نحن نعرف أن الخيال هو بذرة العلوم فلولا الخيال لما تقدمت العلوم، ولما تحول هذا الخيال الى واقع والأمثلة أكثر من أن تحصى.. لكن المهم هو اكتشاف القانون الذي يتطابق مع ما كان خيالاً، فلقد حلم الإنسان وخاصة المبدع في أن يطير في الجو، أو أن يغوص في أعماق الفضاء، أو يتنزه فوق القمر لكن العلماء هم الذين اكتشفوا القوانين الناظمة التي تؤدي الى تحقيق هذا الخيال. أما أن ينقلب الأمر الى سحر مجهول ليس فيه وميض من أي تفسير علمي، أو حتى الحلم بالوصول الى هذا التفسير فإنه ارتماء في ضباب المعجزات، وبعد عن الحقائق العلمية التي أصبحت ثابتة والتي وصلت بالإنسان الى حد الدهشة والذهول.
فهل المقصود إظهار عجز الإنسان عن تفسير الخوارق، أو هو إلهاء له عن واقع الحضارة والتكنولوجيا المتفوقة..؟ أم هو إطلاق لرغبات مكبوتة عند الإنسان في أن يخرج المارد من القمقم ويظل مسيطراً عليه؟ لا.. فهذا المارد إن خرج فلا يمكن السيطرة عليه لأن فيه بذور تكاسل، وتخاذل، وانصراف عن الحضارة المتقدمة جداً التي نعيشها والتي هي حصيلة البشرية كلها خلال قرون وقرون.
ماذا يريد هؤلاء الذين يبثون السحر كما السم في الدسم؟.. هل يريدون أن يخرّبوا هذه الحضارة على يد الأجيال اللاحقة أم يريدون إلهاءهم عن التوثب نحو مزيد من العلم في فهم قوانين الطبيعة؟.. ولو كان للسحر قواعده وشروطه فلماذا لا تدور الأبحاث حول اكتشافها وعلى الأقل الاعتراف بها، ومن ثم إظهارها بترتيب معين للناس جميعاً دون خطأ؟
أما أن نقذف الأجيال في عوالم غامضة من السحر تشغلهم ولا تنفعهم وتضيف الى ابتعادهم عن معطيات العصر ابتعاداً آخر قد يؤدي بهم ربما الى الانفصام عن واقعهم وحتى الى الجنون أو الانتحار. فما هي قصة الصبي مثلا الذي خرج من لعبة الكمبيوتر بعد (36) ساعة فإذا هو يقذف بنفسه من دور علوي ليغدو حطاماً؟.. وما قصة الأفلام التي تكرس للسحر؟.. وما جدوى الألعاب التي يغرق بها صغارنا حتى تنطمس أعينهم، وينسون واقعهم، وقد يتناسون دراستهم ومستقبلهم؟.. بل ما هي قصة تلك اللعبة العجيبة (الرحلة الأطول) سواء في جزئها الأول أو الثاني حتى تفوز على كل الألعاب الإلكترونية الأخرى، وحتى يتحمس صانعوها لأن يتبعوا جزءها الأول بثان جديد يتفوق على سابقه في الإثارة، والسحر، والمبالغة، وبالتالي استلاب لاعبيها الى حد يمتزج فيه الواقع بالخيال كما السحر بالتكنولوجيا، وبحيث يصبح كل عنصر مكملا للآخر فلا ينفك عنه؟!
وهل نستطيع القول إنه وباء مثل الأوبئة التي تجتاح العالم كالإيدز، وأنفلونزا الطيور، مثلا؟
إن على المسؤولين عن تقدم الإنسانية وحرصها على التوازن أن يتنبهوا الى هذه الأخطار التي تتكاثر مثل الطحالب على شطآن البحار.. أم هي الشركات التجارية العملاقة التي تلتهم بغاية الربح كل ما تبقى للإنسان من إمكانية للخيال الحر المبدع والى آفاق التنوع في هذا الخيال على كل مستوى؟.. إذ ليس الخيال فقط مصدراً للإلهام الشعري، أو القصصي الروائي بل هو المصدر لما يمكن أن يكون عليه مستقبل البشرية في كل جوانب الحياة فيها.
ولسنا نحاول أن نحصي هذه الفنون من السحر، وهذه الجمعيات التي تتشكل في أنحاء العالم وقد تأخذ طابعاً دينياً، أو مذهبياً فإذا بالناس يلقون وراءهم بكل معتقداتهم ليلحقوا بهذا الركب الصاعد في الضباب بلا حساب.