سؤال كبير وعريض.. يعكس مشكلة تتجاوز كبره وعرضه.. وتتعلق بواحدة من أهم قضايا السكان والتنمية,, ولاسيما أن القرارات والبلاغات والتعليمات الناظمة لهذه المشكلة تبدو غامضة حيناً ومتناقضة حيناً.وغير مدروسة في أغلب الأحيان ولنبدأ من مشكلة منع البناء في الأراضي الزراعية خارج المخططات التنظيمية بشقيه السكني والاقتصادي.
فقد نصت تعليمات وزارة الإدارة المحلية بكتابها رقم 6906 /4/463 تاريخ 4/3/2007 على منع الترخيص على الأراضي الزراعية وخارج المخططات التنظيمية والمملوكة على الشيوع بالنسبة للسكن.. كما نص الكتاب رقم 1705/ى/ت.ع تاريخ 24/5/2007 بعدم منح التراخيص للجمعيات التعاونية السكنية وجمعيات السكن والاصطياف التي قامت بشراء أراض زراعية خارج المخططات التنظيمية.
وكما أن القانون رقم /1/ لعام 2003 وتعليماته التنفيذية الموحدة نصت من بين مانصت على هذا الأمر.. دون الأخذ بعين الاعتبار جملة من الأمور الجوهرية, أهمها:
1- إن هذا القانون وتعليماته لم يفرقا بين محافظة وأخرى وبين منطقة ومنطقة, وإنما تعامل مع الجميع بمقياس واحد.. فمثلاً تمت معاملة محافظات الحسكة ودير الزور والرقة مثل بقية المحافظات وهي محافظات زراعية بامتياز.. ومعظم أراضيها مملوكة على الشيوع كما ورد في كتاب محافظة الحسكة رقم 297 ف تاريخ 2/3/2007 والذي نص حرفياً على مايلي: ( نظراً لكون معظم الأراضي الزراعية في محافظة الحسكة مملوكة على الشيوع وهناك صعوبة بالغة في الحصول على موافقة جميع المالكين.. بل يتعذر الحصول عليها.. وكون محافظتنا من المحافظات النامية وبحاجة إلى المشاريع الصناعية والزراعية والخدمية ( يرجى الموافقة على منح التراخيص على أساس الوضع الراهن للقسمة الرضائية مع موافقة الجوار المتواجدين داخل القطر ووضع إشارة على حصة المرخص في صحيفة العقار).
وفي هذا الكتاب تلخيص دقيق للمشكلة من أهم جوانبها.. وتنطبق على معظم المحافظات السورية. إن لم نقل كلها.. لأن المشاكل المتعلقة بالملكية والورثة.. والحيازات الزراعية مشكلة عامة تفاقمت خلال عشرات السنين.
إن هذا القانون أي رقم /1/ لعام 2003 لم يلحظ الفروق البينة بين عقارات الريف والمدينة.. فالمدن سبقت الريف بعشرات السنين بالمخططات التنظيمية ومناطق الحماية.. وتوزيع الملكية في حين عانت من الأحياء العشوائية المقامة بالقرب من خواصرها.. وكلها وفي جميع المدن السورية مملوكة على الشيوع.. ويصعب في كل الأحوال إثبات الملكية فيها.. أو جمع كل المالكين للقيام بقسمة رضائية كما نصت على ذلك تعليمات وزارة الإدارة المحلية.
- هذا القانون وكل مايتعلق به من تعليمات وبلاغات بات يقف اليوم في وجه الكثير من المشاريع الزراعية والصناعية والتجارية.. عندما منعت بداية أي تراخيص في الأراضي الزراعية.. ثم عادت لتحدد شروطاً تستثني فيها بعض الأراضي التي تزيد نسبة الأحجار فيها عن 75% كذلك سمحت بداية ببناء بيت زراعي بمساحة 120 م2 وعدلت عنه فيما بعد.. وهو مايدل على تخبط وارتباك تعكسه البلاغات والقرارات المتتالية التي تصدر عن وزارة الإدارة المحلية.. والمكاتب التنفيذية وخير دليل على ذلك القرارات والبلاغات الناظمة لهذه المسألة في سهلي الغاب وطار العلا العشارنة في محافظة حماة واللذين عوملا معاملة خاصة تختلف عن باقي مناطق المحافظة.. وهي التي أثارت لدى المزارعين والصناعيين والتجاريين جدلاً لم يزل مستمراً منذ سنوات.
- لم تأخذ هذه القرارات والبلاغات.. وضع المناطق العقارية في الريف.. ولم تلحظ الواقع السكاني الذي تتميز به هذه المناطق.. إذ ثمة قرى تقع وسط جزر زراعية خصبة وليس لها بدٌ من التوسع في هذه الجزر.. ولاسيما في ظل التزايد السكاني الكبير الذي نعاني منه.. والذي لايبدو أن الحل المقترح - وهو التوسع الشاقولي - ممكن التنفيذ في غياب وعي سكاني حضاري ينتهج نحو حياة جماعية متقاربة وفي غياب إمكانات قيام تجمعات شاقولية كاملة البنية التحتية.
- إن تطبيق القانون رقم /1/ وتعليماته التنفيذية اقتصر حتى الآن على الجوانب السلبية المتعلقة بالعقوبات التي تصل إلى الحبس لمدة ستة أشهر وبغرامة قد تصل إلى مئة ألف ليرة دون الالتفات إلى الجوانب الأخرى التي تجعل من تطبيق القانون عقبة في وجه التنمية ولاتراعي الواقع السكاني والاقتصادي والزراعي. لاسيما وأن ثمة تكاملاً بين المنتج الزراعي والمنشآت الصناعية التي تعتمد في إنشائها على توفر المادة الأولية.. وموقع إنتاجها.
أخيراً: نقول باختصار.. لاأحد ينكر أن لمنع البناء والترخيص في العقارات الزراعية نتائج هامة على الصعيد الوطني, مثل إيقاف الزحف العمراني, وانتشار السكن العشوائي.. وقضم الأراضي الزراعية والخروج عن المألوف في قانون ضابطة البناء عند التوجه نحو الارتفاع الشاقولي.. وإنشاء قرى نموذجية منظمة شبيهة بالمدن.
ولكن الآثار السلبية, المتأتية عن الملاحظات السابقة التي أوردناها.. تبدو أكثر تأثيراً وبخاصة أن التعليمات تقضي بمحاصرة المواطنين ضمن تجمعات لم تعد قادرة على الاستيعاب.. وأن جميع المالكين في العقارات المشاع أمر يكاد مستحيلاً.. وأن القسمة الرضائية على الوضع الراهن بعد إثبات الملكية يمكن أن تكون مخرجاً وبخاصة في مدننا المليئة بالعقارات المشاع.