وأجرى ديغار الذي كان يشغل منصب المبعوث الخاص السابق لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة دراسة ابرز فيها المعاملة التي كان يتلقاها المعارضون والمناضلون السياسيون لجنوب أفريقيا كما وأبرز أوجه التشابه بين نظامي الأبارتيد وإسرائيل . وفيما يلي ملخص تحليل البروفيسور ديغار :
ظلم السجناء السياسيين
لا تعترف إسرائيل بالفلسطينيين المنخرطين في نشاطات المقاومة ضد القمع الإسرائيلي بصفتهم مناضلين ومعارضين أو حتى سجناء « سياسيين » ؛ من أجل ألا تضفي على قضيتهم صفة شرعية ، إنما يعاملونهم بصفة «إرهابيين ومجرمين» أو معتقلين لأسباب مخلة بالأمن .
وعلى هذا النحو تعامل نظام جنوب أفريقيا مع نيلسون مانديلا وأمثاله من السجناء السياسيين. بالإضافة إلى ذلك ، ترفض إسرائيل أن تصف سجناءها السياسيين بالمناضلين ، وهو حال سجناء الحروب . كما وأنها لا تعترف بوجود صراع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني الذي يمارس حقه بتقرير المصير وتحقيق الاستقلال . حيث لا يمكن ملاحقة ومعاقبة سجناء الحرب كما يعامل المجرمون العاديون ، إنما على النقيض ، يمكن أن يحتجزوا حتى نهاية العدوان ، بعد ذلك يجب إطلاق سراحهم وإعادتهم للوطن .
وينص البروتوكول الأول لاتفاقية جنيف لعام 1949 تطبيق حالة سجين الحرب على أي عضو في مجموعة منظمة ضمن إطار الصراع « ضد الهيمنة الاستعمارية والاحتلال الأجنبي ، وضد الأنظمة العنصرية التي تمنعهم ممارسة حقهم في تقرير المصير » .
وبحسب هذا البند من حق الشعب الفلسطيني تقرير مصيره باعتباره خاضعاً لاحتلال أجنبي ولهيمنة استعمارية ، كما ينبغي الاعتراف بالصراع بين منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها حركة تحرير وطنية وإسرائيل باعتباره صراعاً دولياً يتطلب تطبيق معاهدة جنيف . وحسب أحد التصريحات ، فقد التزمت منظمة التحرير الفلسطينية بتطبيق بنود معاهدة جنيف “وبروتوكولها الأول” تماماً كما فعل الكونغرس الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا ANC . وذلك بالتزام العديد من المناضلين بالبنود المحددة لهذا البروتوكول باعتبارهم أعضاء في قوى منظمة تخضع لشروط احترام حقوق الإنسان العالمية .
المناضلون من أجل حرية
الشعب الفلسطيني ليسوا مجرمين
وتساوت إسرائيل , برفضها التوقيع على البروتوكول الأول لاتفاقية جنيف , مع نظام الأبارتيد في جنوب أفريقيا إلى حد بعيد . ولكن أوضح ديغار أن البروتوكول الأول أصبح جزءاً متمماً للحق الاتفاقي الدولي بعد أن وقعت عليه مئة وسبعون دولة، وبالتالي من المفروض أن تلتزم إسرائيل به , حتى وإن لم توقع عليه . لكن المحاكم الإسرائيلية رفضت ـ على نقيض واجباتها بمقتضى الحق الدولي الاتفاقي ـ الاعتراف بمناضلي المقاومة الفلسطينية باعتبارهم سجناء حرب ، عدا عن ذلك استخدمت في السنوات الأخيرة عذراً وهو أن المقاومين الفلسطينيين لم يتمكنوا من التقيد بقوانين الصراع المسلح وبهذا ليس لهم الحق بالحصول على حالة سجين حربي . والحقيقة أن هؤلاء كانوا قد اعتقلوا كسجناء حرب ، وقد يبقى وضعهم على حاله لغاية نهاية الاحتلال الذي قد يستمر لسنوات عديدة ، وبهذا قد يطلق سراحهم بنفس الوقت الذي يطلق فيه سراح من حاكمتهم المحاكم العسكرية الإسرائيلية بصفة مجرمين. في كل الأحوال، تعتبر الاتهامات الرمزية والسياسية لحالة سجين الحرب هامة . فسجناء الحرب لا يعاملون معاملة المجرمين لكن يعاملون باعتبارهم خصوماً لهم الحق بالمقاومة العسكرية ، واعتبارهم مدافعين عن الحرية وعن حق تقرير المصير ، والتي يضمنها لهم القانون الدولي.
المحاكم العسكرية
في ظل حكم الأبارتيد كانت تتم محاكمة مناضلي المؤتمر الوطني الأفريقي حسب القانون الجزائي ، الأمر الذي تمنحهم الفرصة لمواجهة خصومهم وعرض قضيتهم منحت قضايا كهذه فرصة للمناضلين لمواجهة خصومهم ولعرض قضيتهم في جلسات محاكمة سياسية . وضمن هذا السياق استخدم المناضلون الأفارقة في جنوب أفريقيا وناميبيا جلسات المحاكمة السياسية لصالح قضيتهم ، ودافع عنهم محامون قادرون ومؤيدون لقضيتهم في محاكم مفتوحة على العامة وبحضور الصحافة ومراقبين أجانب وبهذا استفادوا من قواعد الإجراء الواضح لمصلحة قضيتهم السياسية التي وضّحت القمع والتمييز الذي عاشوه في ظل الأبارتيد . هذا وقد مثل أغلب المناضلين الفلسطينيين أمام محاكم عسكرية ، بالرغم من حرص القانون الدولي الانساني على نزاهة المحاكم المدنية ، والمحاكم العسكرية مخصصة كاستثناء وليست كقاعدة ، بموجب الاتفاق الرابع لمعاهدة جنيف. لأن هذه المحاكم يترأسها قضاة عسكريون غير مستقلين ، يطبقون قوانين عسكرية لا يمكن الوصول إليها وبالكاد تشابه الإجراءات النظامية . بشكل عام ، لا يمكن للمقاومين الفلسطينيين مواجهة قوة الاحتلال أمام جلسات عامة وأمام قضاة نزيهين يطبقون القانون
النظام الإسرائيلي يقتل معارضيه السياسيين
والذين يرفضون مقارنة نظام القمع الإسرائيلي في الأراضي المحتلة للضفة الغربية وقطاع غزة بنظام الأبارتيد ، يدعون بفخر أن هؤلاء الفلسطينيين لا تنفذ بحقهم عقوبات إعدام , وأن إسرائيل ألغت من قوانينها عقوبة الإعدام .
وصحيح كان نظام الأبارتيد في دولة جنوب أفريقيا يقضي بالحكم إعداماً على السجناء السياسيين من قبل محاكم مدنية وليس عسكرية ، وذلك في قضايا كانت تطبق فيها إجراءات قانونية مناسبة . لكن الكثير من الفلسطينيين تم قتلهم في اغتيالات مستهدفة ، وإسرائيل ليست دولة عتقية ، إنما تمارس عقوبة الإعدام بطريقة تعسفية و كيفية دون أي محاكمة إن ظروف السجناء الفلسطينيين محرجة وغير إنسانية ، والقضايا التي ارسلوا من أجلها إلى السجون ظالمة ، كذلك التسميات المستخدمة بحقهم مهينة جداً ؛ مثل « مجرمون » و « إرهابيون » .