ولكن إذا كانت الجهة الحكومية المتضررة التي تمت سرقة جزء كبير من أموالها العامة, وبعد أن استصدرت أمراً بالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة للسارق نقول: إذا كانت قد شكلت لجنة مؤلفة من خبراء قانونيين وفنيين لتحديد أملاك سارق المال العام من أجل وضع إشارة الحجز عليها, لكن تلك اللجنة لم تكلف نفسها عناء البحث والتدقيق وتعاملت مع الموضوع بإهمال شديد فأصدرت رأيها (الخاطئ والناقص) عبر جداول تم رفعها إلى الجهات الوصائية والتنفيذية, التي بدورها أصدرت أحكامها بالحجز بناء على جداول اللجنة تلك.. إذا كانت جداول اللجنة..
ونتيجة الإهمال واللامبالاة قد ضيعت على الخزينة العامة للدولة عشرات ملايين الليرات.. وإذا كانت جداولها (الخاطئة والناقصة) هي السبب الأساسي والوحيد في سلب عدد كبير من الأسر لمنازلهم وممتلكاتهم ومن ثم الإلقاء بهم على قارعة الطريق.. إذا كان ذلك كله صحيحاً بالوثائق والأدلة فما هو موقف القانون من تلك اللجنة إذا أراد إنصاف الجهة الحكومية التي ضاع عليها عشرات الملايين وكذلك إذا أراد إنصاف الأسر التي ضاعت ممتلكاتها ومساكنها وأصبحت على قارعة الطريق?!
قبل الدخول في التفاصيل تجدر الإشارة إلى أن رئيس تلك اللجنة التي تسببت بكل تلك المصائب قد تمت ترقيته فيما بعد .. وهو الآن يشغل منصب مدير عام للشركة الحكومية التي ضاعت أموالها مرتين.. مرة بسبب السارق ومرة بسبب إهمال ولا مبالاة تلك اللجنة التي كان المدير الحالي رئيساً لها.
غريب.. ومثير
أما تفاصيل الموضوع الغريب والمثير والمحزن فتقول: إن وزارة النفط- شركة محروقات وإثر اكتشافها سرقات تتجاوز قيمتها (مليار ل.س) شكلت لجنة من خبراء قانونيين وفنيين تتبع لها ولجهات حكومية أخرى مهمتها تحديد أملاك سارق المال العام المدعو (ن.ع) وزوجته (م.ق) وشقيقه (ع.ع) وذلك لاستصدار أمر بالحجز عليها استرداداً للأموال العامة التي تمت سرقتها وتفعيلاً للقرار القاضي بالحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة للمذكورين آنفاً.
اللجنة التي تم تشكيلها حددت تحديداً واضحاً من بين أملاك المذكورين العقار ذي الرقم (846) ببيلا وهو موضوعنا هنا لما وقع عليه من إشكالات واجتهادات فيما بعد ونظمت فيه جدولاً كما يلي:
اسم العقار: صالة المستقبل الرياضية- المنطقة العقارية ببيلا (328) متراً مربعاً.
رقم العقار: 846 المالك الفعلي : »م.ق) المالك الحقيقي حسب السجلات العقارية »ن.ع) و »ع.ع) حصة سهمية بالكامل »الوثيقة موجودة لدينا).
وبناء على ذلك الجدول الذي نظمته اللجنة ورفعته إلى الجهات المعنية تم إصدار الأمر رقم 150/9/2 تاريخ 4/7/1999 الذي قضى بالاستيلاء على العقار المذكور »صالة المستقبل الرياضية- المساحة: 328 متراً مربعاً) ومن ثم قامت لجنة الأموال المستولى عليها عرفياً بمحافظة ريف دمشق بتشميع الصالة الرياضية ووضعت عليها إشارة الحجز حسب الأصول.
