ونسلك ونشهد وبذلك نعرج على الخاص بالذكر وعلى العام بالبرهان والحجة
الثقافة.. أول جواب يتبادر لذهني عندما واجهني هذا السؤال ولأول مرة: ماذا تعني الثقافة، وماهي الثقافة.. استمهلت كعادتي، فهوالسهل الممتنع، إلى أن أدلى الجميعُ بآرائهم، وكلُّها كانت أوجهاً أوبعضَ أوجهٍ من الجواب حتى قلتُ: من الممكن أن نجمع المعارف والعلوم والشهادات التعليمية والأكاديمية من أدناها لأقصاها، ومن المفيد أن نضرب في طول الحياة والأرض وعرضهما فنَخبَرَ ونعيشَ ونكتشفَ الكثيرَ الكثير.. لكنَّ مجموعةَ هذه العلومِ والمعارفِ والمهاراتِ والخبراتِ التي تتكوَّنُ لدينا في النهاية، وعندما تنعكسُ في الشخصيَّة والفكر والعملِ والنتاجِ سلوكاً حضارياً راقياً بمجملِ قِيَمِهِ الإيجابية، عند ذاك نقولُ بأنَّ فلاناً «مثقف».. وهذا ماتعنيه الثقافة..
كنت في مراحل دراستي الأولى.. والإنسان ابن بيئته وتنشئته وتربيته الكُبرَى والصُّغرى وما يثقفُ نفسَهُ بهِ مع الأيَّام ومنذ اشتداد عوده.. وكان البدء بالكتاب.. القراءة.. المطالعة...وكانت جميع فنون المعرفة وضروب الثقافة من سينما ومسرح وشعر وأدب ورواية وقصة الخ.. وكان العلم والتعلُّم.. فإذا به يفيض على لسان القلم حبراً صادقاً.. ويسيل من عين الدواة دمعاً لثقافة تبكي من يضيعها.. ومع الزمن.. كانت المعركة الأشرس والأكبر.. معركة وجود أم نفي.. إثبات أم تهميش.. إحقاق حقٍّ أم سكوت على باطل.. وكان الميزان: «الثقافة»، والكلمة الفصل لها.. فبينَ أن تعرف وتعلن معرفتك وتثبته موقفاً، وأن تعرف ولا تعلن، وأن تعرف وتعلن ولكن لا تثبت موقفاً معرفياً، كانت الرحى تدور لتفرز الصَّلب من الحَبِّ، والقذى من العين.. إن الساحة الثقافية للجميع.. ولكن للزمن اصطفائية عجيبة الدقة.. «فالبقاء لِمَن هوأصلحُ وأبقى»، ومن أهم المفارقات التي نعيشها هي الهوة بين ما يقال ويعلن من أقوال وأفكار وما يترك من آثار وإنتاجات فكرية أوإبداعية، وبين ما يتم سلوكهُ في الحقيقة..
كثيراً ما سألت هذا السؤال لأصدقاء وشركاء حقيقيين في همِّ الوطن والثقافة.. وكان السُّؤال الملازم له: «ترى هل كان الأقدمون من المثقفين يعيشون مانعيش ولم تصلنا من أخبارهم سوى آثارهم فقبلناها كما هي بغضِّ النظر عن سلوكهم أومدى انعكاس ثقافتهم في مواقفهم أيام حياتهم»؟ وسرعان ماكان يأتي الجواب فيما تناهى إلينا من أخبارهم وسِيَرِهِم فيتبين الغثُّ من السمين.. والسؤال الذي يطرح نفسه أكثر هو: هل يكون مثقفاً وفي عداد المثقفين من يقول ما لا يفعل ويفعل عكس ما يقول.. هذا السؤال ندعه إلى حين، فلسنا في وارد فرزٍ، وكما قلتُ للزمن اصطفائيَّتُه الطبيعيَّة العادلة.. إن أخطر الخطر عدم المكاشفة ومراجعة الذات.. وأخطر الخطر أن لا نعيَ نقصَنا فنحاولَ إتمَامَهُ بالثقافة والمعرفة.. هكذا سنمضي معاً نقلِّبُ صفحات الرُّوح بحثاً عن ذواتنا.. ومن هنا سيكون لنا في قادم الأيام ما يتناول الثقافة مع القوة، الأخلاق، المعرفة، الحضارة، العلم، الضمير، الذكاء، الممارسة، الحياة، الكرامة، الرخاء، الرقي.. الثقافة والدولة والسلطة والسياسة وإشكالياتها.. الثقافة والتغيير.. الثقافة والخَلْق.. أيَّها الأحبَّة.. الثقافة ملح الرُّوح، وكفايَة الوجدان، عبق الضَّمير، وسلافُ الكرامة، رقيُّ الفكرة، وتعويذة الشموخ، روح الحياة.. وعيُ الجوهر.. وجوهرُ الوعي..
فلنكُن على قدر مسؤولياتنا الصغرى والكبرى.. لتكون بلدنا سورية بلد الإنسان والحضارة بلداً لا تغيب عنها الثقافة.. كلمات لا بدُّ منها:
«الثقافة قمرٌ لا يغيب.. آنَ استوى التَّاريخُ على قمَّة الشُّهُب».
«د. نجاح العطَّار»
«الثقافة ذات الكرامة.. لها إشعاعُها الخاصُّ، تلمحُهُ في بريق العيون ووَضَاءة الجبهَة وجَلالِ العقلِ ونصاعَةِ الموقفِ، إشعاعٌ يكشف الزيف ويصارع التلفيق ويضرب المخاتلة.... يوسف إدريس».
«الأمة هويَّةٌ، والهويَّة ثقافة، والثقافة دينٌ ولسانٌ ووجدان.. أحمد بن نعمان».