد أنه ينبغي إقامة اتحاد فيدرالى بديل بين كل من العراق وسوريا والأردن ولبنان, وأوضح أن الهدف من ذلك هو عزل مصر داخل حدودها فقط, وتوجيه ضربة قاضية لدور مصر العربي.‏‏

وفي واقع الأمر لقد اعتبرت الدول الكبرى قيام الوحدة المصرية السورية انقلابا خطيرا في منطقة الشرق الأوسط يهدد مصالحها تهديدا مباشرا, مما حفز هارولد ماكميلان- رئيس الوزراء البريطاني- الى دعوة كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وفرنسا لاجتماع قمة رباعي, يتم خارج نطاق الأمم المتحدة لمناقشة أزمة الشرق الأوسط, كما كان يطلق علىها في ملفات وزارة الخارجية البريطانية.‏‏

وبالطبع فقد حظي انفصال سوريا عن مصر وانتهاء تجربة الوحدة الاولى في التاريخ الحديث في28 سبتمبر1961 بمساحة كبيرة من الوثائق البريطانية, فقد أوردت رصدا دقيقا لكل جوانب الوضع الداخلي والخارجي في كل من مصر وسوريا, يتضح منه تبني بريطانيا مطالب بعض الفئات السورية التي أضيرت من القوانين الاشتراكية التي صدرت في يوليو 1961 وتكشف هذه الوثائق أيضاً عن أن غالبية الدول الغربية- وبعض دول المنطقة- قابلت الانفصال بارتياح شديد.‏‏

أما إسرائيل فقد حذرها السفير الأمريكي في تل أبيب بضرورة مراعاة أقصى درجات ضبط النفس تجاه الأحداث في سوريا, وتشير إحدي الوثائق الى مقابلة بين السفير البريطاني في تل أبيب ومدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية, أكد فيها الجانبان أن انفصال سوريا عن مصر يمثل ضربة شديدة للفكر الثوري في منطقة الشرق الأوسط, مما يوفر فرصة ملائمة تماما لكلا الدولتين للتعاون معا لمحاصرة مصر ومنعها من مد نفوذها على هذا النحو مرة اخرى.‏‏

الآن لم يكشف النقاب بعد عن الدور البريطاني في إتمام عملية الانفصال, نظرا لأن هناك 50 ملفا كاملا ستبقي مغلقة لمدة 50 عاما استثناء من قاعدة فتح الوثائق البريطانية بعد ثلاثين عاما, بالإضافة الى وجود 4 ملفات مغلقة الى عام ,2055 وهي تتعلق بالسياسة البريطانية تجاه الجمهورية العربية المتحدة.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية