وقد ابتدأ السيد الرئيس اللقاء بالإجابة على سؤال بشأن تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية حول عدم حصول أي صفقة مع سورية في قضية اغتيال الحريري. وهل تعتبر سورية ذلك تهديداً أم نوعاً من الضغط السياسي قائلاً: نحن من يرفض أن يكون هناك أي صفقة بأي موضوع, ليس من عاداتنا أن نقيم صفقات بالسياسة فالقضية ليست عملية بيع وشراء لبضائع, القضية قضية حقوق ومبادئ ومصالح دول, متابعاً أن الذي حصل هو عكس ذلك, عُرضَ علينا الكثير مما يتضمنه هذا التصريح من قبل الأمريكيين أو من له علاقة بهم وكنا دائماً نقول لهم قضية المحكمة الدولية قضية لها علاقة بلبنان هي اتفاقية بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة. لقد كانت ردودنا دائماً نحن لا نقيم صفقات وموضوع المحكمة لا يعني سورية ونحن بالأساس كسورية دعمنا بتصريحاتنا منذ البداية التحقيقات الدولية وأصدقاء سورية في لبنان دعموا التحقيقات الدولية ودعموا المحكمة في الحوار الذي سبق الحرب على لبنان في العام 2006 لذلك هذا التصريح لا قيمة له لاسيما في ظل الإدارة فاقدة المصداقية أساساً.
وتابع السيد الرئيس في رده على سؤال في نفس المنحى: كل من طرح معنا من العرب ومن الأجانب موضوع المحكمة على أساس على أنه موضوع مقلق لنا, قلنا له إن هذا الموضوع لا يعنينا, ورفضنا حتى الخوض فيه من الأساس, ولكن هناك إصرار بأنه مقلق وهناك إصرار على ربط القضايا التي تحصل في منطقتنا خاصة في لبنان بقلق سوري أو لبعض اللبنانيين من موضوع المحكمة. مشكلة المحكمة الوحيدة هي عندما تكون محكمة ليس هدفها البحث عن الحقيقة, إذا كان هدفها معرفة من قتل الحريري فأين هي المشكلة?! والدليل على هذا الكلام أن سورية تعاونت مع لجنة براميرتز وفي كل التقارير التي قدمها براميرتز للأمم المتحدة كان واضحاً من خلالها بأن سورية تعاونت بشكل مرضٍ, مرضٍ يعني فعلياً بشكل كامل, لو كان هناك عدم تعاون لقال هذا الكلام في تقريره, فنحن دعمنا التحقيق الدولي ودعمنا أي عمل أو أداة أو طريقة أو حل يؤدي للوصول, هناك من يتحدث عن تسييس المحكمة إذا كان هناك تسييس للمحكمة فهذا سيضر بلبنان قبل أن يضر سورية ونحن يأتي قلقنا في سورية من أي خلل في لبنان وليس من المحكمة.
وبشأن تسييس سير المحكمة الذي تُفصح عنه بعض وسائل الإعلام السورية ومصدر هذا الشعور. قال الرئيس الأسد إن هذا نتيجة تصريحات الإدارة الأمريكية, عندما تتحدث الإدارة الأمريكية مسبقاً أو بعض المسؤولين فيها عن أن التحقيق سيعطي كذا أو سيؤدي إلى كذا أو أن المحكمة سيكون عملها كذا فهذا يعني أنهم وضعوا أنفسهم مكان المحكمة, عندما تتحدث إدارة سياسية نيابةً عن القضاة يعني أن الموضوع مسيس. أما بالنسبة لنا إذا كانت كأية محكمة أخرى أي محكمة بالمعنى الاحترافي فبالعكس هذا شيء إيجابي وليس سلبياً.
وحول تراجع أحد شاهدي قضية الحريري واختفاء الآخر في فرنسا في ظروف غامضة وإذا ما كان هناك لعبة تدبر في الخفاء ضد دمشق. قال السيد الرئيس: أنا لا أعرف كل هذه التفاصيل لكن أحد هؤلاء كان موجوداً في السجون الفرنسية فكيف يختفي في ظروف غامضة, غامضة بالنسبة لنا, أما بالنسبة لهم ليست غامضة, فيجب أن يفكوا الغموض ويقولوا كيف اختفى عندها نستطيع أن نعرف إن كان هناك لعبة أم لا, لا يوجد لدينا معطيات, لكن بكل تأكيد هو اختفى في ظروف معروفة وليست غامضة, لأنه كان في سجن دولة لم تحصل عملية هروب كبير.
وتابع السيد الرئيس معلوماتنا تقول إنه كان موجوداً فترة في السجن وهذا ما نعرفه بشكل أقرب إلى التأكيد لكن لا يوجد لدينا تفاصيل, بكل الأحوال كان موجوداً في دولة لها سلطة هي فرنسا, هل اختفى من فرنسا? كيف خرج من المطار? إلى أين? يجب على فرنسا أن تعلن ذلك.
وعن مطالبة سورية بفك الغموض عن اختفاء هذا الشاهد. قال السيد الرئيس: إن ذلك لمصلحة التحقيق لأن هذا الشاهد افترى على سورية بكلام غير صحيح وثبت لاحقاً أنه كان يكذب, وهناك قناعة لدى جهات لها علاقة بالتحقيق أو المحققين ربما بأن كلامه غير صحيح. فإذاً يجب أن يكون معروفاً أين هو لسلامة التحقيق لأن التحقيق يجب أن يعرف لماذا افترى هذا الشخص.
وحول الهدف من اتهام سورية في قضية اغتيال الحريري وغيرها من جرائم الاغتيالات في لبنان, أوضح السيد الرئيس: لا أستطيع أن أُحدد الأهداف نيابة عنهم, ولكن سورية مستهدفة منذ عدة سنوات لمواقفها. هل هناك أهداف أخرى موجودة, لا نعرف, من قام بعملية الاغتيال, ما هو الهدف منها, هذا الموضوع حتى الآن أغلب الناس لا تعرف ما هو, فلا تستطيع أن تقيم تماماً لماذا بدون أن تعرف كل هذه التفاصيل, لكن ما نعرفه أننا مستهدفون وهذا جزء من الاستهداف بالعنوان العام. أما بالتفاصيل فمن الصعب أن نقول الآن ما هي التفاصيل, أي الهدف بالتفاصيل.
وعن تزامن الاغتيالات مع الخروج السوري من لبنان ومحاولة ربطه بالانتقام لذلك أشار السيد الرئيس إلى أن اغتيال الحريري قد حصل قبل خروج سورية وأكمل قائلاً: نحن خرجنا وأنا قلت هذا الكلام بشكل واضح في خطابي عندما أعلنت بأننا سنخرج من لبنان, عندما يصبح جزءاً كبيراً من المجتمع ينظر إليك نظرة سلبية وعندما يكون هناك انقسام في المجتمع اللبناني حول الوجود السوري فيصبح الوجود ضاراً لا يحقق النتائج التي كانت مرجوة منه قبل تلك الحالة, فأعلنت هذا الشيء بشكل صريح وانسحبنا على هذا الأساس. أما بالنسبة إلى الجرائم التي أتت لاحقاً أو أي عمل يؤدي لعدم استقرار لبنان فهذا يناقض الحقيقة التي تقول بأن سورية خلال ثلاثين عاماً دفعت دماءً في لبنان, لم تدفع أموالاً دفعت أرواح أبنائها سواء في تحقيق السلم, ومنع التقسيم, أم في الدفاع عن لبنان عام 1982 خلال الغزو الإسرائيلي وفي مراحل لاحقة ودفعنا الآلاف وليس بضع مئات, لماذا? لأن استقرار لبنان ينعكس مباشرة على استقرار سورية. كل هذه الأعمال التي تمت في السنوات الماضية تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي خلق حالة من عدم الاستقرار في لبنان, السؤال البديهي في هذه الحالة أين هي مصلحة سورية لكي تقوم بهذا العمل? في السياسة لا يوجد انتقام, السياسي الأحمق هو الذي ينتقم, في السياسة هناك مصالح لا يوجد عواطف, في السياسة علينا أن نفكر ما الذي يحقق مصلحتنا, هذه الأعمال ضد مصلحة سورية, أولاً لأن سورية تتهم بها, ثانياً لأن خلخلة الاستقرار وهو طبعاً الموضوع الأهم سينعكس علينا ونحن سوف ندفع ثمنه, فهل من المعقول أن نقول كما يقول المثل الأمريكي بأنك تطلق النار على قدمك, هذا مستحيل.
وفي إجابة على مداخلة بأنه حصلت مجموعة من الاغتيالات في ظل الوجود السوري. قال السيد الرئيس : طبعاً, وحصلت اغتيالات في سورية, هل يعني أن سورية مسؤولة عن هذه الاغتيالات!! بالتأكيد لا وهذا شيء بديهي, هذا أولاً, ثانياً عليك أن تحدد ما هي مسؤولية سورية في لبنان, مسؤولية سورية ليس حفظ الأمن الشخصي ولا منع التفجير, ليس دورها أن تكون جهاز أمن, مسؤولية سورية كانت حفظ الأمن الوطني بمعنى منع الاقتتال ودعم الجيش اللبناني في مرحلة مابعد الطائف, وبناءً على ترسيخ الأمن في لبنان في التسعينيات ومع مجيء الرئيس لحود إلى رئاسة الجمهورية في عام 1998 رأينا بأن الوضع أصبح مهيئاً كي تبدأ سورية بعملية الانسحاب, وبدأنا بالانسحاب حتى قبل اغتيال الحريري كنا قد سحبنا حوالي 62 أو 63 بالمئة من القوات السورية بمعزل عن الظروف, فدور القوات السورية لم يكن دوراً أمنياً لا للأشخاص ولا حتى بمعنى أجهزة الأمن. هذا ليس من مهام القوات السورية.
وعبّر السيد الرئيس عن وجهة نظره بالشأن اللبناني في معرض إجابته عن تساؤل عن الذي يحول دون تعيين ميشيل سليمان رئيساً للجمهورية? وما الذي يعطل إجراءات جلسة الانتخاب? حيث قال: لا أستطيع أن أعطيك إجابة نيابة عن لبنان, ولكن نحن بالنسبة لنا معرفتنا بالعماد ميشيل سليمان معرفة وثيقة ونعتقد بأنه شخص جيد بالمقاييس المختلفة, هذه وجهة النظر السورية. وجهة النظر اللبنانية من المعارضة نفس الشيء, وجهة النظر من الطرف الآخر المعلنة على الأقل لا نعرف ما هو الواقع بنفس الاتجاه. فإذاً المشكلة ليست انتخاب الرئيس, هي جزء من مشكلة أكبر لها علاقة بانعدام الثقة بين الأطراف اللبنانية, والثقة إنما تضمنها المؤسسات والالتزامات المختلفة منها رئاسة الجمهورية ومنها الحكومة ومجلس النواب وقوانين الانتخاب وأشياء مشابهة وتفاصيل كثيرة لا أريد الدخول فيها, فعندما يكون هناك انعدام ثقة في بلد ما, لا بد من إيجاد كل الآليات بدون استثناء التي تعيد الثقة بين الأطراف, وبالتالي القضية ليست أن تحل مشكلة واحدة, القضية أن تحل المشكلة الكبرى, هذا بالعناوين أما التفاصيل فلا أستطيع أن أعطيك إجابة نيابة عن اللبنانيين.
وحول تأجيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية المستمر وتأثير ذلك على مصداقية الرئيس بري. أكد السيد الرئيس أن: القضية أنه إذا لم يكن هناك اتفاق على الحلول كلها بشكل عام من كل الأطراف فلا تستطيع أن تحملها لطرف أو لشخص في طرف. الرئيس بري هو مؤتمن في الدستور اللبناني على مؤسسة معينة وهو يحدد هذا الموضوع من خلال قناعته المرتبطة برؤية معينة لمصلحة لبنان, لكن أنا لا أستطيع أن أعطي جواباً نيابة عنه. هل هذا يضر بمصداقيته أم لا, لأن مصداقيته يجب أن تكون مصداقية داخل لبنان فأنا لا أستطيع أن أحدد موضوع المصداقية في هذا الإطار لأن هذه تفاصيل لبنانية.
وأوضح السيد الرئيس في رده عن مقدار الضغط الذي يمكن أن تمارسه سورية على المعارضة اللبنانية للوصول لحل للأزمة أن المشكلة ليست إلى أي مدى نستطيع أن نضغط, إنما هل نقبل بمبدأ الضغط? نحن لا نقبل بمبدأ الضغط في تعاملنا مع الأطراف المختلفة لا في لبنان ولا في غيرها وهذا الموضوع نشرحه لكل من يأتي إلينا ويقول لنا يجب أن تضغطوا, نقول لهم مبدأ الضغط غير موجود لدى سورية, نحن نتحاور, مبدأ النفوذ يختلف عن مبدأ التدخل, هم يريدون منا أن نتدخل من خلال الضغط, نحن نمارس نفوذاً من خلال العلاقة الطبيعية بين أي طرفين فيها نوع من الحوار وفيها نوع من القناعة وفيها نوع من المصداقية, أي هو يقبل بما أقوله إذا كان مقنعاً ويحقق مصلحته, أما عدا عن ذلك فهو ليس مضطراً ليقبل برأيي, لذلك نحن نحاور الأطراف اللبنانية انطلاقاً من رؤيتنا, ولكن تبقى الأطراف اللبنانية تعرف مصالحها أكثر منّا.
وعن ما قيل عن التمديد للرئيس لحود لفترة رئاسية ثانية بوصفه نوعاً من الضغط على الملف اللبناني, أوضح السيد الرئيس أنه كان هناك أطراف ضد التمديد وقلنا لهم نترك الموضوع لكم, نحن لم نضغط, وكان هناك أطراف لا تريد من حلفائنا في ذلك الوقت وقلنا لهم هذا الموضوع يعود لكم, وهم غيروا آراءهم وساروا في الموضوع, لم نمارس عملية الضغط في هذا الموضوع على الإطلاق, لكن أريد أن أفرق بين ما نتبناه كمبدأ وكسياسة وبين الممارسة, أي ممارسة الشخص تختلف عن سياسة الدولة أحياناً, هو لا يفرق بين مبدأ الحوار والضغط وربما الشخص الآخر لا يفرق بين أنه يحاوره أو يطلب منه أو يضغط عليه. أما نحن كسياسة سورية لم نتبن الضغط على الإطلاق حتى في موضوع الرئيس لحود.
وفي معرض إجابته على سؤال يقول كيف تنظرون لتحالف عدوكم السابق عون مع حليفكم الاستراتيجي حزب الله? وعن استمرار هذا التحالف ودعوة عون إلى دمشق. قال الرئيس الأسد :أنا لا اسميه عدواً, العدو من يحتل الأرض أو يعتدي على الوطن, كان هناك خلاف, الخلاف ربما يتحول إلى خصومة ولكن الخصومة تختلف عن العداوة.
وتابع السيد الرئيس رغم كل ما حصل فإن مبدأ هذا الخلاف لم يكن يعتمد على عداوة بالشكل الذي نراه نحن. العدو هو بالنسبة لنا اسرائيل. ورد السيد الرئيس على الإصرار أنه سالت الدماء بينكم وبينه . إن الدماء تسيل أحياناً بين أبناء البيت الواحد, في العائلة الواحدة وفي البلد الواحد لكن هذا لا يعني عداء. الخلاف غير العداء والخصومة غير العداء, الدم لا يعني عداء, العداء له أُسس معينة, من يحتل أرض على المستوى الوطني, على الأقل, من يحتل أرضنا هو عدو, من يعمل ضد مصالحنا بشكل مباشر ويؤدي إلى ضرر كبير تجاه بلدنا فهو عدو, فكان هناك خلاف ورؤية مختلفة, كان لديه نظرة معينة للوجود السوري وكان لدينا نظرة معينة للأوضاع في لبنان في ذلك الوقت, هذا الخلاف أدى إلى تلك الحرب وأساساً أنت في بلد فيه حرب, الحرب التي حصلت والدماء التي سالت هي جزء من الدماء التي كانت تسيل, كانت كل مرة تأخذ شكلاً واتجاهاً معيناً, حصلت صدامات بين حزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل وهم حلفاء, وبين أمل وحزب الله, وبين القوات السورية وحزب الله في ,1987 وهذا لا يعني عداء. فإذاً هذا لا نستطيع تعريفه بأنه عداء. أما بالنسبة للتحالف طبعاً لا أستطيع أن أُجيب نيابة عنه. بالنسبة لزيارته إلى سورية, أنا سُئلت هذا السؤال سابقاً وقلت أبواب سورية مفتوحة للجميع بما فيها العماد ميشيل عون بكل تأكيد عندما يرى أن الظروف مناسبة لزيارة دمشق سيقوم بهذا الشيء والأبواب مفتوحة له.
وبمعرض الحديث عن الشأن الرسمي اللبناني السوري واستعداد سورية لإقامة علاقات دبلوماسية متكافئة بين البلدين, أوضح السيد الرئيس: أنا من طرح هذا الموضوع وليس اللبنانيين, أنا طرحته في عام 2005 في الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى السوري اللبناني عندما كان الرئيس لحود والرئيس كرامي والرئيس بري في اليوم الذي وقعنا فيه على انسحاب القوات السورية في آذار, قلت لهم أنا أسمع أنه يطرح أحياناً موضوع السفارات, الآن القوات السورية ستنسحب قريباً, إذا كنتم تعتقدون أن موضوع السفارة ضروري للعلاقة بين سورية ولبنان فأخبرونا لاحقاً ونحن لا يوجد لدينا مشكلة في هذا الموضوع, هكذا بدأ الموضوع, أنا من طرح الموضوع, وليس كما يظهر أن الطرف الآخر يضغط على سورية بأن عليها أن تفتح سفارة لأنها لا تعترف بلبنان, هذا كلام غير صحيح, نحن نعترف بلبنان بكل كلمة نتحدث عن لبنان, لبنان بلد مستقل وعضو في الجامعة العربية وإلى آخره. لكن عندما تريد أن تفتح سفارة, فإنها بحاجة إلى علاقات جيدة بين حكومتين على أساسها تعلن تمثيل دبلوماسي وتفتح السفارة وبشكل طبيعي إذا كان لديك علاقات سيئة مع دولة تغلق السفارة, فكيف تفتح سفارة والعلاقة غير جيدة , هذا من جانب, من جانب آخر, نحن لا يوجد لدينا سفارات في أغلب دول العالم لأسباب مختلفة, هل هذا يعني بأننا لا نعترف بأغلب دول العالم? هذا الكلام سخيف وغير منطقي ولكن عندما يكون هناك حكومة وحدة وطنية وحكومة تسعى لعلاقة جيدة مع سورية تصبح السفارة شيء طبيعي وبديهي بين أي بلدين.
وعن أجواء الشحن والاتهامات التي تُساق من بعض الأطراف في لبنان ضد سورية. قال السيد الرئيس: المشكلة ليست بيننا وبين لبنان ككل, إنما بيننا وبين طرف في لبنان, طبعاً أنا لست في موقع الرد على تصريحات من هذا النوع, ولكن بشكل عام وبجملة بسيطة كل من يقول هذا الكلام يجب أن يمتلك دليلاً, إذا كان يحترم نفسه, كل من لديه دليل فليقدمه, هناك لجنة تحقيق وهناك اهتمام عالمي بهذا الموضوع, فليقدموا هذه المعلومات التي تدل على تورط سورية, وكفى اتهامات لثلاث سنوات وإضاعة الوقت, هذا ما يعنينا, عدا عن ذلك لا يعنينا أي شيء آخر, إذا كانوا يريدون أن يبتعدوا عن سورية أو يقتربوا من سورية هذه مشكلتهم.
وعن التصريحات التي توجه ضد سورية وتتعدى شحن الرأي العام اللبناني إلى العربي بيّن السيد الرئيس أن جزءاً كبيراً من الرأي العام العربي بعد ثلاث سنوات لم يعد مقتنعاً بهذا الكلام, الكلام في السياسة وعلى مستوى دول وعلى مستوى شخصيات سياسية بدون دليل يفقد قيمته ويجعل صاحبه يخسر, بكل الأحوال لا نستطيع أن نتعامل مع الرأي العام العربي إلا من خلال القول إن هذا الكلام غير صحيح. أما بالنسبة للرأي العام اللبناني فأعتقد أن ما يحصل هو مؤقت, سورية ولبنان يعيشان إلى جانب بعضهما البعض. وأي انعكاس سلبي لا نتعامل معه في سورية على طريقة رد الفعل على أساس أن لبنان بلد صغير وسورية بلد كبير, كلا البلدين سيخسر وكما قلت في السياسة علينا أن ننظر نظرة أبعد, عندما تمر هذه الغيمة العابرة, إذا قمنا بعملية رد فعل سيكون من الصعب أن تعيد الأمور إلى طبيعتها بين الشعبين ربما لجيل كامل, فعلينا أن نستوعب كل هذه الأمور وأنا متأكد أن الشعب اللبناني خلال فترة قصيرة والبعض منه يأتي إلى سورية ويقول لقد ظلمنا سورية لم نكن نعرف هذه الحقائق, لقد غُرر بنا, أُخذنا بالعواطف, يقولون لنا هذا الكلام من الجهات التي كانت تهاجم سورية, الآن بدؤوا يتحولون ونحن نقول لهم لا نلومكم, هذا طبيعي, عمليات الاغتيالات والتفجير والانقلاب المفاجئ لم يكن شيئاً سهلاً على أي عقل أن يستوعبه.
وفي محور آخر يتعلق بالقمة العربية التي ترأسها الآن سورية وزعم البعض أنها كرست الانقسام العربي وأضعفت احتمالات التوصل إلى حل قريب للأزمة اللبنانية. رد السيد الرئيس متسائلاً باستغراب: هل أن حل الأزمة اللبنانية كان قريباً جداً قبل القمة وأتت القمة لكي تبعد هذا الحل من جانب وأن العرب كانوا على حافة التضامن العربي الممتاز والرائع وأتت القمة لتنسف هذا التضامن? وأردف قائلاً بشفافيته المعروفة هذا الكلام غير مقبول, القمة العربية ربما أظهرت للبعض للذي لا يعرف حقيقة الوضع العربي أظهرت حقيقة الوضع العربي, هذه الحقيقة لها جانبان: سلبي وإيجابي, السلبي هو ما رأه البعض من انقسام موجود ليس جديداً ولكنه أصبح أكثر وضوحاً ولكنها أظهرت جانباً إيجابياً بأنه هذه المشاركة العربية في هذا الظرف وبالرغم من كل هذه الضغوط هذا يعني أن الوضع العربي ليس سيئاً كما نتصور, حتى أنا في موقعي السياسي وبعلاقاتي اليومية مع الدول العربية كنت أرى هذا الجانب السلبي أكبر مما كنت أراه خلال القمة, من القمة وما بعد أنا أعتقد أن الوضع العربي بجانبه السلبي هو أقل سلبية مما كنا نراه فلذلك لا, هذه القمة العربية أظهرت الانقسام ولم تزده, أوضحت حقيقة الأمور كما هي, ومن الضروري بالنسبة لنا كعرب أن نبتعد عن الكذب والخداع, يجب أن تكون الأمور واضحة, لا يجوز أن نتحدث عن شيء غير موجود, التضامن العربي وعلاقات الأخوة وإلى آخره هي في الواقع غير موجودة, لدى البعض بشكل جزئي وليس بشكل عام, بالمقابل لا يجوز أن نقول بأن الوضع العربي سيىء للغاية ونرى بأن دولاً ترفض الضغط الأمريكي وغير الأمريكي وتأتي إلى القمة, هذا شيء إيجابي لا يجوز أن ننكره, لنكن واقعيين.
وفي نفس السياق حول تساؤل عن نجاح القمة في الوصول إلى أهدافها رغم ضعف تمثيل بعض العرب. قال السيد الرئيس: إذا أردنا أن نتحدث عن هذه الوفود, ما هي قيمة المستويات? على سبيل المثال, عمُان دائماً تمثل بمستوى معين, الكثير من الدول تمثل بالأساس بمستوى معين, لكن هذا الشخص مفوض أن يتحدث باسم الأمير أو الملك أو الرئيس, هو يمثل بلده, فإذاً السؤال لا يجوز أن يكون ما هو مستوى التمثيل, السؤال يجب أن يكون ما هو مستوى الأداء, هل قامت هذه الوفود بأداء يؤدي إلى نجاح القمة, نعم, حتى الدول التي كانت بمستوى منخفض لأسباب مختلفة لم يكن أداؤها أقل من الدول التي شاركت على مستوى القمة لذلك كان هذا أحد أهم عوامل نجاح القمة, لم يحصل تفجير, لم يكن هناك ألغام سياسية, وكان هناك مشاركة لمصلحة القمة وعكست وضعاً إيجابياً, هذا الجانب الأول, الجانب الثاني, ما هو معيار نجاح القمة? هل نجاح القمة في انعقادها في هذه الظروف? كان ممنوعاً على العرب أن يلتقوا والتقوا, فهذا نجاح, هل كان مطلوب من القمة أن تنفجر من الداخل ولم تنفجر? لم تنفجر وهذا نجاح. نأتي إلى ما يهم المواطن أكثر, المواطن العربي يهمه ماذا ستعطي هذه القمة لاحقاً, هنا نستطيع أن نقول, من المعروف عن قممنا العربية بأنها تنتهي في نهاية كل قمة وبعدها لا يكون هناك متابعة ولا يكون هناك التزام في القرارات, فهنا النجاح لا يُحمّل للقمة ويُحمّل لأدائنا العربي والتزامنا بالقرارات, هذا تقييم آخر.
وعن غياب الملك عبد الله ملك العربية السعودية, أكد السيد الرئيس أن عدم مجيء رأس الدولة بشكل عام هو ليس الشيء الأفضل, ولكن عندما يفوض شخص مكانه فهذا شيء جيد أيضاً, الاختلاف بين الجيد والأقل جودة ليس كأن نقول بين قمة ناجحة وفاشلة, أنا هنا أريد أن يكون واضحاً بين أقصى اليمين وأقصى اليسار, كنا نتمنى لو حضر كل القادة العرب.
وعن توجيه الدعوة إلى الرياض عن طريق مسؤول في الهلال الأحمر. قال السيد الرئيس: هو وزير في الحكومة السورية, وكل الوزراء لهم نفس المنزلة, وأنا في العام الماضي عندما دُعيت إلى الرياض لم يأت وزير الخارجية وإنما أتاني وزير لا أذكر من هو, لكن أتاني وزير غير وزير الخارجية, أنا لم اعتبرها إهانة, كل الوزراء بمستوى واحد, لا يوجد وزير أهم من وزير, والوزير يحمل رسالة باسم الملك, وكل الدعوات السابقة التي أتتني شخصياً إلى القمم العربية المختلفة كانت تأتي من وزراء مختلفين ليس لهم علاقة بالسياسة, فليس لها معنى, ولكن بنفس الوقت, عندما طلبت سورية أن تنقل الرسالة من قبل وزير الخارجية الذي كان يقوم بجولة على الدول العربية لكي تُعطى للملك, هم تأخروا في الجواب, حددوا موعداً لاحقاً وكان وزير الخارجية مشغولاً فتم إرسال وزير آخر, واُستقبل من قبل وزير الخارجية السعودي وليس الملك.
وعن الدعوة التي وُجهت إلى لبنان من خلال معاون في وزارة الخارجية إلى وزير مستقيل. رد السيد الرئيس أن ذلك الوزير لم تُقبل استقالته, إذاً هو وزير, ومن الناحية الدستورية كان العمل صحيحاً.
وفيما إذا كان ذلك هو تكتيك سياسي سوري ينتمي إلى دهاء معاوية. قال السيد الرئيس: لا, هذا تقييم آخر, ولكن الحقيقة بأننا طلبنا في البداية بسبب عدم وجود علاقة مع هذه الحكومة اللبنانية, حيث لا يوجد لا تمثيل دبلوماسياً ولا علاقة على الإطلاق, فكيف نرسل الدعوة? في البداية طلبنا من الأمين العام لجامعة الدول العربية أن تقوم الجامعة بنقل الدعوة إلا أن الطرف اللبناني هو من أصر أن تكون الدعوة من قبل سورية, فبالنسبة للدعوة لا يوجد رئيس جمهورية لمن نرسلها? بالتالي لا يوجد إلا رئيس الوزراء, في هذه الحالة لا أرسلها أنا كرئيس جمهورية, وإنما أرسلها رئيس الوزراء لدينا في سورية إلى رئيس الوزراء اللبناني, مستوى الدعوة اختلف ومن الطبيعي أن يكون مستوى نقل الدعوة مختلفاً, لا تستطيع أن تعامل هذه الدعوة كدعوة رؤساء الجمهورية, أو الملوك أو الأمراء, هذا أيضاً شيء بديهي يدخل ضمن البروتوكولات, نحن لم نخرق الوضع مع لبنان, رئيس الجمهورية غير موجود في لبنان, لو كانت الدعوة لرئيس الجمهورية كنت حتماً سأرسلها بنفس الطريقة التي أرسلتها إلى كل الدول الأخرى, هذا الشيء بديهي.
وعما إذا كان يعتقد بأن ثمة أطرافاً سعت لإفشال قمة دمشق أجاب السيد الرئيس: بكل تأكيد الولايات المتحدة وبشكل معلن, بكل تأكيد.
واستطراداً حول ما إذا سعى حلفاؤها لذلك أيضاً قال: نحن سمعنا عن ذلك ولكن لا أستطيع أن أقول نعم الآن من خلال موقعي الرسمي إلا إذا كان لدي معطيات واضحة, لكن أقول, أيضاً من الجانب الإيجابي, طالما أن وفود الدول بشكل عام أدت أداء جيد, لا أستطيع أن أتهم دولة عربية بالعرقلة, طالما أنها شاركت وكانت مشاركتها إيجابية, وهذا أمر حقيقي, أنا لا أجامل, ما رأيناه كان يختلف عن الصورة الموجودة قبل القمة, لماذا? الله أعلم.
وعن التحرك الدبلوماسي السوري المفترض لمتابعة القرارات وتفعيلها التي أعلنها الرئيس الأسد أثناء القمة, أوضح السيد الرئيس أن الأجواء في القمة تجعلنا نتفائل أكثر بأن جولة عربية من قبل رئاسة القمة سأقوم بها قريباً, الآن بدأنا بتحديد المواعيد, ربما تُعطي نتائج, لا أستطيع أن أتنبأ لأن هناك طرفاً آخر هو الدول العربية الأخرى, ولكن أنا أميل إلى التفاؤل أكثر من قبل القمة وليس العكس.
وعن زمن انطلاقة الجولة وإذا كانت ستشمل الرياض والقاهرة, أجاب السيد الرئيس أن هذا يعتمد على المواعيد, وهي ستشمل تقريباً كل الدول من دون استثناء.
وتابع قائلاً لكي أكون صريحاً معك, لا توجد مشكلة بين سورية وبين الرياض وبين سورية وبين القاهرة, هناك مشكلة من الطرف الآخر, لديهم سوء فهم للموقف السوري, أما سورية فليس لديها مطالب من هذه الدول, نحن نعتبر أنه لا توجد مشكلة معهم, هذا الموضوع يعتمد عليهم, أنا أريد أن أزور كل الدول العربية من دون استثناء.
وعن قمة شرم الشيخ التي تمت بعد القمة وربطت موضوع انفراج العلاقات العربية بحل الأزمة اللبنانية, قال السيد الرئيس: أنا أشجعهم لكي يتحركوا لحل الأزمة اللبنانية, ونحن سندعم, كما قلت في كلمتي في القمة, سندعم أي جهة عربية أو غير عربية تتحرك لحل الأزمة اللبنانية, ولكن طالما أنهم يعتقدون أن جوهر المشكلة العربية هو لبنان فلنتفضل كعرب ونحل مشكلة لبنان, أما أن يقال بأن سورية هي المسؤولة عن لبنان, فهذا الكلام غير مقبول على الإطلاق.
وعن اتفاقه مع من يرى أن البيان الختامي لقمة دمشق اعتمد على جماليات اللغة العربية للإيهام بأنه حدث تضامن وتوافق عربي بينما الواقع يقول عكس ذلك, أوضح السيد الرئيس أنه لا يتفق مع ذلك حيث إن البيان عبَّر فعلاً عن الأمور التي توافقنا عليها, ومن البديهي أن يعبّر عن الأمور التي توافقنا عليها وليس الأمور التي اختلفنا عليها, كلما كانت الخلافات أكبر كلما كانت اللغة عامة أكثر, كلما كانت الخلافات أقل, كلما كان البيان أوضح, فنحن لا ندعي بأننا متفقون على كل شيء, وأنت تعرف الوضع العربي منذ عقود يعتمد على الحد الأدنى من التوافق, نحن لا نستطيع أن نتحدث عن قمة الحد الأقصى من التوافق, الحد الأقصى من التوافق غير موجود, الحد الأدنى الآن نحن نعتبره إنجازاً لأن الأمور كانت تسير باتجاه تحت الحد الأدنى بكثير, فمن الطبيعي أن يكون البيان يعبّر عن هذه الحالة, أما أن نصف الأمور بأنها على توافق كامل أو انهيار كامل فهذا كلام غير موضوعي.
وفي محور آخر يتعلق بالسلام وتبادل الرسائل مع إسرائيل عبر قنوات ووسطاء والمراحل التي وصلتها, قال السيد الرئيس: هذه الوساطات موجودة منذ سنوات ولكنها تكثفت بشكل دراماتيكي وجذري بعد العدوان على لبنان في عام 2006 وبعد انتصار المقاومة. الوساطات تأخذ عدة أشكال, أحياناً يكون مسؤول أجنبي قادم إلى سورية, أحياناً بعض قادة اليهود في العالم يتحركون باتجاه سورية, أحياناً يكونون أعضاء في الكونغرس أو برلمانيين أو رجال أعمال كبار لهم علاقات سياسية, يتحركون بهذا الهدف, نحن لا نعرف من يتحرك بمبادرة شخصية منه, ومن يتحرك بمبادرة من دولته, من يتحرك بدفع من اسرائيل, لا نعرف, طبعاً, البعض يقول لنا, ولكن نحن لا يوجد لدينا معطيات, ولكن تعاملنا مع كل هذه الوساطات بمنهجية واحدة, أنت تأتي لتتحدث عن وساطة وأنا أقول لك لي حقوق, هذه حقوقي, وبهذه الطريقة فقط نستطيع أن نبدأ مفاوضات سلام لها أسس معينة, لها متطلبات معينة, ولا نسميها شروطاً, إنما متطلبات, من دون هذه النقاط المختلفة سيكون ذلك إضاعة للوقت, طبعاً الرسائل تذهب وتأتي وكلها في الإطار العام, ونحن نقول لهم في الإطار العام وفي العناوين العامة, كأن نقول إسرائيل تريد السلام, أي سلام? مثلاً بالنسبة لهم, نتنياهو طرح السلام مقابل السلام, لم يطرح الأرض مقابل السلام, بالنسبة له هذا هو السلام, أما بالنسبة لنا ليس سلاماً, فهناك أُسس يجب أن تُحدد, ما ذكرته الآن هو أول مؤشر واضح, بأن أولمرت يقول بأنهم مستعدون للسلام وذلك يأتي على خلفية الوساطة التركية التي استمرت من نيسان الماضي حتى نيسان الحالي لمدة عام كامل سعى بها الرئيس أردوغان تحديداً ولاحقاً الرئيس عبد الله غول وكنا نقول لهم نحن لدينا نقاط معينة يجب أن تكون واضحة, أولاً, إعلان واضح من قبل أولمرت بأنه يريد السلام, ثانياً, أن يطرح أولمرت مع الوسيط التركي وهو أردوغان بأنه مستعد لإعادة الجولان, إن لم يكن مستعداً لإعادة الجولان, فلا داعي للحديث عن هذا الموضوع. أتانا هذا الخبر منذ أسبوع عبر اتصال من رئيس الوزراء أردوغان بأن أولمرت مستعد لإعادة الجولان ولاحقاً سمعنا أن أولمرت يقول في تصريح, نحن نعرف ماذا تريد سورية, وسورية تعرف ماذا نريد, طبعاً, ماذا تريد سورية, هذا مُعلن.
وفيما إذا كانت الزيارة المرتقبة لرئيس الحكومة التركية تقع في هذا الإطار, أجاب الرئيس الأسد بالنفي متابعاً: هي تأتي في إطار لقاء مجلس رجال الأعمال السوري التركي, ولكن بكل تأكيد سنتحدث بهذه النقطة, لكن نحن تحدثنا على الهاتف. الآن إسرائيل تطرح مفاوضات مباشرة, المفاوضات المباشرة لها أُسس مختلفة, الآن نحن لا نتحدث عن مفاوضات مباشرة, الآن نحن نتحدث عن دور تركي, وساطة تركية تقوم بنقل المعلومات والمعطيات الأساسية من أجل إيجاد أرضية مشتركة, الأرضية المشتركة تكون هي القاعدة لانطلاق المفاوضات المباشرة لاحقاً, لكن المفاوضات المباشرة بحاجة إلى دور راعٍ, ولا يمكن أن يكون هذا الراعي سوى الولايات المتحدة, مع كل أسف ولكن هذا أمر واقع, هذه الإدارة لا تمتلك لا رؤية ولا إرادة لعملية السلام, هذه الإدارة لا تمتلك شيئاً, فلذلك نحن ما نتحدث عنه الآن هو إيجاد الأرضية المشتركة من خلال الوسيط التركي, بشكل واضح لن يكون هناك مفاوضات سرّية, بل ستكون معلنة إن حصلت, ولن تكون مباشرة, لا يوجد مفاوضات مباشرة, ستكون علاقتنا مع الطرف التركي, والطرف التركي ستكون علاقته مع الطرف الإسرائيلي, وسنبحث أولاً في موضوع الأرض لنرى المصداقية الإسرائيلية, أنت تعرف لا توجد ثقة بيننا وبين إسرائيل, ونحن نعرف ونفهم الألاعيب الإسرائيلية بشكل جيد, لذلك علينا أن نكون حذرين ودقيقين في مناقشة هذا الموضوع, إذا تكونت هذه الأرضية, لاحقاً, ربما مع إدارة مقبلة في الولايات المتحدة, نستطيع أن نتحدث عن مفاوضات مباشرة .
وفيما إذا كان ذلك بشيراً للرأي العام العربي والعرب جميعاً وكل شعوب الشرق الأوسط بأن الحل قريب, نبه السيد الرئيس بأنه لا داعي للتبشير لأننا لا نستطيع أن نضمن الطرف الثاني.
وعن اتهام إسرائيل لسورية بانتهاك القرار الدولي 1701 عبر تزويد حزب الله بالصواريخ وإعادة بناء قدرات الحزب العسكرية بعد حرب لبنان الأخيرة, أجاب السيد الرئيس: إذا سألت إسرائيل كيف عرفت هذا الشيء سيقولون لك نحن كنا نرسل طائراتنا لكي تمسح الحدود اللبنانية, أي أن إسرائيل بطائراتها تخرق القرار ,1701 فهي من يخرق وليس نحن.
وعن حقيقة الغارة الإسرائيلية التي تمت في شهر أيلول وأثارت الكثير من اللغط, أوضح السيد الرئيس: أن الغارة كانت على موقع عسكري قيد الإنشاء, لماذا أغاروا عليها, لا نعرف ما هي المعطيات التي كانت لديهم, ولكن هم يعرفون ويرون بالأقمار الصناعية, وأغاروا على موقع غير مكتمل لم يكن يوجد فيه لا عناصر ولا شيء, أي أنه فعلياً فارغ.
وعما إذا كان ذلك الموقع هو لبرنامج نووي نفى السيد الرئيس ذلك وأردف: هل من المعقول أن هناك موقعاً نووياً ليس فيه حماية وليس محمياً بالمضادات? موقع نووي تحت رؤية الأقمار الصناعية في وسط سورية في الصحراء وفي مكان مفتوح? كيف يكون موقعاً نووياً والأقمار الصناعية كل يوم ترى كل متر تبنيه وهو يُبنى من سنوات. هم يبحثون عن مبرر, هم لا يعرفون ما هو هذا الموقع, لكن هم أربكوا عندما أعلنت سورية, وأربكوا عندما رأوا النتائج على الأرض, هم قصفوا موقعاً لا يوجد فيه شيء, فما هو المبرر? مرة قالوا أنه موقع نووي, لاحقاً قالوا موقع لإمداد سلاح لحزب الله, من أين يأتي السلاح لحزب الله? أي أنه يأتي من تركيا إلى وسط سورية إلى لبنان? أن يأتي من العراق من قبل القوات الأمريكية إلى سورية ولبنان? من أين يأتي? هذا كلام مضحك, ثم قالوا أنهم أنزلوا قوات كوماندوس وقاموا بأخذ عينات وكل هذا الكلام لكي يبرروا خطأهم وفشلهم في تحديد الهدف, هذه هي المشكلة.
وتابع السيد الرئيس مجيباً عن مدى انسجام رد الفعل السوري مع الفعل الإسرائيلي: الرد لا يعني صاروخاً مقابل صاروخ, ولا قنبلة مقابل قنبلة, ولا رصاصة مقابل رصاصة, أنت عليك أن تسأل سؤالاً آخر, لو لم تكن سورية تؤلم السياسات الإسرائيلية, هل كانت إسرائيل قامت بعمل من هذا النوع? الحقيقة لدينا وسائل الرد, ولكن وسائلنا بطريقتنا, هم يفهمون ماذا نقصد, نحن لا نقول بأننا سنرد أي سنقصف, نحن نفهم بأن إسرائيل تريد أن تستفز سورية, وربما تريد أن تجر سورية للحرب, نحن لا نسعى لحرب, كنا واضحين بشأن هذه النقطة, ولكن نحن لدينا طرق أخرى ليس بالضرورة أن نقول ما هي.
وفيما إذا كانت هذه الطرق الأخرى هي عبر الأداة العسكرية السورية في لبنان أي حزب الله. قال الرئيس الأسد: لا, والدليل أن حزب الله لم يرد على إسرائيل. وتابع الإجابة عن المداخلة بوجود مناوشات بين حزب الله وإسرائيل قائلاً: حتى حزب الله بعد حرب 2006 لم يقم بأية عملية, هذا أولاً, ثانياً, حزب الله عندما قام بعملية اختطاف الجنود الإسرائيليين كان هدفها استعادة الأسرى اللبنانيين ومنها قياديون في حزب الله, لم يقم بها من أجل أي شيء له علاقة بسورية, فأن يقال بأن حزب الله ذراع سورية, هذا الكلام غير مقبول, ولا يمكن لشخص أو أشخاص أن يموتوا في حروب من أجل إرضاء سورية, لا تصدق هذا المنطق, لا من أجل أموال ولا من أجل شيء آخر, هو يموت من أجل قضيته, لن أقول ما هي هذه الوسائل ولكن أنا أقول لك إن سألت نفسك سؤالاً لماذا إسرائيل تقوم بهذه الأعمال ضد سورية? هذا هو السؤال, لو لم يكن لسورية تأثير تستطيع أن تؤثر من خلاله في السياسات الإسرائيلية لما قامت بهذا العمل, لو كنا دولة ضعيفة ومسكينة ولا نستطيع أن نقوم بشيء ونؤثر في منطقتنا لما قامت إسرائيل بهذا العمل.
وعن طبيعة المقاومة في الجولان, قال السيد الرئيس إن المقاومة تنشأ عندما لا يكون هناك جيش, ولا تقوم المقاومة عندما يكون هناك جيش قادر على الدفاع, والدليل أن إسرائيل أيضاً بنفس الوقت لا تقوم بعمليات اختراق لجبهة الجولان, وإنما هي منطقة تحكمها اتفاقية فصل دولية, في لبنان الوضع يختلف, إسرائيل دخلت وغزت لبنان واحتلت أراضيه, وحاصرت بيروت ودمرتها, أي هناك وضع مختلف, الوضع السكاني يختلف, الوضع الجغرافي يختلف, كل الظروف تختلف, لكن أهم شيء بأنه عندما لا يكون هناك جيش فالبديل للجيش هو المقاومة, أما هذا من مهام الجيش في سورية, لدينا جيش نظامي له مهمة محددة وهو محتشد بهذا الاتجاه, وهو جيش يتطور باستمرار بهدف الدفاع عن الأراضي أو بهدف آخر, تحرير الأرض في المستقبل, فنحن لدينا هدف نقوم به, أما الوضع في لبنان يختلف.
وعن تطوير الجيش السوري ووصول النظام الصاروخي الروسي )بانتسير) الذي يستطيع التعامل مع الطائرات الإسرائيلية, أوضح السيد الرئيس أن هذه مواضيع تقنية, يفضل ألا نتحدث بها, هذا موضوع عسكري.
وعن استعداد سورية للحرب مع العدو الإسرائيلي, أو على الأقل قدرتها على ردع هذا العدوان بيَّن السيد الرئيس أن الجميع يعرف بأن إسرائيل لديها دعم الولايات المتحدة الكبير, وكلنا يعرف بأن جيش إسرائيل من الجيوش القوية في العالم, وهذا السؤال الذي تطرحه كان مطروحاً على مستوى الجبهة اللبنانية وأنا دخلت في نقاشات مع بعض العرب حول هذه النقطة, ماذا كانت النتيجة في عام ,2006 جيش كبير من أقوى جيوش في المنطقة والعالم, ومجموعة من المقاومين هم متطوعون, أغلبهم غير متفرغ, بعضهم مهندسون درسوا في جامعات سورية ربما, ومنهم صيادلة, فقضية الاستعداد هي أولاً الاستعداد الشعبي للدفاع عن البلد, أما أن نقول أننا سنشن هجوماً طالما أننا نتحدث عن السلام وطالما أنه لدينا بعض الأمل في السلام, فلا أحد يسعى للحرب, السعي نحو الحرب ليس شيئاً جيداً تحت أي عنوان, الحرب لا تكون إلا حلاً بديلاً عندما يفقد الأمل نهائياً بالسلام, وما نراه الآن نحن في سورية بغض النظر عن الرياء والنفاق الدولي الموجود ولكن لا شك بأن هناك قلقاً من أي تفجير في المنطقة وهناك مساعٍ للسلام, فإذا كان هناك باب ولو كان صغيراً مفتوحاً للسلام لا يجوز أن تسعى باتجاه الحرب, لكن عليك أن تسعى للدفاع عن نفسك, الآن هل أنت مهيأ أم غير مهيأ, نفسياً نحن دائماً نستعد ونحضر أنفسنا ولكن بالنتيجة لا أحد يعرف النتائج إلا خلال المعركة نفسها.
وعن المتابعة السورية للمناورات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة, قال الرئيس الأسد: لا تستطيع أن تحدد بدقة, لكن تستطيع أن تأخذها كتنفيذ لتوصيات فينوغراد, تستطيع أن تأخذها كشيء جديد بالنسبة لإسرائيل التي لم تكن معتادة على أن تكون المعارك في أراضيها, كانت دائماً المعارك في أراضي أعدائها, ولكن بنفس الوقت تستطيع أن تأخذها في إطار أنها استعداد لعمل عدواني, بغض النظر عن الاحتمالات, الاحتمالات تبقى تقييماً شخصياً, في مثل هذه الحالة نحن كدولة, ولو كان احتمال العدوان ضئيلاً فنحن نتعامل معه على أنه ربما يكون أمراً واقعاً وبالتالي من الطبيعي أن نحضر أنفسنا لعدوان من خلال معرفتنا بالسياسات العدوانية الإسرائيلية.
وعن اغتيال عماد مغنية ومدى تورط إسرائيل فيه, أوضح السيد الرئيس أنه حتى الآن لم تنته التحقيقات ومازال هناك الكثير من المعطيات المطلوبة لكي نحدد من هي الجهة المسؤولة, من البديهي أن تُتهم إسرائيل لأنها المستفيد الأول ولأن تاريخ إسرائيل مليء بالاغتيالات العلنية, وبالتالي من الطبيعي أن يكون هناك ربط بين العملية والدور الإسرائيلي, ولكن لا نستطيع أن نعلن شيئاً واضحاً حتى تنتهي التحقيقات وهذه التحقيقات لم تصل حتى الآن إلى نتائج نهائية.
وتابع عن التقاط خيوط تقود إلى الحقيقة: حتى الخيط ليس بالضرورة أن يقودك للحقيقة, ربما يتوقف الخيط في مكان معين, وربما يكون الخيط قليل الأهمية وتعتقد أنه مهم, هذا الموضوع معقد وليس بهذه البساطة.
وعن المفاجأة لو تم الكشف أن هناك أطرافاً عربية تواطأت لاغتيال مغنية, أكد السيد الرئيس: طبعاً, سنتفاجأ بكل تأكيد.
وعن مدى احتمال ذلك تابع: لنفترض بأن شخصاً عربياً قام بعمل ما في دولة عربية, فإن ذلك لا يعني بأنه قام بذلك بتوجيه من دولته, هذا سؤال آخر, ربما يكون هو عميل لدولة أخرى, هناك فرق بين أن يكون شخص عربي وبين أن تكون دولة عربية.
وتابع: لا يوجد لدينا أية معطيات باتجاه أي دولة حتى الآن, لذلك التحقيق الآن مستمر.
وفي محور الشأن الداخلي, أوضح السيد الرئيس جواباً على سؤال يتعلق بالشائعات المختلفة أنه عادة في سورية عندما نُقيل ضابطاً نقيله بقرار رسمي ولكن لا يوجد مثل هذا القرار, هذا القرار كان سيعلن ويعرف به كل الناس. وأن ذلك هو نوع من الإشاعات التي لا تتوقف بالنسبة لنا في سورية, وكل مرة تأخذ شكلاً من الأشكال المختلفة ولكن نحن لا نهتم بهذه الإشاعات, ولا تعنينا كثيراً.
وعن فتح ملف الفساد الذي ارتبط بعملية الإصلاح الجارية, قال السيد الرئيس: نحن قمنا بهذا الموضوع, ولكن هذا الموضوع بحاجة لمنهجية ولا يتم بالاندفاع والحماسة, وقضية الفساد ليست ملاحقة الناس وإطلاق النار وإلى آخره, العملية معقدة ومتجذرة وبحاجة إلى معالجة عقلانية, هذه المعالجة العقلانية تبدأ من إصلاح النظام الإداري في سورية وطبعاً من اختيار الأشخاص على المستوى الأعلى, ونحن في سورية نجحنا على المستوى الأعلى, كان لدينا فساد أكبر من هذا على المستوى الأعلى, الآن على مستوى القيادات العليا هو أخف, ولكن بنفس الوقت قاعدة الاقتصاد السوري توسعت في السنوات الأخيرة وتوسعت معها قاعدة احتكاك الدولة وقاعدة المصالح, فإذا كنت اختصرت الفساد من الأعلى لا يعني بأنك اختصرته من الأسفل, وأصعب الفساد هو الفساد في المستويات الدنيا هو صغير ومتكرر وكثير, ويضيف كُلفاً لا تراها, أي كلف بالمعنى السلبي, فنحن بدأنا بعملية تطوير للنظام الإداري, وهنا المشكلة وهنا التحدي, كم نستطيع أن نطور, أحياناً تطور عمل, وتعتقد بأنه إنجاز كبير وترى أن نتائجه محدودة, نحن نجرب بأنفسنا, لم يكن لدينا خبرات في هذا المجال, هنا التحدي الكبير وهنا نسير حقيقة بشكل بطيء.
وفيما إذا كانت الحملة مستمرة ضد الفساد أكد السيد الرئيس استمرارية ذلك وأردف: ولكن محاربة الفساد بدون إصلاح إداري لا قيمة لها, سيبقى الفساد, كيف تكشف الفاسد? الفاسد أيضاً يطور نفسه, لا يمكن أن تضبط الفساد إلا بنظام إداري متطور, من الأتمتة إلى معايير اختيار الأشخاص, المعايير بحد ذاتها هي علم الموارد البشرية وهو علم قائم بحد ذاته, لا يوجد لدينا هذه الخبرات في سورية, لدينا تراكمات, هذا من جانب, من جانب آخر, نحن انتقلنا من نظام اقتصادي أو من توجهات اقتصادية عبر العقود الماضية إلى توجهات اقتصادية فرضتها الظروف الدولية الجديدة بالنسبة لسورية, لم يكن لدينا تسويق, لم يكن لدينا تخطيط على مستوى المؤسسات في الدولة, ولدينا قطاع عام كبير, فلا بد لهذه التراكمات مع انفتاح الاقتصاد أن تبرز الفساد. هناك جانب آخر, أن الحديث في سورية خاصة من قبل الإعلام, وأنا شجعت الإعلام على كشف هذا الموضوع, أيضاً أوضح الفساد الذي لم يكن واضحاً, فعندما يتحدث الإعلام عن الفساد يرى المواطن أشياء لم يكن يراها, لو لم يتحدث الإعلام عن هذا الفساد لبقي بالنسبة للمواطن في حجم معين, ولكن تكرار الحديث عن الفساد في وسائل الإعلام أيضاً ضخم صورة الفساد, هذا له جانب إيجابي وجانب سلبي, لكن هذا طبيعي, فهذا الفساد تضخم, والحقيقة بهذه التصنفيات أستطيع أن أضع موضوع مكافحة الفساد.
وعن أداء الحكومة ونية تعديلها, أوضح السيد الرئيس: نحن نعدل من وقت إلى آخر, ومنذ فترة ليست بعيدة عدلنا, ونقوم بالتعديل عندما نعتقد بأن هناك شخصاً يمكن أن يقدم بشكل أفضل. أما بالنسبة للرضا, أهم شيء, علينا أن نفرق بين الأسباب الموضوعية وغير الموضوعية, الأسباب الموضوعية ليس لها علاقة بالتراكمات, هل أستطيع أن أحمّل أي شخص اليوم, ليس بالضرورة الحكومة, أي مسؤول أن أحمّله تراكمات لها علاقة ببضعة عقود, هل أستطيع أن أحمّله تراكم ثقافة مثل ثقافة عدم احترام العمل على سبيل المثال? هذه قضايا يلزمها تراكم تربوي وتراكم تطويري لكي تعطي نتائجها, هل أستطيع أن أحمّل الدولة والمؤسسات المختلفة مسؤولية أشياء هي ظروف خارجية? سواء موجة الغلاء العالمية أو الضغوط السياسية. أنا سأعطيك مثالاً بسيطاً, نحن طلبنا من إحدى الشركات المتطورة في العالم في عام 2005 تحديداً وأنا التقيت بمجموعة من الخبراء ليبدؤوا معنا عملية التطوير الإداري للدولة, أتوا بعد شهر وقالوا لي إن الحكومة الأمريكية منعتنا, أي أن هناك حصاراً ضد التطوير, فأولاً علينا أن نفرز بين الأسباب الموضوعية وغير الموضوعية لا أن نخلط بينهما, وعندها نستطيع أن نقيم عمل الحكومة ومؤسسات الدولة, طبعاً هناك تقصير ولكن أيضاً هذا التقصير علينا أن نضعه في نفس الإطار, إذا كان لديك تحول من اقتصاد إلى اقتصاد ومن توجه إلى توجه, ألست بحاجة لتأهيل الأشخاص بالنسبة للتوجه الجديد? إذا لم يؤهلوا فكيف تلومهم إن لم يقدموا? أيضاً هذا عائق آخر. فإذاً عندما نوزع كل هذه الأمور نستطيع أن نقول أن طموحاتنا كبيرة, لا شك بأن هناك تقصيراً, ولكن لا شك أيضاً أن هناك إنجازاً. أما التقييم الحقيقي فيبقى دائماً للمواطن, لأنه هو من يعيش المشكلة, وهو من تنعكس عليه المشكلة, أنا لا أستطيع أن أقيم بشكل موضوعي كما يقيم المواطن في سورية, ولكن أن مهمتي أن أعطيهم الصورة الحقيقية للفرز بين هذه الجوانب المختلفة.
وعن الرؤية السورية لجهود كارتر لضم حماس للمسيرة السلمية وعدم عزلها ورؤية السيد الرئيس للرد الأمريكي الأخير على ما أعلنته حماس قال: مرة أخرى نؤكد بأننا نتعامل مع تصريحات الإدارة فاقدة المصداقية داخل أمريكا, فكيف يكون لها مصداقية لدينا في سورية, لا يعنينا ما تقوله هذه الإدارة, وانحيازها الأعمى لإسرائيل واضح, مضيعة للوقت أن نناقش ردودهم وأن ندخلها في الحسابات. أما الهجمة على كارتر فشيء طبيعي لأن ما نراه من تحركات من داخل الإدارة الأمريكية لرؤساء سابقين, لأعضاء في الكونغرس الأمريكي, لرئيسة الكونغرس نفسها, وغيرهم من الشخصيات, وبعض حلفاء أمريكا تجاه سورية وتجاه المنطقة, يفضح فشل الإدارة, فمن الطبيعي أن يكون هناك هجوم على مثل هذه التحركات. هذا من جانب. ومن جانب آخر لا ننسى بأن الرئيس كارتر عندما كان في موقع المسؤولية وأنجز كامب ديفيد, كان يتحدث عن دولتين فلسطينية وإسرائيلية, الآن وبعد ثلاثة عقود لا توجد دولتان, فمن الطبيعي أن يرى هذا الفشل, فهو ألّف كتاباً عن الوضع الجديد في إسرائيل والذي اتهم فيه إسرائيل بالفصل العنصري, فهذا الفضح لحقيقة إسرائيل عادة في الغرب لا يجرؤ الكثيرون على أن يطرحوه.
وعن العلاقة مع السلطة الفلسطينية والجهود المبذولة لرأب الصدع بينها وبين حماس, أكد السيد الرئيس:نحن نحاول في هذا الموضوع أن نكون على مسافة واحدة من الطرفين, لأنه لدينا قناعة بأن الخلافات والانقسامات بينهما ستستفيد منها إسرائيل, بمعزل عن قناعاتنا الشخصية. بالذات نحن قلنا لهم في موضوع الخلاف الفلسطيني الفلسطيني, وأنا نصحت أكثر من طرف عربي, لا يجوز أن نتعامل معه على أساس من أخطأ بحق من, ومن ابتدأ قبل من. هذا الشيء لن يوصلنا إلى الموضوع, كأي خلاف في أي عائلة بين إخوة, من الطبيعي أن لا يأتي الأب في البداية ويقول للأول بأنك أخطأت, يقول له ذلك لاحقاً, بعد أن يصلح الأمر, يتحدث مع المخطئ ويقول له أنت أخطأت ويتحدث مع الآخر ويقول له أنت أخطأت أقل أو أكثر, الخ.. ولكن الآن الدخول في هذا الموضوع في البداية يفجر الأوضاع ويعقدها أكثر, فنحن هدفنا الآن أن نعمل على موضوع توصيل الأمور ورأب الصدع, وهذا الشيء بالنسبة لنا كان أحد الأولويات في القمة العربية, ومجيء أبو مازن يؤكد على حيادية سورية في الصراع الفلسطيني, وليس كما يحاول البعض أن يصفنا بأننا نقف مع حماس ضد السلطة.
وعن وجهات النظر المختلفة بين فتح وحماس لما قامت به الأخيرة وهل هو انقلاب أم دفاع عن الوجود, شرح السيد الرئيس رأيه في ذلك قائلاً: هذا الموضوع مهم, وأنا أريد أن أتوسع في هذا الموضوع, فهو أحد النقاط التي طرحتها في مؤتمر القمة. أي في لقائي مع الرئيس أبو مازن في اليوم الذي سبق انعقاد القمة, أي في يوم الوصول, تحدث عن انقلاب, فقلت له نحن كعرب بالأساس منقسمين حول قضايا مختلفة, إضافة مصطلح جديد الآن للنقاش سيجعلنا منقسمين أكثر, أي هو انقلاب, تمرد, أو أي شيء آخر, لا داعي للدخول في هذه التفاصيل, دعنا نسميها نحن مشكلة. والأفضل أن نتبنى نحن كعرب قضية مشكلة, كأن تقول مشكلة بين شقيقين, هناك مشكلة ودعنا نحلها, لن نختلف على كلمة مشكلة لأن هناك مشكلة. عندما نقول إن هناك مشكلة, ننطلق منها لكي نصل لجواب إلى موضوع المبادرة اليمنية. المبادرة اليمنية تحدثت عن مجموعة نقاط, أبرزها وأهمها نقطتان تناولتا موضوع الحوار, النقطة الأولى وهي ما يتعلق بعودة الوضع إلى ما كان عليه, والنقطة الثانية بأنها قاعدة للحوار. بدأ الصراع بين فتح وحماس بأنها هي للتنفيذ أم للحوار, هذا النقاش بحد ذاته نحن وقفنا ضده في سورية. لا يوجد شيء له جانب تنفيذ بدون جانب حوار, ولا العكس, الحوار هدفه التنفيذ والتنفيذ بحاجة لحوار. النقطة ليست هنا, النقطة هي ما تحدثنا به وهو ما سعينا وسنسعى به خلال رئاستنا للقمة مع الطرفين, خلال القمة قلت لهم الحوار الحقيقي سيكون حول ما المقصود بكلمة عودة الوضع إلى ما كان عليه, لأن حماس قالت إنها مستعدة لإعادة الوضع إلى ما كان عليه, وفتح تقول بأنه يجب أن يعود الوضع إلى ما كان عليه. إذاً أين الخلاف? الخلاف في التفاصيل, في تفسير كل طرف لما هو المقصود من عودة الوضع إلى ما كان عليه. فطلبنا من الرئيس محمود عباس, وأنا في اتصال هاتفي معه منذ عدة أيام أكدت عليه ما قلته في القمة هو أن يقوم بإرسال تصوّر تفصيلي, لأن هذا عنوان عام, عودة الوضع, ماذا تعني عودة الوضع? هل هو عودة الوضع في غزة, في الضفة, في كليهما? عودة الوضع هي أن تخرج حماس من المؤسسات? أم يعني أن تعود حكومة هنية? هذا يجب أن يوضح. فقلنا لأبو مازن أرسل لنا نحن كرئاسة قمة وأرسل نسخة مشابهة لصاحبة المبادرة, أي لليمن, حول تصورك لهذه التفاصيل ونحن سنطلب من خالد مشعل في دمشق, أي حماس, أن يعطونا نفس التصور, وعندها نقارن بين مفهوم الجهتين لهذا الموضوع, وعندها نحاول أن نقرب المسافات أو أن تفشل المساعي, أي أن هذا أحد المحاور الأساسية المهمة لرئاسة القمة .
فيما إذا كان من أولويات سورية كرئيس للقمة العربية تقريب المسافات, أجاب السيد الرئيس: تماماً. لكن حتى الآن لم يصلنا شيء في هذا الموضوع لا من فتح ولا من الطرف الآخر أي حماس, ونحن الآن في حالة انتظار.
وعن تساؤل حول دعوة وزيرة الخارجية الأمريكية الدول العربية إلى العمل من أجل إثبات هوية العراق العربية. قال السيد الرئيس: حقيقة هذه الإدارة لا تفهمها, ولكن لنفترض بأن هذا التصريح هو بداية جديدة فهذا عظيم, لأنه يتوافق مع ما نقوله, نحن نتحدث عن الحل العربي وعن عروبة العراق, ونعتبره أساس الاستقرار وأساس الحل. بدون عروبة العراق من الصعب أن يكون هناك استقرار. فإذا كانت هذه الإدارة صادقة فهذا شيء جيد, ولكن أيضاً علينا أن نسأل هذه الإدارة التي تتحدث عن استقرار العراق والديمقراطية في العراق, وتحسن الأوضاع, كل ما تقوله يحصل عكسه, فنخشى أن يكون ما تقوله لنا هو كي نرى العكس.
وفيما إذا كان ذلك للغمز من قناة إيران قال الرئيس الأسد: أنت أعطيت الجواب. إذاً كان يتوافق كلام رايس مع كلام ليفني عندما قالت عدوكم هو إيران وليس إسرائيل.
وتابع: فإذا كان الحل في العراق عربياً فربما يقصدون إيران. أنا دائماً واضح مع الدول العربية بشكل كامل حول هذا الموضوع. أولاً إيران دولة موجودة وهي ليست دولة مستجدة في المنطقة, لها حضارة تقارب الحضارة العربية في العمق في هذه المنطقة وفيها تواصل وفيها فترات صراعات وتوافقات ولكن بنفس الوقت كانوا معنا في الدول الإسلامية وإلى آخره. وهم جزء من هذا النسيج. إيران الآن دولة كبيرة وهي دولة هامة شئنا أم أبينا, أحببنا أم لم نحب. لنأخذ تجربتنا مع تركيا, ثمانية عقود من العداء مع تركيا, إلى أين أوصلتنا? لم توصلنا إلى شيء. أقل من أربع سنوات من العلاقة الجيدة مع تركيا أنجزنا فيها إنجازات هائلة لتركيا ولسورية وللمنطقة. كان من الصعب أن يكون الوضع في العراق حتى بالرغم من أنه سيئ, كان من الممكن أن يكون أكثر سوءاً لو كانت العلاقة السورية التركية غير جيدة.
وتابع السيد الرئيس: إذا عادينا إيران, ماذا نربح وإذا توافقنا مع إيران ماذا نربح. إيران كأي دولة لها مصالح, ونحن لنا مصالح. لها رؤى ولنا رؤى. من المستحيل لمجموعة دول تعيش في نفس المنطقة أن تكون كل مصالحها متناقضة, هذا أولاً, فيجب علينا أن نبحث عن الأمور التي نتفق حولها ومن ثم نحل بقية المشاكل, هذا ما اتبعناه بالنسبة لتركيا, من المستحيل أن تكون دولة كإيران دولة عدوة وتختلف مصالحنا معها وإسرائيل ليست عدوة, من المستحيل أن تكون إيران هي مشكلة في العراق وأمريكا هي الحل في العراق, وهي أساس المشكلة فيه. فهذا النقاش غير موضوعي, ولكن أيضاً وكنوع من المنهجية, وهذا ما طرحته في القمة, قلت إذا كنا نعتقد بأن هناك خلافاً مع إيران, دعونا نحدد ما هي النقاط العربية, مثلاً ما صدر في البيان أو أي قرار, أو في القمم المختلفة, بكل القضايا المطروحة, وخاصة موضوع العراق والمقاومة وغيره.. نحدد ما هي رؤيتنا العربية ونرى هل إيران تتفق معنا أم تختلف معنا. إذا كانت تختلف معنا فنحن لسنا معها من حيث نختلف. مثلاً موضوع وحدة العراق بالنسبة لنا في سورية موضوع أساسي, أية دولة تقف ضد وحدة العراق نحن ضدها, نحن نقول للإيرانيين بالنسبة لنا وحدة العراق هي الأولوية, على سبيل المثال, نحن ضد الوضع الطائفي في العراق, نحن مع الوحدة الوطنية, إلخ. فإذاً علينا أن نحدد بنوداً قبل أن نقول نحن نختلف مع إيران. نختلف على ماذا? عن الدور في العراق? هل هناك دور عربي وإيران وقفت ضد الدور العربي? هناك غياب عربي, فهناك ألوان لكل العالم في العراق, فتفضلوا والعبوا دوراً.
وعن تأييد سورية حق إيران في الحصول على الطاقة النووية, ودعم برنامجها النووي, أكد السيد الرئيس: نحن مع الحق لكل دول العالم, لكل دول العالم لها الحق وليس إيران فقط, كل دول العالم لها الحق في الطاقة السلمية, نحن ضد أسلحة الدمار الشامل, والدليل نحن وفي عام 2003 قدمنا مشروعاً عندما كنا في مجلس الأمن للأمم المتحدة حول نزع أسلحة الدمار الشامل, ووضع في الأدراج له ألوان ربما أزرق, أي يبقى وثيقة ولكن غير مفعّلة, ومن وقف ضده الولايات المتحدة لأنه يشمل إسرائيل, فنحن بالعكس تماماً, نحن ضد اسلحة الدمار الشامل, لا إيران ولا إسرائيل ولا غيرها.
وعن عدم استبعاد وزير الدفاع الأمريكي للحرب مع إيران رغم أنها كارثية, علق السيد الرئيس قائلاً: إن هذه الحرب ستؤدي لنتائج ندفع ثمنها ربما ليس لعقود, وإنما ربما لقرن من الزمن, لا نعرف أين تذهب بالمنطقة. نحن الآن كعرب رأينا من خلال الوقائع في العراق بعد خمس سنوات, بأننا نكاد ندفع الثمن قريباً إذا استمرت الأمور على الوضع الحالي, ونتائجها ستمتد من البحر المتوسط وربما إلى الأطلسي, ربما إلى المحيط الهادي في العالم الإسلامي, وتنعكس على دول أوروبا في المستقبل, وهذا ما أقول للأوروبيين, فكيف إذا أصبح لدينا العراق وفلسطين ومشكلة إيران وغيرها, هذا الموضوع العالم كله لا يستطيع أن يتحمله, خطير, ليس خطراً على دول الخليج كما يقال الخليج ومضيق هرمز, الموضوع أكبر من ذلك بكثير, فأغلب المسؤولين الذين ألتقي بهم في الغرب تحديداً هم ضد هذه الحرب, وأعتقد أن هناك تياراً كبيراً في أمريكا, في الجيش الأمريكي, لدى السياسيين الأمريكيين, ضد هذه الحرب.
وعن موقف سورية من تعرض إيران لهجوم في ظل إعلان أكثر من مسؤول إيراني مساندتهم لسورية في حال تعرضها لعدوان, أوضح السيد الرئيس أنه لا يوجد اتفاقية دفاع مشترك بين الدولتين, ولا يوجد جبهة مشتركة, وليس المطلوب من إيران أن ترسل جيشاً إلى سورية ومن سورية أن ترسل جيشاً إلى إيران, ونأخذ مثال الحرب العراقية الإيرانية, نحن دعمنا إيران ولكن لم نرسل جيشاً, نحن لم نقاتل صدام نيابة عن إيران. نفس الشيء مع حزب الله. حتى علاقتنا مع حزب الله والمقاومة. القضية ليست سلاح, السلاح متوفر تستطيع أن تأتي به بأي طريقة. غزة محاصرة من كل الجوانب, ولديها سلاح لم يكن موجوداً من قبل. المقاومة تستطيع أن تحصل على أي شيء, لا تصدق أن هناك ضوابط في العالم. فالقضية هي قضية دعم سياسي, قضية دعم حقوق, هذه هي القضية.
وعن إسقاط حزب البعث العراقي وتأثير ذلك, أوضح السيد الرئيس أنهم أسقطوا الحزب من الحكم من السلطة, ولكن الحقيقة الآن ماذا كان البديل في العراق? هل كان البديل أحزاب علمانية ووطنية, إلى آخره, الوضع الآن أن البديل هو أحزاب طائفية. بالعكس أنا برأيي الآن التيار القومي في العراق أصبح أقوى بالرغم من الكوارث الفظيعة التي تحصل في العراق, لكن التيار القومي أصبح أقوى. صحيح أن التيار الطائفي قوي من خلال الميليشيات, بعض الميليشيات, ولكن أنا أتحدث عن القاعدة الشعبية. التيار القومي أصبح أقوى. الآن التيار الطائفي ليس موجوداً على المستوى الشعبي بعد, وخاصة نحن نحتك معهم, لدينا مليون ونصف عراقي في سورية, موجود على مستوى فصل جغرافي سببه القتل والقتل المتبادل, بهدف الوصول إلى حالة طائفية كما كان الوضع في لبنان خلال الحرب الأهلية. الميليشيات بشكل طبيعي لا تستطيع أن تتواجد وتكسب السلطة إلا من خلال الوضع الطائفي, فهم يدفعون الناس لكي يصبحوا طائفيين. حتى الآن لم يتحقق هذا الشيء بشكل كامل, ولكن مع الوقت إذا تُرك الموضوع فسوف يتحقق.
وعن تواصل سورية مع كوادر حزب البعث العراقي, قال الرئيس الأسد: نحن نتواصل بشكل علني مع التيارات القومية وكل شخص قومي نحن نقف معه, ويشمل ذلك حزب البعث وغيره, هي أخذت أشكالاً مختلفة. الآن نحن في حالة حوار معهم, حول ما هي التصورات المستقبلية, أين أخطأ التيار القومي في الماضي. واضح أن التيار القومي هو جزء طبيعي من النسيج الاجتماعي لمنطقتنا, وهو ضمانة توحيدية, هو لا يفرق. لكن كيف نستفيد من أخطاء الماضي? وبكل الأحوال هم يأتون إلى سورية, والبعض منهم يعيش في سورية, ونتواصل معهم بمعرفة الحكومة العراقية, ونحن لا نخفي هذا الشيء.
وعما إذا كان ذلك لكي يعودوا إلى السلطة, أوضح السيد الرئيس: هذا يرتبط بالوضع العراقي, كيف يتحول. الآن الوضع العراقي يتحول بشكل مستمر, من الصعب أن نحدد هذا الشيء بمعزل عن التحولات العراقية, لذلك أنا قلت, أنا أرى بأن الوضع العراقي إما يذهب إلى الاتجاه الطائفي أو إلى الاتجاه القومي, فالقوى القومية الآن تثبت نفسها وليس العكس, على الأقل كضامنة لمستقبل العراق, وهذا يتوافق مع ما أقوله أنا بأن الحل يجب أن يكون حلاً عربياً أو عروبياً, عروبياً أي يرتكز على عروبة العراق, ليس بالضرورة أن يعني حلاً عربياً تقوم به سورية والدول العربية, وإنما أن يكون مرتكزاً على عروبة العراق.
وعن موقف سورية من العمل العسكري التركي لاقتلاع كوادر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق, قال السيد الرئيس: موقفنا كان واضحاً عندما كنت أنا في تركيا. العمليات التي يقوم بها حزب العمال الكردستاني في تركيا ليست مقبولة, ومرفوضة, عمليات قتل لعسكريين ومدنيين, والأخطر هو قتل المدنيين الأبرياء, ماعلاقة المدنيين. يقومون بعمليات تفجير لباصات وما شابه, هذا الكلام غير مقبول. أي دولة تدافع عن نفسها, طبعاً نحن اتفقنا معهم منذ البداية بأن الحرب كما قلت قبل قليل هي حل سيئ, فيه خسارة للجانبين, وليس من السهل للجيش التركي أن يدخل إلى الأراضي العراقية ليقاتل في أراضي غيره, ولكن ما هو الحل عندما تستمر العمليات? اتفقنا على أن يكون هناك مساع سياسية شاركنا نحن بها, نقلنا رسائل للحكومة العراقية, كان هناك نوع من الاستجابة, ولكن كلنا يعرف بأن الوضع في العراق من يتحمل مسؤوليته هو الأمريكي وليس العراقي, لا يوجد جيش عراقي كي يسيطر, ولا شرطة عراقية, وهذا الشيء واضح بالنسبة للأتراك, أعطوا مهلة للعملية السياسية, وعندما استمرت العمليات, كان من الطبيعي أن يقوموا بعمليات لحماية أراضيهم وشعبهم.
وعن النزعة الاستقلالية التي يراها البعض في أكراد العراق, قال السيد الرئيس: نحن سألنا هذا الموضوع لعدد من القيادات الأساسية لديهم, وكلهم نفوا, هذا النفي جيد. أما بالنسبة للتخوف من الانفصال فليس فقط نتخوف, نحن ضد الانفصال بالمطلق, نعتبره خطراً ليس فقط على العراق, على كل المنطقة, وعلى الأمن القومي في سورية, ونفس الشيء تنظر له تركيا, ونفس الشيء تراه إيران والدول العربية الأخرى المجاورة, كل الدول تتخوف.
وفيما إذا كان هناك تنسيق مع الجيران بشأن ذلك, قال السيد الرئيس: طبعاً. ليس فقط بهذا الموضوع. لدينا في سورية أكراد وهم وطنيون, لا يوجد لديهم هذه النزعة, ولكن نحن نتحدث عن تقسيم العراق بشكل عام, سواء بدأت في الشمال أو الوسط أو الجنوب, النتيجة واحدة. كل هذه الدول من دون استثناء ضد تقسيم العراق.
وفي محور آخر يتعلق بمؤتمر السلام المرتقب في موسكو, لبحث الصراع في الشرق الأوسط. والاستراتيجية السورية في هذا المؤتمر وإمكانية نجاح هذا المؤتمر في ظل التعنت الإسرائيلي, أوضح الرئيس الأسد بأنه لا نجاح في ظل التعنت الإسرائيلي. في نفس الوقت, عندما أتى لافروف إلى سورية لم يكن واضحاً ما هو مضمون هذا المؤتمر, لا يكفي الحديث عن المؤتمر, ماذا يعني المؤتمر? أن نلتقي على الطاولة? المهم ما هو المضمون. حتى الآن لم يأتينا أي شيء واضح حول هذا المضمون, ولسنا متأكدين من موعد انعقاد المؤتمر, ليست المشكلة في التعنت الإسرائيلي فقط, وإنما في الإدارة الأمريكية, أي أنها مؤثرة في هذا الموضوع. فلذلك نحن حتى الآن لا يوجد أمامنا شيء واضح لكي ندّعي التفاؤل, مع أننا دعمنا أي مؤتمر يتم في موسكو لمصداقية موسكو بالنسبة لقضية السلام مع العرب, ولكن هل سيسمح لها بالنجاح? نحن لا نثق لا بالإسرائيلي ولا بالأمريكي.
وتابع السيد الرئيس: المشكلة أن المؤتمر لم يحدد, لم يؤكد بأنه سيعقد, مازال في إطار الكلام, متى سيعقد, كيف, كان في البداية عندما عقد مؤتمر أنابوليس قيل بأن المؤتمر سيعقد في شهر آذار أو نيسان, نحن الآن في نيسان ولم يعقد, ولا يوجد موعد, فهو مجرد حديث, فلا نستطيع أن نبني رأياً على حديث.
وأردف: الطرف الروسي يريد, متحمس, ولكن هذا بداية الحماسة أن يستقبل, لكن يجب أن ينسق مع الأطراف, هل نسق حتى عندما جاء لافروف قبل القمة بفترة قصيرة لم يكن هناك شيء, وحتى الآن لا يوجد شيء, حتى الآن هو شيء افتراضي, وليس حقيقياً.
وعما إذا كان قد انحصر دور روسيا وبالتالي لا تستطيع حتى أن تحدد مؤتمراً في أراضيها, قال السيد الرئيس: هذا دائماً حتى في أيام الاتحاد السوفييتي كان الدور الأساسي لعملية السلام للولايات المتحدة, بسبب علاقتها مع إسرائيل, وليس لأنها أقوى أو أضعف, ولكن الولايات المتحدة لها علاقة قوية مع الأطراف العربية, ولكن أقوى بكثير مع إسرائيل, أنت بحاجة إلى طرف يضغط على إسرائيل أو يؤثر عليها في عملية السلام, هذا الشيء روسيا لا تستطيع أن تقوم به, لا اليوم ولا في الماضي.
وعن العلاقة الخاصة التي تربط دمشق بالدوحة والرئيس الأسد بأمير قطر, شرح السيد الرئيس قائلاً: السبب أن العلاقة السورية القطرية قبل عام 2003 ولسنوات امتدت منذ مجيء الأمير إلى موقعه على رأس الدولة, كانت هي نموذج للشكوك بين دولتين عربيتين, كعلاقة مليئة بالشكوك غير المبنية على أي أساس, مبنية على قيل وقال, كانت نموذجاً, وانقلبت هذا الانقلاب خلال زيارتي الأولى إلى الدوحة في النصف الثاني من العام ,2003 اللقاء الأول بيني وبين الأمير تناول الحديث عن هذه الشكوك, تحدثنا بصراحة عن النظرة السلبية لسورية تجاه قطر وشكوكها وتخوفها منها, نظرة أحياناً ربما في بعض الجوانب دعنا نسميها شيطانية, للدور الشيطاني القطري تجاه العرب وتجاه سورية, وتحدث معي الأمير بنفس المنطق, ففوجئ كلانا بأن كل ما هو لدينا غير صحيح, لماذا في 2003? لأنه بعد الحرب على العراق وفي ذروة الضغوط على سورية كانت مبادرة الأمير في هذا الاتجاه, بادر بشكل غيّر الصورة السلبية الموجودة لدينا, لأنه في ظرف مثل هذه الظروف لو كان الدور القطري سيئاً لكان الأداء مختلفاً. الحقيقة انقلبت الصورة وأتت زيارتي وارتكزت العلاقة على الصراحة, هذه البداية أسست لاحقاً لحديث صريح في كل القضايا. الآن تسألني سؤالاً هل نحن متفقون حول كل شيء نحن وقطر? لا بالعكس كثيراً ما نختلف, ولكن الميزة في العلاقة بيننا وبين قطر بأنه أولاً قطر تتفهم موقف سورية وسورية تتفهم موقف قطر, سورية تتفهم موقع قطر الجغرافي والجيوسياسي, وقطر تتفهم موقف سورية. فليس المطلوب من قطر أن تكون سورية وليس المطلوب من سورية أن تكون قطر, هذه نقطة الضعف في العلاقات العربية العربية, لو تفهمنا هذه النقطة لما كان هناك مشكلة. ما يهمني في الموضوع, هل قطر تسعى في سياستها لمساعدتي كدولة شقيقة? هذا ما تقوم به قطر, وهذا ما تقوم به سورية, هذا النوع من الصراحة بكل الأمور, لا يوجد أي نوع من المجاملات بيننا وبين قطر, هذا ما خدم العلاقة لأنه لا توجد مجاملات. فتجاوزت العلاقة كما قلت العلاقة السياسية إلى علاقة شخصية قوية جداً ولكنها تصب أيضاً في الاتجاه السياسي, وهذا ماجعل العلاقة السورية القطرية فاعلة جداً في المحافل المختلفة, أحياناً بشكل غير معلن, كثير من الأشياء التي ننسق بها واللقاءات والأداء السياسي لاحقاً, يكون على خلفية التنسيق. هذا من جانب, من جانب آخر نحن رفضنا منذ البداية التعامل مع قطر على أساس دولة كبرى وصغرى, وهذه مع كل الأسف تحكم أحياناً عقلية العلاقات بين الدول العربية, الفرق بين سورية وقطر في المساحة وفي عدد السكان كبير جداً, ولكن نحن لدينا مبدأ بأننا إن لم ننظر إلى بعض كدول عربية على أساس كلنا دول مستقلة, وكل دولة لها أهميتها, لا يمكن أن تتطور العلاقة. بنيت العلاقة بين سورية وقطر أولاً على الاحترام, هذه دولة لها أهمية وهذه دولة لها أهمية.
ثانياً قطر أرادت أن تلعب دوراً, هذا الشيء نحترمه, كانت تستطيع أن تنكفئ إلى موضوع تطوير داخلي وتطوير اقتصادي, ولكنها أرادت أن تلعب دوراً.
وفي إجابته عن ماهية هذا الدور, أوضح السيد الرئيس أنه دور سياسي. دور على المستوى العربي, أن يكون لها دور في بناء البيت العربي, في التضامن في التطوير الاقتصادي, أحياناً في وساطات تحسين العلاقات بين سورية ودول أخرى لعبت دوراً في هذا المجال.
وعما إذا كان مثل هذا الدور لتقريب المسافات أو نقل الرسائل بين دمشق وواشنطن, نفى السيد الرئيس ذلك وقال: أعتقد بأن قطر كانت واعية تماماً لحدود النجاح في مثل هذا الدور, مع مثل هذه الإدارة, وهذا الشيء جيد, أن لا تلعب دوراً في شيء تعرف بأن احتمال فشله كبير, فقطر لعبت دوراً في قضايا تعرف بأن احتمال نجاحها كبير, وحققت خطوات في هذا الاتجاه.
وعما إذا كان نموذج العلاقات القطرية السورية مطلوباً للعلاقات مع لبنان والرياض والقاهرة, أكد السيد الرئيس أن هذا ما نريده. ولكن هذا يعتمد على تفهم موقفك. المشكلة هي شخصنة العلاقات بين الدول, بين المسؤولين العرب, والشكوك الكبيرة, المشكلة هي أن يعتقد أحد الأطراف العربية بأنني إن لم أكن مثله فأنا ضده, هذا مستحيل. نحن الإخوة في المنزل الواحد لا يمكن أن يكون لنا نفس الرأي, فكيف على مستوى الدول? هذه هي المشكلة في العلاقات العربية, وهذا ما طوّرناه في العلاقة مع قطر, لذلك علاقاتنا تتطور بشكل كبير بالرغم من أننا لا نتفق على كل القضايا ولكن نشكل رؤية موحدة لاحقاً للقضايا التي نختلف حولها وتقوم قطر بالسير بالطريق التي يناسبها وسورية تسير بالطريق الذي يناسبها, طريق يختلف عن قطر, ولكن في المحصلة المهم أن نلتقي بهدف واحد, هذا هو المنهج.