لأتوسل يداً تتفقده إن كان ما زال على قيد حياة و إن كنت حينها في شك فلا حراك ، و لأستجدي نظرة اهتمام من الأقدام العابرة لتقليب ذاك الجسد الصغير الذي تسكنه طفولة يائسة ، أو جس نبض ظننته توقف عن ممارسة الفقر و العذاب و الاحتضار اليومي ، فأعلن التمرد عن متابعة التشرد و تذوق الجوع و ارتداء الارتجاف .. رد أحد المارة على إشارات استفهامي الصاخبة بعبارة لا مبالية ناكرة لألم يتثاءب على الأرض بللتها الأمطار : مِن هؤلاء كثر اعتادوا العراء .. لا تخافي إنه عايش كالقطط تسكنه سبع أرواح !!
و لكن برأي هؤلاء .. ما هي المسافة الفاصلة بين حياة و موت هؤلاء الأطفال المشردين ؟ ربما دقات قلب صغير جمده صقيع قلوبنا و قسوة أصابعنا التي خلعت قفازاتها البيضاء .. أو هو دفء يسكن الأطراف في حلم استثنائي ، يفر هارباً عندما ُيطفأ عود الثقاب الأخير لبائع كبريت بطل مأساة طفولتنا المشردة في شتاء قارس.. فأعواد الكبريت نفدت من جيب ذاك الصغير، و لم يعد أمامه سوى التقوقع على بلاط رصيف و كأنه فراشه الوثير ، و عناقه بشدة كصدر أمه التي ربما فقدها في زحمة أزمة أو يتم طارئ ..
إنها الطفولة التي خرجت من تحت عباءة عائلة عنوة ، لتمارس تسولاً غير مجدٍ و تخطف بضع لقيمات من أيدينا و لتغرق بضياع نفسي و تلوث أخلاقي ، و لتحيا حياة عنوانها التشرد و الانفلات من القيود الاجتماعية و الضوابط الأخلاقية ، بعيداً عن الرعاية الوالدية و خارج أسوار المؤسسات التربوية ، طفولة طليقة اليوم و لا شك منحرفة و منتقمة منا غداً ، إن كثرة الأطفال المشردين في الشوارع باتت ظاهرة تثير القلق ، و تدعو بإلحاح لإيجاد حلول اسعافية و لو كانت متواضعة !!