»بعد ثماني سنوات.. لجنة ثانية وتوصيات خاطئة)
يذكر أن العقار 846 الذي تشكل مساحته 328 متراً مربعاً حسب السجلات العقارية ومحضر اللجنة الحكومية القانونية والفنية »صالة المستقبل الرياضية) تقع فوقه وبشكل طابقي ثلاث عشرة شقة سكنية وخمسة محلات تجارية تبلغ مساحتها ألفي متر.. ولأن جدول اللجنة الحكومية وقرار الحجز حددا تحديداً واضحاً لا لبس فيه ولا غموض العقار»846) بالصالة الرياضة فقط لاغير ولم يأتيا على ذكر الشقق السكنية والمحلات التجارية لا تصريحاً ولا تلميحاً.
تتالت البيوع ولا اعتراض
لذلك كله تتالت البيوع منذ ذلك التاريخ على تلك الشقق والمحال دون اعتراض بأي شكل من الأشكال من أي جهة رسمية بما فيها وزارة النفط ومحافظة ريف دمشق..لا بل إن بعض الحذرين »الحويطين) قد راجعوا محافظة ريف دمشق قبل شرائهم شققهم.. واستوضحوا منها الوضع القانوني لتلك الشقق.. وكان الجواب دائماً واضحاً أيضاً لا لبس فيه: »إن الحجز يشمل الصالة الرياضية فقط.. أما باقي الشقق والمحال فلا يوجد أي قرار بالحجز عليها وأن وضعها القانوني سليم).
وهكذا بقيت الحال لمدة ثماني سنوات والناس يشترون في ذلك البناء بيوتاً على الهيكل ويقومون بكسوتها .. وبعض الشقق تم بيعها أكثر من ثلاث مرات إلى أن حصل أمر في غاية الغرابة.. بل هو أشبه بالأفلام.. دعا الجهات المعنية إلى تشكيل لجنة أخرى لتحديد عائدية الشقق السكنية فوق العقار وكذلك المحال التجارية وتنظيم جدول جديد بذلك.
رأيان متناقضان
وقبل الحديث عن الأمر الغريب أحب أن أشير إلى أن اللجنة الثانية التي تم تشكيلها عام 2007 لم تكلف نفسها عناء البحث والتدقيق أيضاً فأخذت طريقاً معاكساً تماماً لعمل اللجنة الأولى التي تشكلت عام 1999 وتطرفت كثيراً في رأيها وتوصياتها وسيتم توضيح الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه.. ولكن قبل ذلك سنتحدث عن الأمر الغريب الذي دعا جهات حكومية لتشكيل لجنة ثانية.
إنها قصة مؤلمة وقد تكون مضحكة للبعض لكنها في كل الحالات تبين طبيعة الإهمال والمحسوبيات في الدوائر والمؤسسات الحكومية.
» شكوى الطبيب المدعوم.. سبب تشكيل اللجنة)
تقول القصة إن الدكتور ب.ق كان يستأجر عيادة تقع ضمن البناء المذكور وإنه في الفترة الأخيرة اختلف مع مالك العيادة المحامي »س.م) »نسيب المحجوز على أمواله ن.ع), وطبيعة الخلاف أن الدكتور »ب ) أراد تجديد عقد إيجار العيادة مع المحامي »س) لكن الأخير رفض تجديد العقد عارضاً عليه شراءها.. وبين أخذ ورد تقدم الدكتور بعدة شكاوى إلى محافظة ريف دمشق ووزارة النفط »الشكاوى مسجلة لدى الجهتين) بحق صاحب العيادة وقانونية تملكه لها كون العقار مستولى عليه وكانت تلك الشكاوى الانتقامية التي تشير إلى إشكالات قانونية في مضمونها حول عيادة في البناء .. إشكالات قانونية يدركها الطبيب ولا يستشعرها مجرد استشعار رجال القانون وخبراؤه في اللجنة التي تشكلت عام 1999 ولا الجهات المعنية الأخرى وخاصة المسروقة أموالها خلال ثماني سنوات رغم وجود أقسام ودوائر قانونية لديها!! نقول: كانت تلك الشكوى كافية لفتح العيون المغمضة في جهات عدة.. ومن ثم لاستنفارها لتحمل راية تحرير تلك العيادة.
وبالدخول بالتفاصيل أكثر فإنه وعلى أثر تلك الشكاوى قام مدير الشؤون القانونية بوزارة النفط السيد »ع.ج) بالاتصال بمحافظة ريف دمشق لضرورة وضع اليد على كامل الشقق والمنشآت الواقعة على ذلك العقار .. فترد عليه المحافظة: نحن لا نتعامل مع الاتصالات الهاتفية بل مع الكتب الرسمية فيرسل لها كتاباً رسمياً لتشكيل لجنة جديدة.
