تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


العقلية التي تبني الوطن...

آراء
الأربعاء 27/8/2008
محمود شيخ عيسى

الصراع بين القديم والجديد مصطلح يزور مجالسنا اليومية تارة ويغيب عنها تارة اخرى , ينساب هادئاً مترفقاً حيناً , ويهدر خابطاً خبط عشواء أحيانا,

وفي الاحوال كلها فإن غيومه بعد انقشاعها تترك وراءها عبوات ملأى بما يمكن أن نسميه أزمة حقيقية .‏

انها ازمة حقيقية لانها تشير إلى خلاف عميق في وجهات النظر بين تيارين فكريين, يصر كل واحد منهما على انه وحده مالك الحقيقة ولا يمكن ان يتنازل عن هذه القناعة.‏

اصحاب المدرسة التي تمثل القديم يقولون انهم هم البناة الاساسيون , وأن بناء الوطن تم بزنودهم المعروقة وسواعدهم المفتولة, فلماذا يأتي دعاة التجديد لينكروا عليهم جهودهم التي بذلوها, ويصرون على البدء بالبناء من نقطة الصفر?!‏

وتزيد خيوط القضية تشابكاً وتعقيداً عندما تجد كلمات مثل الجحود ونكران الذات والكنود مكانها في سياق الحوار الذي يظنه المرء للحظة من اللحظات بأنه حوار الطرشان بامتياز.‏

حوار يبدأ هادئاً مثقلاً برغبة الطرفين في الوصول الى قواسم مشتركة , ثم تنحرف عربته فجأة منطلقة الى الجهة اليسرى مع انها كانت قد اعطت منبهاً يشير الى رغبتها في الانطلاق الى الجهة اليمنى.‏

بعدها تسمع جلبة الاصوات وعجيج الخلافات, وكأن الحوار بات حلبة يهم كل طرف فيها باستعراض عضلاته امام الطرف الاخر لغاية لا ندري ما وراءها.‏

اما اصحاب المدرسة التي تمثل الجديد فيشكون من الظلم التاريخي الذي لحق بهم , ويطرحون سؤالاً عبثياً ينتظرون جوابه فلا يوافيهم, يسألون لماذا أنفقنا أجمل سنوات العمر وأحلى لحظات الشباب على مقاعد الدراسة, هل فعلنا ذلك ليكون جزاؤنا جزاء (سنمار) ?‏

والمقصود بهذا الجزاء حالة الاهمال والتهميش وهي حالة يصطدمون بها بقسوة كلما اندفعوا في ميدان العمل , معلنين عن رغبتهم الصادقة في رد جزء من دين الوطن وكم له من اياد بيضاء تطوق اعناقهم!‏

ويمضي المشهد في ابتلاع جرعات كثيفة من الظلام والتناقض عندما تفرض كلمات مثل محاربة الكفاءات والخوف من التغيير ووضع العصي في العجلات حضورها على ساحة الحوار فتغدو مسيرة الحوار مقتدية بالضلال الذي يهيم بها على غير هدى فتهيم معه على وجهها منطلقة في بيداء الغفلة والفجاءة.‏

ولنا ان نتساءل ما هو الحل الذي يمكن الاهتداء اليه?!‏

الحل كان وما زال يكمن في تقبل الرأي الاخر والانفتاح عليه, وقبول الرأي الذي يشير الى ان الحقيقة لا يمكن ان تكون ملكي وحدي , وأن من يختلف معي في وجهة النظر حول موضوع ما لا يعني اختلافه بالضرورة أنه يكن لي البغضاء , وعلي أن أصنفه على الفور في زمرة الأعداء , ولا يمكن أن أدون اسمه بعد اليوم في خانة الأصدقاء.‏

الجيل القديم أدى رسالته على خير ما يرام , ويستحق منا كل احترام وتقدير , ويبقى مرجعاً مهما لايمكن الاستغناء عن خدماته وخبراته التي تراكمت بمرور الزمن , والجيل الجديد مزود بأدوات العصر المعرفية , ومن حقه أن يضيف لبنات جديدة الى صرح الوطن الغالي وعلى الجيل القديم أن يتيح له الفرصة المناسبة لتفتيح أكمام إبداعه , تماما كما يفعل النسر الشامخ عندما يضم صغاره تحت جناحيه ليعلمها الطيران , إيمانا من هذا النسر أن رسالته تكمن في زرع القدرة على الوقوف على أكتاف العمالقة لا الانسحاق تحت أقدامهم, في نفوس صغاره هي من أسمى رسائل هذا النسر الذي يجب ان يشب صغاره عن الطوق ويضارعوه في المستقبل عزة وشموخاً .‏

وعلى صغار النسر بعد أن تتقن التحليق في الأجواء العالية ومعانقة وهج الشمس الا تنسى فضل النسر الذي علم وربى , وأن تعود إليه كلما ألمت بها مشكلة في طريق الحياة , لتستفيد من عقله الراجح وخبرته التي لاتقدر بثمن .‏

هذه هي العقلية الناضجة التي يستطيع من يمتلكها أن يكون بحق جديراً بحمل وسام الإسهام في بناء الوطن الذي يقوم بناؤه ويشمخ بجهود أبناء الوطن على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم الفكرية .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية