في صورة المشهد الحالي ، فإن علاقات تركيا مع «محور الممانعة» قد انهارت. مع سورية ، حيث النجاح التركي الأبرز في السياسة الخارجية ، بلغ التدهور ذروته مع الانتقال من سياسة «فتح الحدود» إلى سياسة «فتح فوهات المدافع » وبات لسان حال هؤلاء التهديد والوعيد والإنذارات والفرص واعطاء الدروس وغير ذلك من لغةالاستعلاء، ناهيك عن الانخراط في الوضع السوري مباشرة من خلال احتضان المعارضة وصولاً إلى تبنيها ومن ثم الانتقال إلى المطالبة بتغيير النظام في سورية .
في الحقيقة ، ثمة خلفيات سياسية تقف وراء مجمل السلوك التركي إزاء الوضع السوري ، يمكن اختصارها بالآتي :
أولاً تريد تركيا حزب العدالة والتنمية كسر أو تغيير البوابة السورية من أجل أن تكون الجيوسياسة العربية مفتوحة أمام سياستها المضمرة (العثمانية الجديدة) بكل ما تحملها هذه السياسة من أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية ومذهبية وأمنية .
ثانياً : عامل التنافس،الصراع بين تركيا وايران، وفي ظل هذا التنافس ، فإن دعم الدور التركي يعد شكلاً من أشكال محاربة الدور الإيراني والاشتباك معه اقليمياً ، ومع صعود الحركات الإسلامية ولا سيما الإخوان المسلمين في الشارع العربي ، فإن حجم المطالبة العربية بدور تركي بدأ يأخذ طابع الاستنجاد بدولة اقليمية ، وهو ما تحاول تركيا استغلاله ولاسيما في الملعب السوري قضلاً عن تقديم نموذج حزب العدالة والتنمية للحكم.
ثالثاً: تركيا وبعد سنوات من الحديث عن نظرية صفر المشكلات والعمق الاستراتيجي والعودة إلى بنيانها الحضاري ، حسمت خيارها لمصلحة الانضمام إلى الحلف الغربي وعلينا ألا ننسى أن تركيا عضو مهم في الحلف الأطلسي ولها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وهي هنا تنطلق من نظرية المشاركة في الحدث واقتسام المغانم بدلاً من البقاء في مقاعد المتفرجين والانكفاء إلى الداخل .
منطق تركي يضعنا أمام ما هو أخطر في عدم فهم السياسة بأبعادها الكلية في الشرق الأوسط، وتحديداً في الحالة السورية . أي إن السياسة التركية التي لم تفهم أن صفر المشكلات لا يتحقق بفتح صفحة جديدة من دون حل مشكلات مزمنة في التاريخ والجغرافيا ، ما يعني أن مسألة إسقاط النظام لا يكون إلا بإسقاط منظومة علاقات اقليمية ودولية كاملة، جميع أطرافها عينها على الحدث لحظة بلحظة ويدها على الزناد .