فهذه العواصم (الشرق أوسطية) وعذراً من التسمية.. حسبت وجمعت وطرحت أرباحها وخسارتها من هذا المؤتمر, فخرجت بنتيجة مفادها أن انعقاد مؤتمر الخريف وانتهاءه دون أن تتمخض عنه نتائج ايجابية في مصلحة السلام, سيضعها في وضع حرج وصعب, وخاصة أن ثمة إجماعاً اليوم لدى الأطراف كافة المدعوة إلى المؤتمر بدعوات شخصية قدمتها رايس في جولتها الأخيرة, بأن حجم التفاؤل بهذا المؤتمر ضئيل جداً, بل قد يأخذ هذا المؤتمر عملية السلام في المنطقة إلى العتمة الكاملة, أو إلى طريق مسدود تماماً وهذا مؤكد جداً, لأسباب كثيرة منها:
إن هذا المؤتمر لم يضع أسساً لينطلق منها للوصول إلى سلام, ولأنه يتجاهل مسيرة طويلة من المفاوضات التي أعقبت مؤتمر مدريد إضافة إلى تجاهل الأسس التي قام عليها (الأرض مقابل السلام) والقرارين 242و338 ويتجاهل المبادرة العربية التي وافقت عليها كل الأطراف العربية, وقضايا عودة اللاجئين والحل النهائي كالقدس والحدود, ويتعمد تجاهل دور سورية في سلام شامل وعادل بالانسحاب من الجولان والعودة إلى حدود الرابع من حزيران, وهذا التجاهل المتعمد يهدف إلى عزل سورية وتحجيم دورها في المنطقة.
إن أميركا وإسرائيل تشتغلان الآن.. أي في هذه الفترة التي تسبق انعقاد المؤتمر على اضعاف دور سورية بإشغالها وبزيادة اتهامها بالتدخل في الوضعين العراقي واللبناني, والغارة الإسرائيلية التي حدثت الشهر الماضية, تصب في سياق هذا الهدف أكثر من كونها حالة عسكرية, فهي محاولة خبيثة لجعل سورية تستسلم لما يجري.
ولكن هذه الضغوط خبرتها سورية طوال عقود وكان الرد السوري عليها دائماً بمزيد من الصلابة والتحدي, وهذا ما أكسب الموقف السوري احتراماً أكبر في الشارع العربي, وفي التفاف الجماهير في سورية حول قيادته..
وهذه الغارة فيها كثير من الاحراج, ولكن ليس لسورية وإنما للمراهنين على قيام سلام مع إسرائيل وعلى دور أميركي يخرج الوضع القائم والمتأزم من دائرة الضغوط التي تكبر على الأنظمة المراهنة على هذا الدور الأميركي وعلى مؤتمر الخريف الذي وصفه أحد السياسيين (بالخلبي) أي الفارغ من المضمون.
هذا المؤتمر الذي دعيت إليه أكثر من ثلاثين دولة, والذي يدعو إليه بوش في آخر أيامه, يأخذ وضعاً كرنفالياً, يواجه به بوش اعداءه في الكونغرس من الديمقراطيين, ويضع دول المنطقة في جو من التفاؤل لمساعدته في الخروج من أزماته في العراق وأحداث المنطقة التي تضيق عليه, ولهذا يريد من دول المنطقة حضور المؤتمر دون أجندة محددة, وهذا ينسجم مع نية الإدارة الأميركية وأهدافها.
أولمرت ليس متحمساً لعقد المؤتمر, هذا الأمر سيعكس وضعه على دعوة بوش, ومن هنا نجد أن الوزيرة رايس راحت تواجه وضعاً صعباً في اقناع الحكومة الإسرائيلية بحضور المؤتمر وإظهار الجدية في التعامل معه, ولكن أولمرت ظل مصراً على الهروب من التزامات تمليها قرارات الشرعية الدولية , ومبادرة السلام العربية.
