وكلمة (لقاء) متبوعة بصفة (دولي) تعني لقاء دولياً موسعاً تحت غطاء الامم المتحدة بهدف البحث عن آلية لاحترام القانون والأمن الجماعي المهدد. اما كلمة (اجتماع) فتفترض لقاء محدوداً, ربما بين أصدقاء, بهدف مناقشة, أو الدردشة حول, أمور معينة.
في البداية استخدم بوش تعبير (مؤتمر) لكن, تحت الضغط (الاسرائيلي) على الأرجح, أصدر البيت الابيض في 20 يوليو/تموز توضيحاً يقول ان (الأمر لا يتعلق بمؤتمر كبير للسلام ولكن بلقاء من اجل إيجاد الوسائل الآيلة إلى بناء مؤسسات اساسية للفلسطينيين تتيح لهم ادارة انفسهم بأنفسهم والاستحواذ على ديمقراطية). انه توضيح يحتاج إلى توضيح, تماماً كما الاتفاقات التي اعتاد »الإسرائيليون) اقتراحها على الفلسطينيين. ومنذ 20يوليو/تموز لم تعد الإدارتان الأمريكية و)الاسرائيلية) تستخدمان سوى مفردة »اجتماع) يفترض ان ترأسه كوندوليزا رايس. وحتى الرباعية الدولية أضحت لاتتكلم الا عن »لقاء دولي). وهكذا تكون واشنطن قد حددت سلفا الهدف الحقيقي من هذا الأخير: بناء أنظمة تحالف, دبلوماسي على الاقل وفي البداية, بين »اسرائيل) والدول »المعتدلة) العربية والسلطة الفلسطينية في مواجهة حلف »المتشددين) أي عملياً الولوج إلى التطبيع العربي-»الاسرائيلي) قبل السلام, بحسب الرغبة المعلنة لتسيبي ليفني.
في المقابل أعلنت واشنطن انها تنظر بعين الاعتبار (أي تؤيد) إلى اتفاق المبادىء من أجل إعلان الدولة الفلسطينية الذي عرضه إيهود اولمرت, في 25يوليو/تموز الماضي كبديل عن مبادرة السلام العربية. هذا المشروع يقضي في الحقيقة بإنشاء مثل هذه الدولة من دون سيادة حقيقية وبحدود مؤقتة في انتظار ان تفضي مفاوضات ثنائية مستقبلية إلى اتفاق حول الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية المحتلة. أي بتعبير آخر في انتظار ان تفضي التغييرات على الأرض والقائمة على قدم وساق (توسيع المستوطنات وفصل القدس عن الضفة وبناء الجدار وغيرها) إلى تحويل الدولة الفلسطينية المزمعة إلى قزم سياسي وإقليمي مقطع الأوصال.
أولمرت يريد مقاربة تدريجية: في مرحلة أولى »اتفاق مبادئ) أو »إعلان نوايا) يطرح القضايا غير المعقدة مثل العلاقات الاقتصادية بين »اسرائيل) والدولة الفلسطينية الموعودة وتحرير بعض السجناء الفلسطينيين, أما القضايا الشائكة -أي الأساسية- مثل وضع القدس وقضية اللاجئين والحدود النهائية واستخدام الموارد الطبيعية (المياه) فإنها تؤجل إلى المرحلة النهائية من المفاوضات. واتفاق المبادئ هذا لا يصبح نافذا إلا إذا تم إقراره في الكنيست. وهناك من يقول إن أولمرت يستعيد مبادرة باراك في كامب دافيد 2000 أي إقامة الدولة الفلسطينية على 90 في المئة من مساحة الضفة وغزة. لكن هذه التسعين في المئة لم تكن إلا وهما في العام 2000 وأضحت اليوم اسطورة. فمنذ 2002 ضم الجدار عشرة في المئة من مساحة الضفة التي كانت في العام 2000 وأولمرت لايتخلى عن القدس الكبرى (4-5 في المئة من مساحة الضفة) ولا عن معظم المستوطنات ولا عن السيطرة على قسم كبير من وادي الأردن ولا عن شبكة الطرق الكبرى التي يستخدمها المستوطنون ولا عن مراقبة الممرات الحدودية. وفي المحصلة تغدو التسعين في المئة عمليا بين الخمسين والستين في المئة من الضفة. أما القدس فيمكن للفلسطينيين أن يعلنوا إذا شاؤوا انها عاصمتهم من خلال سيطرتهم على بعض أحيائها العربية في المدينة القديمة.
