وفي مقابلة مع صحيفة صنداي تايمز البريطانية قال الرئيس الأسد: إنه منذ أن بدأ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة عملياته قبل أكثر من سنة، كانت النتيجة أن تمددت تنظيمات داعش وجبهة النصرة والتنظيمات أو المجموعات الشبيهة بها بكل حرية. فيما أصبح الوضع مختلفا بعد المشاركة الروسية المباشرة في محاربة الإرهاب، حيث بدأ داعش والنصرة بالانكماش. موضحا أن مشاركة بريطانيا في توجيه الضربات إلى داعش لن تحقّق أي نتيجة، و ستكون هذه المشاركة ضارة وغير قانونية؛ كما أنها ستشكّل دعماً للإرهاب على غرار ما حدث بعد شروع التحالف في عملياته قبل أكثر من سنة.
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
السؤال الأول:
شكراً لكم لاستقبالنا، سيادة الرئيس. كما تعرفون، فإن الحكومة البريطانية ستصوّت على ما إذا كانت ستنضم إلى التحالف الدولي في توجيه الضربات الجوية ضد داعش. هل تعتقدون أن بريطانيا تفعل الصواب بانضمامها إلى عمليات توجيه الضربات الجوية لداعش في سورية؟ وهل ترحبون بمشاركتها؟ وهل تعتقدون أن هذه المشاركة ستُحدث أي تغيير، أم إنها ستجعل الأمور أسوأ؟
الرئيس الأسد:
إذا أردتُ أن أقيّم كتاباً، لا أستطيع أن أنتقي عبارة واحدة من ذلك الكتاب لتقييم الكتاب برمته. عليّ أن أنظر إلى العنوان الرئيسي، ومن ثم إلى عناوين الفصول، ومن ثم يكون بوسعنا أن نناقش الكتاب بأكمله. ما نتحدث عنه الآن هو عبارة مفصولة عن سياقها. لو أردنا العودة إلى العنوان، فهو: هل لديهم الإرادة لمحاربة الإرهاب؟ نحن نعرف منذ البداية أن بريطانيا وفرنسا شكلتا رأس الحربة في دعم الإرهابيين في سورية، منذ بداية الصراع. كما نعرف أنهم لا يمتلكون الإرادة. حتى لو أردنا العودة إلى الفصل المتعلق بالمشاركة العسكرية في التحالف، ينبغي أن يكون ذلك شاملاً، بمعنى أن تكون المشاركة في الجو، وعلى الأرض، وأن تكون بالتعاون مع القوات الموجودة على الأرض، أي القوات الوطنية كي يكون هذا التدخل أو هذه المشاركة قانونية. يمكن لهذه المشاركة أن تكون قانونية فقط إذا تمّت بالتعاون مع الحكومة الشرعية في سورية. إذاً بوسعي القول إنهم لا يمتلكون الإرادة لمحاربة الإرهاب ولا الرؤية حول كيفية إلحاق الهزيمة به.
وإذا أردنا إجراء تقييم، ينبغي أن نقيّم الوقائع. لنعد إلى الواقع على الأرض. منذ بدأ التحالف عملياته قبل أكثر من سنة، ماذا كانت النتيجة؟ لقد تمدّدت تنظيمات داعش وجبهة النصرة والتنظيمات أو المجموعات الشبيهة بها بكل حرية. بالمقابل، كيف أصبح الوضع بعد المشاركة الروسية المباشرة في محاربة الإرهاب؟ لقد بدأ داعش والنصرة بالانكماش. إذاً، يمكنني القول بأن مشاركتهم لن تحقّق أي نتيجة. ثانياً، ستكون هذه المشاركة ضارة وغير قانونية؛ كما أنها ستشكّل دعماً للإرهاب على غرار ما حدث بعد شروع التحالف في عملياته قبل أكثر من سنة، لأن هذه التنظيمات أشبه بالسرطان، والسرطان لا يعالج بإحداث جرح فيه، بل ينبغي استئصاله بشكل نهائي. أما هذه العملية فلا تتجاوز إحداث جرح في السرطان مما سيؤدي إلى انتشاره في الجسم بسرعة أكبر.
السؤال الثاني:
دعني أستوضح أمرين: هل تقول إن التدخل البريطاني، وهذا ينطبق على الأطراف الأخرى في التحالف، غير شرعي من منظور القانون الدولي؟
الرئيس الأسد:
بالتأكيد. نحن دولة ذات سيادة. انظري إلى ما فعله الروس. عندما أرادوا تشكيل تحالف ضد الإرهاب، فإن أول شيء فعلوه كان الشروع في نقاشات مع الحكومة السورية قبل أي طرف آخر. ثم بدؤوا بمناقشة نفس القضية مع حكومات أخرى، ثم أحضروا قواتهم. وبالتالي، فإن هذه هي الطريقة القانونية لمحاربة الإرهاب في أي مكان في العالم.
السؤال الثالث:
تقولون إن فرنسا وبريطانيا مسؤولتان عن ظهور الإرهاب هنا. لكنهما ليستا مسؤولتين عن ظهور داعش، على سبيل المثال. ألا ترى في هذا اتهاماً قاسياً؟
الرئيس الأسد:
لنبدأ بما قاله طوني بلير، قال إن غزو العراق أدى إلى ظهور داعش. ونحن نعرف أن داعش بدأ بشكل علني، وأعلن عن قيامه كدولة في العراق عام 2006، وكان زعيم التنظيم حينذاك أبو مصعب الزرقاوي، الذي قُتل في غارة جوية أمريكية. هم أعلنوا أنهم قتلوه، وبالتالي، فإنهم يعرفون بوجوده ويعرفون أن تنظيم الدولة الإسلامية كان موجوداً في العراق حينذاك. ثم انتقل التنظيم إلى سورية بعد بداية الصراع فيها بسبب الفوضى التي حدثت. إذاً، المسؤولون البريطانيون، وبشكل أساسي طوني بلير، يعترفون بذلك. كما أن الواقع يقول ذلك، يقول إنهما ساعدتا في ظهور داعش وجبهة النصرة في هذه المنطقة.
السؤال الرابع:
هل يشكّل فرع القاعدة في سورية، المتمثّل بجبهة النصرة، تهديداً للغرب يساوي تهديد داعش أو يفوقه على المدى البعيد؟ وبالتالي، هل يسعى رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، لمحاربة العدو الخطأ؟ أعني اعتزامه محاربة داعش بدلاً من جبهة النصرة.
الرئيس الأسد:
هذا السؤال يركّز على البنية، بينما المشكلة لا تتعلّق ببنية التنظيم، بل تتعلق بالأيديولوجيا التي تعتنقها هذه التنظيمات. إنها لا تستند في أفعالها إلى البنية والتنظيم، بل تستند إلى أيديولوجيتها الوهّابية الظلامية المنحرفة. وبالتالي، إذا أردنا تقييم هذين التنظيمين، وبحثنا عن الفروق بينهما، فإننا لن نعثر عليها لأن لهما نفس الأيديولوجيا. هذا جانب. من جانب آخر، إذا أردنا التحدث عن قواعد هذه التنظيمات، وأتباعها، وأعضائها، نجد أنه ليس هناك ما يميزها عن بعضها البعض، لأن هؤلاء ينتقلون من تنظيم إلى آخر ومن جماعة إلى أخرى. ولهذا السبب فإنهما يتقاتلان من وقت لآخر طبقاً لمصالحهما، على المستوى المحلي. لكن في الواقع فإنهما يتعاونان على كل المستويات. إذاً، لا يمكن تحديد أيهما أكثر خطورة من الآخر لأنهما يمتلكان نفس العقلية، يمكنك القول إن التنظيم الأول ينتمي إلى القاعدة، والثاني أيضاً ينتمي إلى القاعدة. لا اختلاف بينهما إلا في الاسم، وربما في بعض التفاصيل الثانوية.
السؤال الخامس:
في الأسبوع الماضي، كانت إحدى الحجج التي ساقها كاميرون لتوسيع الضربات الجوية البريطانية إلى سورية تتمثل في رقم استخدمه، وهو 70 ألف مقاتل ينتمون إلى المعارضة المعتدلة، حيث قال إنهم لا ينتمون إلى مجموعات متطرفة، لكنهم موجودون على الأرض ويمكن أن يستخدمهم الغرب في محاربة داعش. على حد علمكم، ماهي المجموعات التي يشملها رقم الـ70 ألف؟ هل لديكم معلومات حول وجود 70 ألف مقاتل في المعارضة المعتدلة في سورية؟
الرئيس الأسد:
سأكون صريحاً ومباشراً حول هذه المسألة. هذه حلقة جديدة في مسلسل ديفيد كاميرون الهزلي. وهذا أمر غير مقبول. أين هم هؤلاء؟ أين هؤلاء الـ70 ألف معتدل الذين يتحدث عنهم؟ إنهم يتحدثون دائماً عن وجود مجموعات معتدلة في سورية. هذه لا تعدو كونها مهزلة تقوم على تقديم المعلومات الزائفة والسخيفة بدلاً من الحقائق.
الروس يسألون منذ بدؤوا بالمشاركة قبل شهرين. قال الروس: أين هم أولئك المعتدلون؟ لم يجبهم أحد. في الواقع، ومنذ بداية الصراع في سورية، لم يكن هناك أي مقاتلين معتدلين. جميعهم متطرّفون. وكي لا تظنّي أنني أُقدم الأعذار وما إلى ذلك، عودي إلى الانترنت وإلى مواقع التواصل الاجتماعي وستجدين أنهم يحمّلون صوراً ومقاطع فيديو يظهر فيها خطابهم المتطرف والفظاعات التي يرتكبونها بوجوه مكشوفة وهم يستعملون السيوف، ويقطعون الرؤوس، ويأكلون قلب شخص بريء قطعوا أوصاله، وما إلى ذلك.
وكما تعرفين، فإن اعتراف المجرم هو سيّد الأدلة. إذاً، هؤلاء هم السبعون ألف معتدل الذين يتحدث عنهم. هذا أشبه بوصف الإرهابيين الذين قاموا بالهجمات الإرهابية في باريس مؤخراً، وقبل ذلك في حادثة تشارلي ايبدو، وقبلها في بريطانيا قبل حوالي 10 سنوات، وقبلها في اسبانيا، وفي نيويورك في الحادي عشر من أيلول، بالمعارضة المعتدلة. هذا غير مقبول في أي مكان من العالم؛ كما أنه ليس هناك سبعين ألفاً، ولا سبعة آلاف ولا ربما عشرة من هؤلاء الذين يتحدّث عنهم.
السؤال السادس:
ولا حتى الأكراد والجيش السوري الحر، على سبيل المثال؟
الرئيس الأسد:
الأكراد يقاتلون الإرهابيين إلى جانب الجيش السوري وفي المناطق نفسها.
السؤال السابع:
لكنهم أيضاً يتلقّون الدعم، التسليح والتدريب من قبل الأمريكيين لشن الهجمات ومحاربة ...
الرئيس الأسد:
إنهم يتلقون الدعم بشكل رئيسي من الجيش السوري، ولدينا الوثائق التي تثبت ذلك. نحن أرسلنا لهم الأسلحة لأنهم مواطنون سوريون، ولأنهم يريدون محاربة الإرهاب، كما نفعل مع العديد من الجماعات الأخرى.. لأنه لا يمكن إرسال الجيش إلى كل جزء من سورية. إذاً، فإن الأمر لا يقتصر على الأكراد، فالعديد من السوريين الآخرين يفعلون الشيء نفسه.
السؤال الثامن:
وزير الخارجية جون كيري قال يوم الجمعة إنه قد يكون من الممكن أن تتعاون الحكومة السورية وقوات المعارضة ضد مقاتلي داعش دون أن يكون الرئيس الأسد قد ترك السلطة أولاً. لكنه أضاف أنه سيكون "من الصعب جداً" تحقيق ذلك إذ لم يكن لدى مقاتلي المعارضة الذين يقاتلون ضد الأسد منذ أكثر من أربع سنوات بعض الثقة بأن الزعيم السوري سيترك السلطة في نهاية المطاف.
وقال كيري: "فيما يتعلق بمسألة الأسد والتوقيت، أعتقد أن الجواب هو ... ليس من الواضح أنه سيتوجب عليه ’الرحيل‘ إذا كان هناك وضوح فيما يتعلق بما سيكون أو لا يكون عليه مستقبله." في هذه الأثناء، قال وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، في مقابلة نشرت يوم السبت إنه لم يعد يعتقد أن رحيل بشار الأسد ضروري قبل أي عملية انتقال سياسي في سورية. وفي حديث للصحيفة الفرنسية المحلية "لو بروغريس"، قال فابيوس: "إن سورية موحدة تنطوي على عملية انتقال سياسي. وهذا لا يعني أن على بشار الأسد الرحيل قبل العملية الانتقالية، لكن ينبغي أن يكون هناك تأكيدات بالنسبة للمستقبل."
السؤال هنا: هل تعتزم أن تكمل فترتك الرئاسية حتى عام 2021، أم إنك تتوقع إجراء استفتاء أو انتخابات رئاسية قبل ذلك التاريخ؟ إذا كان الأمر كذلك، متى يمكن أن تجرى تلك الانتخابات؟ وما الذي يمكن أن يجعلك تقرر إجراءها؟ وإذا أجريت الانتخابات، هل من المؤكد أنك ستشارك فيها؟ ما الذي يمكن أن يؤثر في قرارك؟
الرئيس الأسد:
الجواب يعتمد على سياق السؤال. إذا كان السياق يتعلق بتسوية الصراع في سورية، ليس هناك علاقة بين الانتخابات المبكرة وإنهاء الصراع. يمكن لذلك أن يحدث فقط من خلال محاربة الإرهاب وإيقاف الأنظمة الغربية والإقليمية لدعمها للإرهابيين. سيتم إجراء الانتخابات المبكرة فقط كجزء من حوار شامل حول المستقبل بين مختلف القوى السياسية ومجموعات المجتمع المدني في سورية.
وهكذا، فإن الأمر لا يتعلق بإرادة الرئيس، بل بإرادة الشعب السوري بتبني عملية سياسية معينة. إذا تم الاتفاق على مثل هذه العملية، من حقي، كأي مواطن سوري آخر، أن أترشح؛ وسيستند قراري حينذاك إلى قدرتي على الوفاء بالتزاماتي وعلى ما إذا كنت أتمتع أولا أتمتع بتأييد الشعب السوري. في كل الأحوال، لا يزال الوقت مبكراً لذلك، فكما تعلمين، لم يتم الاتفاق على مثل تلك العملية بعد.
السؤال التاسع:
هل تعتقدون أنه يمكن إلحاق الهزيمة بداعش باستخدام الضربات الجوية وحسب؟
الرئيس الأسد:
وهل تمكن التحالف من إلحاق الهزيمة بهم من خلال الضربات الجوية خلال أكثر من عام؟ لم يتمكن من ذلك. هل حقق الأمريكيون شيئاً من ضرباتهم الجوية في أفغانستان؟ لم يحققوا شيئاً. هل حققوا شيئاً في العراق منذ غزوه عام 2003؟ لم يحققوا شيئاً. لا يمكن إلحاق الهزيمة بداعش من خلال الضربات الجوية وحسب دون التعاون مع القوات على الأرض. لا يمكن إلحاق الهزيمة بهم دون مشاركة الحكومة والناس بشكل عام. لا يمكنهم إلحاق الهزيمة بداعش من خلال الضربات الجوية. إنهم سيفشلون مرة أخرى؛ والواقع يدلّ على ذلك.
السؤال العاشر:
إذا رفض التحالف الدولي التنسيق مع الجيش السوري أو مع القوات المحلية على الأرض، كما فعل حتى الآن، ماهي خطتكم التالية؟ أعني هل لديكم خطة باء تتجاوز ما يحدث الآن؟ كيف تخططون لإنهاء هذه الحرب؟
الرئيس الأسد:
إن هذا التحالف وهميّ وافتراضي لأنه لم يحقق أي إنجازات في محاربة الإرهاب على الأرض في سورية. وبالتالي، وبما أن الوهم لا وجود له، فإننا لا نضيع الوقت في مناقشة ما قبل وما بعد. نحن بدأنا بمحاربة الإرهاب بصرف النظر عن وجود أي قوة عالمية، ونرحب بكل من يريد الانضمام إلينا. وسواء فعلوا ذلك أم لا، فإننا مستمرون في محاربة الإرهاب. هذه خطتنا الوحيدة التي لن نغيّرها.
السؤال الحادي عشر:
هل تدعوهم للطلب من الحكومة السورية أن توفّر التعاون والتنسيق مع الجيش السوري والقوى الجوية السورية في محاربة الإرهابيين؟
الرئيس الأسد:
نحن واقعيون جداً، ونعرف أنهم لن يفعلوا ذلك، وإنهم لا يمتلكون الإرادة لفعل ذلك. هذا الأمر يتعلق بالقانون الدولي أكثر من أي شيء آخر. هل من المعقول أن الحكومات الغربية، أو الأنظمة الغربية لا تعرف أساسيات القانون الدولي، ولا تفهم معنى الدولة ذات السيادة، أو أنها لم تقرأ ميثاق الأمم المتحدة؟ إنهم لا يحترمون القانون الدولي؛ ونحن لن نطلب منهم التعاون.
السؤال الثاني عشر:
لكن هل تريدونهم أن يتعاونوا؟
الرئيس الأسد:
إذا كانوا مستعدين، وجديين ومخلصين في مكافحة الإرهاب، فإننا نرحب بأي بلد في العالم وبكل جهد سياسي يهدف إلى ذلك. نحن لسنا متشددين في هذا الصدد، بل براغماتيين تماماً. في المحصّلة، نحن نريد تسوية الوضع في سورية ومنع المزيد من سفك الدماء. هذه مهمتنا. وبالتالي، فإن الأمر لا يتعلق بالحب أو الكراهية، بالقبول أو عدم القبول، بل يتعلق بالواقع. هل هم مستعدون فعلاً لمساعدتنا في محاربة الإرهاب، ولمنع الإرهابيين من دخول سورية من خلال الحكومات العميلة لهم في منطقتنا أم لا؟ هذا هو السؤال الحقيقي. إذا كانوا مستعدين فإننا نرحّب بهم. هذه ليست مسألة شخصية.
السؤال الثالث عشر:
هل تعتقدون أن بإمكانكم، أنتم في سورية، مع حلفائكم، روسيا وإيران وحزب الله، والحلفاء الآخرين إلحاق الهزيمة العسكرية بداعش. وإذا كان هذا ممكناً، كم من الوقت سيستغرق ذلك؟
الرئيس الأسد:
يعتمد الجواب على عاملين اثنين: قدراتنا من جهة، والدعم الذي يتلقاه الإرهابيون من جهة أخرى. من وجهة نظرنا، إذا توقف الدعم الذي تتلقاه هذه المجموعات من مختلف البلدان في منطقتنا، ومن الغرب بشكل عام، فإن الأمر لن يستغرق أكثر من شهور لنتمكن من إنجاز مهمتنا. الأمر ليس معقداً جداً، والحل واضح بالنسبة لنا. غير أن هذه المجموعات تتلقى دعماً غير محدود من هذه البلدان، وهو ما يجعل المشكلة تطول وتطول، ويجعلها أكثر تعقيداً واستعصاءً على الحل. وهذا يعني أن مُهمتنا ستتحقق لكن بثمن باهظ سيدفعه السوريون في المحصلة.
السؤال الرابع عشر:
إلا أن الثمن الذي دُفع حتى الآن باهظ أصلاً، فقد قُتل أكثر من 200 ألف شخص حتى الآن.
الرئيس الأسد:
هذا صحيح، وهو نتيجة للدعم الذي أشرت إليه سابقاً.
السؤال الخامس عشر:
إلا أن جزءاً كبيراً من ذلك تُحَمَّل مسؤوليته للحكومة السورية واستخدامها للقوة وأحياناً بشكل لا يميّز بين مدنيين ومقاتلين، أو لا يكون ضرورياَ في بعض المناطق، وهو ما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى. ما ردّكم على ذلك؟
الرئيس الأسد:
أقول أولاً إن جميع الحروب سيئة؛ فما من حرب جيدة. في كل حرب يسقط العديد من الضحايا الأبرياء. وهذا يمكن تحاشيه فقط بوضع حدٍ للحرب. من البديهي أن الحروب في أي مكان من العالم ستؤدي إلى خسائر بشرية. غير أن الخطاب الذي يتكرر في الغرب منذ وقت طويل يتجاهل حقيقة أن الإرهابيين يقتلون الأبرياء منذ اليوم الأول لهذه الأزمة. كما أنه يتجاهل حقيقة أن عدداً كبيراً من أولئك الذين قتلوا هم من أنصار الحكومة وليس العكس. وردّنا الوحيد كحكومة، هو محاربة هؤلاء الإرهابيين. ليس هناك خيار آخر. لا يمكن لنا أن نوقف محاربة الإرهابيين الذين يقتلون المدنيين خشية من اتهامات الغرب بأننا نستخدم القوة.
السؤال السادس عشر:
دعنا نتحدث عن الدور الروسي. ما أهمية هذا الدور؟ هل كانت سورية على وشك السقوط لو لم تتدخل روسيا في الوقت الذي تدخلت فيه؟
الرئيس الأسد:
الدور الروسي مهم جداً، وقد كان له أثر كبير على الساحتين العسكرية والسياسية في سورية. لكن القول إنه دون هذا الدور، فإن الحكومة أو الدولة كانت ستنهار، أمرٌ افتراضي. منذ بداية الصراع في سورية، كان هناك رهانات على انهيار الحكومة. في البداية كانت المسألة مسألة بضعة أسابيع، ثم أصبحت بضعة أشهر ثم بضع سنوات. وفي كل مرة، كان ذلك مدفوعاً بنفس التفكير القائم على الرغبات وليس على الحقائق. الأمر المؤكد هو أن الدعم الروسي للشعب السوري والحكومة السورية لعب منذ البداية، إلى جانب الدعم القوي والراسخ لإيران، دوراً مهماً جداً في صمود الدولة السورية في محاربتها للإرهاب.
السؤال السابع عشر:
هل تعنون بذلك الدعم السابق، أم أنكم تشيرون إلى التدخل العسكري الذي حدث مؤخراً؟
الرئيس الأسد:
أتحدث عن الدعم بمجمله، فهو لا يتعلّق فقط بالمشاركة التي بدأت مؤخراً. لقد قدموا الدعم منذ البداية وفي جميع المجالات: السياسية، والعسكرية والاقتصادية.
السؤال الثامن عشر:
كيف ولماذا جاءت المشاركة الروسية في هذا الوقت؟ وهل لكم أن تعطونا تفاصيل النقاشات التي دارت بينكم وبين الرئيس بوتين وأدت إلى حدوثها؟ من اتخذ الخطوة الأولى؟ هل كنتم أنتم الذين طلبتم، أم أنهم هم الذين عرضوا؟
الرئيس الأسد:
عليكِ أن تسألي الروس ما الذي دفعهم للمشاركة. لكن من منظورنا، منذ بدأ التحالف الغربي عملياته، فإن داعش توسّع، وجبهة النصرة توسّعت وكل منظمة إرهابية أخرى توسّعت واستولت على المزيد من الأراضي في سورية والعراق. من الواضح أن الروس رأوا في ذلك تهديداً لسورية والعراق، والمنطقة بشكل عام، وكذلك لروسيا وباقي أنحاء العالم. ونستطيع أن نرى ذلك كواقع مُعاش في أوروبا اليوم. إذا قرأتِ وحلّلتِ ما حدث في باريس مؤخراً، وفي حادثة تشارلي ايبدو، ليس كحوادث منفصلة، ستدركين أن ثمة أمراً مهمّاً جداً.. كم من الخلايا الإرهابية يوجد الآن في أوروبا؟ كم من المتطرّفين صدّرتم من أوروبا إلى سورية؟ هنا يكمن الخطر. يكمن الخطر في وجود حاضنة. ويستطيع الروس رؤية ذلك بوضوح. إنهم يريدون حماية سورية والعراق والمنطقة، وأنفسهم، بل وحماية أوروبا. ولا أُبالغ حين أقول إن الروس يحمون أوروبا اليوم.
السؤال التاسع عشر:
إذاً، هل أتوا إليكم وقالوا: نريد المشاركة؟ أم أنكم أنتم قلتم لهم: هل لكم أن تساعدونا؟
الرئيس الأسد:
لقد كان ذلك قراراً تراكمياً؛ لم يحدث الأمر من خلال قيامي بطرح فكرة معينة أو قيامهم هم بطرح فكرة أخرى. كما تعرفين، فإن علاقتنا بالروس تمتد إلى أكثر من خمسة عقود، وقد كان لهم دائماً طواقم عسكرية في سورية: سمّهم خبراء أو ما شئت من الأسماء. تسارع هذا التعاون وتنامى خلال الأزمة. طواقمهم موجودة هنا، ويستطيعون رؤية الوضع معنا وهو يحدث مباشرة. هذا النوع من القرارات لا يبدأ من القمة إلى القاعدة، بل من القاعدة إلى القمة. هناك نقاشات سياسية وعسكرية يومية بين بلدينا. وعندما وصلت هذه النقاشات إلى المستوى الرئاسي، كانت قد أصبحت ناضجة بما يكفي والأرضية ممهّدة لاتخاذ القرار بسرعة.
السؤال العشرون:
لكن لابد وأن يكون هناك لحظة معينة قالوا فيها: إذا لم يكن لديكم مانع، نعتقد أن علينا أن نتدخّل الآن بشكل مباشر.
الرئيس الأسد:
مرة أخرى، بدأ ذلك على المستويات الدنيا، واتفق المسؤولون بشكل مشترك على أنه بات من الضروري المشاركة، وقام كل طرف بمناقشة الموضوع مع قادته. عندما وصل الأمر إلى مرحلة النقاش فيما بيننا، أعني بيني وبين الرئيس بوتين، فإننا ركّزنا في نقاشاتنا على كيفية القيام بذلك. بالطبع، فإن هذا لم يحدث مباشرة، حيث إننا لم نكن قد التقينا من قبل؛ ومن المستحيل مناقشة هذه القضايا على الهاتف. تم ترتيب ذلك من خلال مسؤولين كبار من كلا الطرفين. هذا ما حدث. أما من حيث الاعتبارات الإجرائية، فقد أرسلت رسالة إلى الرئيس بوتين تتضمن طلباً لمشاركة قواتهم في مكافحة الإرهاب.
السؤال الواحد والعشرون:
إذاً، أنت طلبت ذلك من الرئيس بوتين، بعد التشاور مع مسؤوليك.
الرئيس الأسد:
تماماً. بعد أن وصلنا إلى تلك النقطة، أرسلت رسالة رسمية للرئيس بوتين، وأصدرنا بياناً يُعلن أننا دعوناهم للانضمام إلى جهودنا. لا ينبغي أن ننسى أن الرئيس بوتين كان قد اتخذ خطوة عندما قال إنه مستعد لتشكيل تحالف. وكان ردّيَ هو أننا مستعدون لذلك إذا أردتم إشراك قواتكم.
السؤال الثاني والعشرون:
إذاً، ما هي القوات التي تم نشرها؟ أتحدث هنا عن القوات الروسية. لقد أوردت بعض التقارير، على سبيل المثال، وجود ألف جندي روسي إضافة إلى القوات الخاصة. هل هذا صحيح؟ وهل تفكرون بلحظة زمنية تعتقدون فيها أن الروس سيشاركون، ليس فقط من الجو بل باستخدام القوات البرية أيضاً؟
الرئيس الأسد:
لا، هذا ليس وارداً حتى الآن. ليس هناك أي قوات برية باستثناء الطواقم التي يرسلونها مع قواتهم العسكرية وطائراتهم لحراسة القواعد الجوية، وهذا أمرٌ طبيعي. ليس لديهم أي قوات برية تقاتل مع القوات السورية على الإطلاق.
السؤال الثالث والعشرون:
أليس هناك خطط في هذا الصدد؟
الرئيس الأسد:
لم نُناقش ذلك بعد؛ ولا أعتقد أننا بحاجة لذلك الآن، لأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح. قد يتم التفكير بذلك مع مرور الوقت أو تحت ظروف مختلفة، لكن في الوقت الراهن، لم تتم مناقشة ذلك.
السؤال الرابع والعشرون:
ظهر تقرير، أو إشارة إلى أن سورية قد تحصل على نظام إس 300 من الروس، وأن هذا النظام سيسمح لسورية بحماية مجالها الجوي. هل ستستخدم سورية هذا النظام ضد القوات الجوية للتحالف، حتى لو شاركت بريطانيا، حيث إن طائرات التحالف موجودة في السماء السورية، كما قلت سابقاً، دون إذن رسمي أو سيادي؟ عندما تحصل سورية على نظام إس 300 فإنها ستستخدمه لفرض حماية أجوائها ولكي تبعث للتحالف برسالة مفادها: عليكم التعامل معنا بشكل مباشر، أو التنسيق معنا على الأرض؟
الرئيس الأسد:
هذا من حقنا، وينبغي أن يكون من المتوقّع أن نمنع أي طائرة من انتهاك مجالنا الجوي. هذا أمر قانوني بالمطلق. سنستخدم أي وسيلة متاحة لحماية مجالنا الجوي. والأمر لا يتعلّق بهذا النوع من الأسلحة بالتحديد؛ فكل أنظمة الدفاع الجوي تُستخدم لهذه الغاية.
السؤال الخامس العشرون:
هل حصلتم على هذا النظام الدفاعي؟
الرئيس الأسد:
لا، إننا لا نمتلكه حتى الآن.
السؤال السادس والعشرون:
وإذا حصلتم على هذا النظام الدفاعي؟
الرئيس الأسد:
ستستخدم جميع الأنظمة الدفاعية التي سنحصل عليها لتلك الغاية. إذا كنّا لن نحمي مجالنا الجوي، فلماذا نشتري مثل تلك الأسلحة؟ هذا أمر بديهي.
السؤال السابع والعشرون:
وإن حصلتم عليه...
الرئيس الأسد:
هذا ليس الوقت المناسب للحديث عن هذا الموضوع، فأولويتنا الآن هي محاربة الإرهابيين على الأرض. هذا هو الخطر الأكبر الآن. إننا حريصون بالطبع على حماية مجالنا الجوي ومنع التدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية، سواء كان ذلك عسكرياً أو غير ذلك. لكن الأولوية الآن هي لإلحاق الهزيمة بالإرهابيين. وبهزيمة الإرهابيين، وبعضهم سوريون، نستطيع المضي أبعد من ذلك وحماية البلد كله من الأجانب. المسألة مسألة أولويات.
السؤال الثامن والعشرون:
أعني ما يتعلق بطائرات التحالف التي تحلّق في الأجواء السورية فعلياً الآن. تقولون إن هذا لا يُعدُّ أولوية في الوقت الراهن؟
الرئيس الأسد:
لا، ليس في الوقت الراهن. أولويتنا حالياً هي محاربة الإرهاب.
السؤال التاسع والعشرون:
إذا دعتكم السعودية لإجراء نقاشات جادة حول مستقبل سورية، فهل ستقبلون تلك الدعوة؟ أم أن العلاقات بين سورية والسعودية قُطعت بشكل حاد يمنعكم من النظر في مثل ذلك الاحتمال؟
الرئيس الأسد:
لا، ليس هناك مستحيل في السياسة. المسألة لا تتعلق بما إذا كنت أقبل أو لا أقبل بسياسات كل حكومة. ماهي سياساتهم حيال سورية؟ هل سيستمرون في دعم الإرهابيين أم لا؟ هل سيستمرون بممارسة ألعابهم الخطرة في سورية واليمن وأماكن أخرى؟ إذا كانوا مستعدين لتغيير سياساتهم، خصوصاً حيال سورية، فلا مشكلة لدينا في الاجتماع معهم. إذاً، فالأمر لا يتعلق بالاجتماع أو بما إذا كنّا سنذهب أم لا؛ المسألة تتعلق بمقاربتهم لما يحدث في سورية.
السؤال الثلاثون:
هل تتوقعون أي نتائج من محادثات فيينا؟ وما هو شكل أي اتفاق محتمل تتوقعون أن تتمخّض عنه اجتماعات فيينا؟
الرئيس الأسد:
البند الأكثر أهمية في إعلان فيينا هو أن على السوريين أن يجتمعوا لمناقشة مستقبل سورية. كل ما عدا ذلك ثانوي. إذا لم يكن هذا الجزء الرئيسي موجوداً، فإن كل الأجزاء الثانوية ليست ذات جدوى. وبالتالي، فإن الحل الوحيد هو أن نجتمع كسوريين. فيينا بحد ذاته لا يعدو كونه اجتماعاً لإعلان النوايا، وليس العملية الفعلية التي تتمثل في الجلوس إلى الطاولة ومناقشة المستقبل، إذاً، فإن المسألة لا تتعلق بالنتائج الناجمة عن فيينا، بل بما نستطيع نحن كسوريين أن نحقّقه عندما نجتمع.
السؤال الواحد والثلاثون:
لكن، هل تدركون أن بعض قادة المعارضة، وأنا أتحدث عن شخصيات في المعارضة تعارض حمل السلاح وما إلى ذلك، يخشون القدوم إلى سورية، لأنهم حالما يصلون إلى سورية، سيتم اعتقالهم من قبل رجال الأمن ويؤخذون إلى السجن. وقد حدث هذا لآخرين؟
الرئيس الأسد:
لا، هذا لم يحدث ابداً، هناك معارضة في سورية، وهم أحرار في أن يفعلوا ما يشاؤون.
السؤال الثاني والثلاثون:
لا، أعني المعارضة الخارجية. على سبيل المثال شخص مثل هيثم مناع لا يستطيع العودة إلى سورية.
الرئيس الأسد:
لقد قلنا بوضوح إنه عندما يكون هناك اجتماع في سورية يرغبون بحضوره، فإننا نضمن ألا يتم اعتقالهم أو احتجازهم. لقد قلنا ذلك مراراً. ليس لدينا مشكلة في هذا الصدد.
السؤال الثالث والثلاثون:
لقد دعت السعودية 65 شخصية، بمن فيهم زعماء في المعارضة، بل قادة مجموعات مسلحة، ورجال أعمال، ورجال دين للاجتماع في السعودية من أجل تقديم جبهة موحدة استعداداً لمحادثات كانون الثاني القادم في فيينا. إلا أن الحكومة السورية، المكوّن الرئيسي الآخر في هذه العملية التي تستهدف مناقشة مستقبل سورية، لا يبدو أنها تتحدث إلى المعارضة. هل تجرون أي محادثات مع المعارضة؟ هل توصّلتم إلى توافق معها؟
الرئيس الأسد:
لدينا قنوات مباشرة مع بعض مجموعات المعارضة، لكن مجموعات أخرى لا تستطيع التواصل معنا لأن الحكومات التي تسيطر عليها لا تسمح لها بذلك. نحن من جهتنا منفتحون على كل الأطراف السلمية في المعارضة. ليس لدينا مشكلة في ذلك. فيما يتعلق بالاجتماع المزمع عقده في السعودية، فإن السعوديين يدعمون الإرهاب بشكل مباشر وصريح وعلني. ذلك الاجتماع لن يغيّر شيئاً على الأرض. قبل الاجتماع وبعده، تقدّم السعودية الدعم للإرهابيين، وستستمر في تقديمه. لا يشكّل ذلك حدثاً مفصلياً يمكن مناقشته، إذ إنه لن يغيّر شيئاً في الواقع.
السؤال الرابع والثلاثون:
هل تعتقدون أنه سيأتي وقت في المستقبل، تجلسون فيه، من أجل حماية سورية أو إنقاذها، أو لتحريك العملية السياسية في سورية، مع بعض المجموعات أو مجموعات معيّنة تعتبرونها حالياً إرهابية، لكن قد يكون من الممكن في المستقبل أن توافقوا على التفاوض معها لأن ذلك سيكون مفيداً لمستقبل سورية؟
الرئيس الأسد:
لقد فعلنا هذا فعلاً؛ فمنذ البداية كانت إحدى الدعامات الأساسية في سياستنا الشروع في الحوار مع جميع الأطراف الضالعة في الصراع، سواء كانت في سورية أم لا. لقد تفاوضنا مع العديد من المجموعات الإرهابية، وليس التنظيمات، كي أكون دقيقاً، التي أرادت التخلّي عن أسلحتها والعودة إلى الحياة الطبيعية. أفضَتْ هذه المفاوضات إلى إصدار أكثر من عفو؛ وقد كان ذلك ناجحاً جداً في العديد من الحالات. والأكثر من ذلك أن بعض هؤلاء المقاتلين انضموا فعلياً إلى الجيش السوري وباتوا يقاتلون الآن مع قواتنا. إذاً، نعم نحن نتفاوض مع أولئك الذين ارتكبوا أفعالاً غير قانونية في سورية، سواء كانت سياسية أو عسكرية، للتوصل إلى تسويات شريطة أن يتخلوا عن أسلحتهم ويعودوا إلى حياتهم الطبيعية. هذا لا يعني أن نتفاوض مع تنظيمات إرهابية مثل داعش والنصرة وغيرها، ما قصدته بالمجموعات هو تلك المجموعات التي شاركت في القتال لكنها ندمت على خياراتها وتريد العودة إلى الحياة الطبيعية.
السؤال الخامس والثلاثون:
هناك ما تسميه المجموعات المسلحة "براميل متفجرة". أنتم ترفضون هذا الاسم. لكن بصرف النظر عن الاسم، فإن هذه القنابل لا تميز بين المقاتلين والمدنيين. هل تقرون بأن سورية استخدمت قنابل لا تميز بين مدنيين ومقاتلين في بعض المناطق، ما نتج عنه مقتل العديد من المدنيين؟
الرئيس الأسد:
لنفترض أن هذا الجزء من الحملة الدعائية صحيح، وهو ليس كذلك. لكن من أجل المحاججة، لنطرح نفس السؤال حول الهجمات المختلفة التي شنها الأمريكيون والبريطانيون بطائراتهم وصواريخهم المتطورة جداً في أفغانستان والعراق، ليس فقط بعد غزو العراق عام 2003 بل ايضاً خلال حرب الخليج الأولى عام 1990. كم مدنياً وبريئاً قتلوا في تلك الضربات الجوية التي استُخدمت فيها صواريخ عالية الدقة؟ لقد قتلت تلك الصواريخ من المدنيين أكثر مما قتلت من الإرهابيين. إذاً، فالقضية ليست ما يسمى بالبراميل المتفجرة "وهذا الرئيس الشرير الذي يقتل الناس الطيبين الذين يقاتلون من أجل الحرية". هذه الصورة الرومانسية غير حقيقية. المسألة تتعلق بكيفية استخدام الأسلحة، وليس بالاختلاف بين ما يسمى البراميل المتفجرة والصواريخ عالية الدقة. المسألة تتعلق بكيفية استخدام هذه الأسلحة، ونوعية المعلومات التي يتم الحصول عليها، والنيات، هل لدينا إرادة لقتل الأبرياء؟ كيف ذلك والدولة هي من تدافع عنهم؟ إذا فعلنا ذلك فإننا ندفعهم إلى أحضان الإرهابيين. إذا أردنا قتل الأبرياء أو المدنيين، لأي سبب كان، فإن ذلك سيكون لمصلحة الإرهابيين، وهذا يتعارض مع مصالحنا. فهل نقوم بعمل يضر بمصالحنا؟ هذا غير واقعي ولا منطقي. لم يعد من الممكن تسويق هذه الحملة الدعائية، ولم يعد أحد يصدقها.
السؤال السادس والثلاثون:
سؤال أخير، سيادة الرئيس. كرئيس للبلاد وأنت تقود الجيش والقطاعات الأخرى ألا تتحمّل، بحكم منصبك، المسؤولية بعض الأشياء التي حدثت في سورية؟
الرئيس الأسد:
لقد سُئلت هذا السؤال مرات عديدة، خصوصاً من قبل وسائل الإعلام والصحفيين الأجانب. هذا السؤال يهدف إلى إحراج الرئيس ووضعه بين جوابين محتملين: إذا قُلت إنني مسؤول، سيقولون: انظروا، الرئيس يتحمّل مسؤولية كل ما حدث؛ وإذا قُلت إنني لست مسؤولاً، سيقولون: هذا غير صحيح، فأنت رئيس البلاد، كيف يمكن ألا تكون مسؤولاً؟
السؤال السابع والثلاثون:
لأنك الرئيس، أو لنقل ربّ العائلة....
الرئيس الأسد:
دعيني أُكمل، كانت تلك مقدمة لجوابي، وهو بسيط جداً.. منذ البداية، قامت سياستنا على دعامتين أساسيتين: إجراء الحوار مع الجميع، ومحاربة الإرهاب في كل مكان من سورية. الآن، إذا أردت الحديث عن المسؤولية، لا بد من مناقشة العديد من أوجه الصراع، وسبب وجودنا اليوم في هذا الوضع الصعب والمُحزن. إذا قُلت إنني أتحمّل المسؤولية، فهل أتحمل أيضاً مسؤولية الطلب من القطريين أن يدفعوا الأموال للإرهابيين؟ او الطلب من السعوديين تمويل أنشطتهم؟ أو الطلب من الحكومات الغربية السماح لإرهابييها بالقدوم إلى سورية؟ هل أتحمّل مسؤولية الطلب من الحكومات الغربية أن تمنح مظلة سياسية لأولئك الإرهابيين وأن تسمّيهم معتدلين؟ أو عن الحصار الغربي المفروض على الشعب السوري؟ ينبغي أن نناقش الأمر على هذا النحو. لا نستطيع القول ببساطة إن الرئيس يتحمّل أو لا يتحمّل المسؤولية. علينا أن نتحدّث عن كل الجوانب، وأن نميّز بين القرارات المتّخذة في إطار السياسات من جهة والممارسات من جهة أخرى، بين الاستراتيجية والتكتيك. وبالتالي، فإن تقييم ذلك أمرٌ معقد جداً. هذا بالإضافة إلى أننا إذا أردنا تقييم من يتحمّل المسؤولية في سورية، فإن ذلك يمكن أن يحدث بعد نهاية الحرب عندما يُصبح بالإمكان إجراء التحقيق بالمسألة برمتها: ما حدث قبلها، وخلالها، وبعدها.
الصحفية:
شكراً جزيلاً سيادة الرئيس.