قبل أن تبدأ رايس جولتها في المنطقة الأسبوع الماضي, راحت تمهد لجولتها بمجموعة من التصريحات الجوفاء عن السلام وعن الدولة الفلسطينية, ودون أن تلتزم بقواعد محددة ينعقد عليها هذا المؤتمر, أي إنها تطالب بعقد مؤتمر الخريف وتتهرب من تحديد برنامج يرسم أجندة واضحة, في تجاهل متعمد لعملية السلام ورغبة العرب في قيام سلام حقيقي وشامل وعادل وضمن مدة محددة كي لا تظل مباحثات السلام إلى نهاية الدهر وفي النهاية تتنصل إسرائيل من كل ما تم التوصل إليه كما حدث في وثيقة رابين وفي اتفاقات أوسلو, في عملية لعب على الزمن لاغتصاب الأرض وتغيير معالمها الديموغرافية.
قبل إطلاق الدعوة لعقد مؤتمر الخريف, أججت الإدارة الأميركية حدة الصراع بين الأطراف الفلسطينية, وأظهرت تعاطفها مع طرف على طرف آخر لشق الموقف الفلسطيني, ولتزيد من حدة الصراع بين الفلسطينيين, وإضعاف الطرف الفلسطيني المفاوض, وجعل حاجته إلى دعم لوجستي أميركي إسرائيلي أكثر من حاجته إلى التفاوض والمطالبة بأن يكون التفاوض قائماً على أسس واضحة للوصول إلى سلام يأخذ متطلبات الفلسطينيين في عين الاعتبار.
وهذا ما أظهرته جلسات التفاوض بين عباس وأولمرت وأظهرته الاجتماعات التي عقدها ديفيد وولش مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وعقدتها رايس فيما بعد في رام الله مع (أبو مازن) ومع الطرف الإسرائيلي.
الطرف الإسرائيلي ليس جاداً في عملية السلام ولا في تفعيل مؤتمر الخريف ولو بشكل ظاهري كما رغبت رايس, فأولمرت لديه مجموعة أولويات قبل التوجه إلى المؤتمر, منها زيادة نزيف الدم بين الفلسطينيين وإلهاؤهم بسجالات وباقتتال يمكن الإسرائيليين من الانصراف إلى توسيع المستوطنات واكمال بناء الجدار ومصادرة الأراضي حول القدس.
وهذا ما يحصل حالياً, وزيادة تأزم الوضع اللبناني والعراق لإلهاء سورية وأطراف عربية بهذا الوضع, إضافة إلى زيادة الخناق على الشعب الفلسطيني في غزة لجعل حماس في وضع صعب أمام الناس.
فاستمرار الحصار ووضع سكان منطقة غزة في فم الموت جوعاًً في رأي أولمرت قد يجعل حماس أكثر ليونة في مواقفها تجاه إسرائيل, وثمة هدف آخر يلعبه أولمرت هو الاستفادة من كل هذه الاوضاع في المنطقة مجتمعة لتحسين صورته السياسية في المجتمع الإسرائيلي, ولزيادة تماسك الحكومة الإسرائيلية المهدد بين الحين والحين بالانهيار, آخر القول:
إن الإدارة الأميركية وإسرائيل ليستا جادتين في الوصول إلى سلام عادل وشامل, ومؤتمر الخريف, ليس أكثر من خديعة يريد الرئيس بوش أن يمررها ويوظفها في خدمته في هذا الوقت الصعب الذي يعيشه, كما مارس الخديعة من قبل عام 2004 ثم اكتشف الجميع أن بوش كان يستخف بدول المنطقة.
جولة رايس الأخيرة التي التقت فيها مع القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية مرتين ومع قيادات في المنطقة حرصت فيها رايس على تمرير كثير من القبلات والابتسامات التي كانت تخفي قلقاً واضحاً من ضعف حماس دول المنطقة بما فيها إسرائيل لحضور المؤتمر.
ولكن رايس التي تعلمت على فرض منطق الاملاءات ستتابع محاولاتها خلال زيارتها القادمة المرتقبة, ولكن القول الأكيد أن جميع المدعوين سيحضرون, وهذا مجرد رأي, ولكن الأكيد حقاًً أن المؤتمر سيسقط عن شجرة السلام آخر أوراقها.