وعلى عكس اولمرت تماما يطالب محمود عباس باتفاق إطار. انه لايريد اوسلو طبعة جديدة منقحة مع مراحل انتقالية وشروط تعجيزية من دون تحديد للوضع النهائي للأراضي المحتلة. »كرم) اولمرت يتوقف على اطلاق 240 سجيناً فلسطينياً, من أصل 11 ألفا بعضهم وزراء ونواب منتخبون, والسماح بمرور بعض الاسلحة إلى السلطة الفلسطينية. مشروعه الحقيقي للسلام يتوقف على دعم عباس عسكريا ضد »الإرهاب) وبشرط عدم التكلم مع حماس. انه مشروع حرب أهلية فلسطينية.
والكل يعلم ان المعادلة القائمة على عزل حماس وترسيخ الانقسام الفلسطيني لايمكن ان تفضي إلى حل, اذ كيف يمكن السعي إلى السلام مع جزء من الفلسطينيين من دون غيرهم? وإذ يسعى »الاسرائيليون) إلى دعم محمود عباس كما يزعمون فإنهم في الواقع يعملون على عزله سياسياً والطعن بمصداقيته أمام الشعب الفلسطيني. »اسرائيل) لاتسعى إلى دعم السلطة الفلسطينية بقدر سعيها لاستغلال الفرصة المؤاتية حالياً لتصفية الحركة الوطنية الفلسطينية بشكل نهائي عبر التصفية السياسية ل)الشريك) الفلسطيني الوحيد المتبقي.
لقد فشلت إدارة بوش في كل الأماكن التي وطأتها قدماها: أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان, وحتى في الداخل الأمريكي نفسه حيث سيطر الديمقراطيون على الكونجرس, وحيث تتراجع شعبية بوش بشكل غير مسبوق. هذا ما دفعها إلى محاولة استعادة المصداقية المفقودة عبر التحضير لاشكال أخرى من الحرب. من هنا إعادة النظر في الأولويات على المستويين الكلي العالمي والشرق الاوسطي, حيث إن المنطقة تعتبر منطقة أزمة كلية. كما أن احتدام الأزمة الايرانية دفعها إلى تغيير التكتيك المتبع حفاظاً على الاستراتيجية المرسومة.
لقد تم دفن مشروع الشرق الأوسط الكبير ليحل محله بناء محور »المعتدلين) في مقابل محور »الشر). لكن المشكلة ان أولوية الاولويات بالنسبة لواشنطن هي العراق وبالنسبة ل »اسرائيل) هي ايران وبالنسبة للعرب, بمتشدديهم ومعتدليهم, هي فلسطين. ولايبدو أن »المعتدلين) العرب متهافتون إلى هذا الحد وراء الإدارة الأمريكية. فالسعودية وضعت شروطاً للمشاركة في »مؤتمر الخريف) وليس مؤكداً أنها ستشارك فيه, ومصر تتخذ مسافة من حليفها الأمريكي فتبتعد عنه طوراً وتقترب حيناً, والعرب طرحوا مبادرة للسلام وأكدوا مراراً أن لا نية لديهم للتراجع عنها.
المراقبون في أوروبا والعالم العربي يتحدثون عن الفشل المسبق لاجتماع الخريف ويتساءلون ما إذا كان يسعى إلى سلام دائم أم يؤسس إلى حرب قادمة?