وهنا أحب أن أشير وبمنتهى البراءة إلى أن من يشغل مدير العلاقات العامة في وزارة النفط هو السيد »أ.ق) عم الدكتور »ب.ق).
ما بني على خطأ فهو خاطئ
وبالعودة إلى الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه اللجنة الثانية التي تم تشكيلها من خبراء قانونيين وفنيين نذكر أنها رأت أن جميع الشقق الثلاث عشرة وكذلك المحال الخمسة تعود ملكيتها للمدعو »ن.ع) وذلك دون أن تكلف نفسها طلب وثيقة من أحد السكان تثبت أو تنفي ملكيته لشقته أو محله فهل يمكن لعاقل أن يصدق ذلك?. لكن هذا ما حدث بالفعل وقد يقول قائل: لماذا يتعبون أنفسهم في البحث والتدقيق إذا كانوا على يقين أن أحداً لن يسألهم إن أخطؤوا مهما كانت النتائج التي تبنى على أخطائهم?.. فنقول له:كلامك صحيح.
أمر جديد بالاستيلاء على البناء بالكامل
وبالنتيجة فإن توصيات تلك اللجنة تم اعتمادها بكتاب رسمي من قبل وزارة النفط حمل الرقم461/6 /ب/21/2/2007 وتم إرساله إلى الجهات المعنية لإصدار أمر جديد بالحجز على البناء بجميع منشآته الطابقية والشقق والمحلات المشيدة عليه..وكان ذلك,حيث صدر الأمر رقم 93/6/2/ بتاريخ 1/3/2007 القاضي بالحجز على كامل البناء بجميع منشآته,الأمر الذي شكل صدمة لأصحاب الشقق والمحلات الذين لجؤوا إلى الجهات المعنية مبرزين وثائق وأحكاماً قضائية تثبت ملكيتهم لعقاراتهم التي يتم الحجز عليها.
لجنة جديدة لدراسة الوثائق
جرت اتصالات إثر ذلك بين محافظة ريف دمشق ووزارة النفط استقر الرأي من خلالها على تشكيل لجنة قانونية -فنية لدراسة الوثائق التي تقدم بها سكان ذلك البناء..»وذلك منعاً للإحراج مستقبلاً أمام القضاء والدخول في متاهات نحن في غنى عنها) .
وبناء على تلك الاتصالات والمشاورات تم إصدار الأمر الإداري رقم 1552/ص تاريخ 24/6/2007 تم تشكيل لجنة مهمتها دراسة وثائق الملكية السابقة لتاريخ صدور أمر الاستيلاء الأول الصادر بتاريخ 4/7/1999 وقررت صحة وثائق إثبات الملكية السابقة لتاريخ 4/7/1999 شرط أن تكون مكتسبة حكماً قضائياً قطعياً أو مسجلة لدى كاتب العدل أو العقود المصالح عليها لدى الدوائر المالية..(كل ذلك يجب أن يكون قد حصل-الحكم القضائي القطعي والتسجيل لدى كاتب العدل والمصالحة المالية-يجب أن تكون سابقة لتاريخ 4/7/1999).
-أما العقود والوثائق الأخرى التي لا تنطبق عليها الشروط السابقة فلم تأخذ بها اللجنة واعتبرتها كأنها لم تكن حتى وإن كان تاريخ إبرام العقد-مثلاً- بين الشاري والبائع يعود إلى عام 1996-وإن كان مكتسباً كذلك حكماً قضائياً ولكن صدوره جاء بعد 4/7/1999-وهناك كثير من هذه الحالات,وحددت جدولاً بأسماء الأشخاص الثابتة ملكيتهم.
كما قررت تلك اللجنة مخاطبة الجهات المعنية لرفع الحجز والاستيلاء عن ملكيات الأشخاص الثابتة ملكيتهم.
يذكر أن العقارات التي رأت الجنة صحة ملكية أصحابها لها تضمنت شقتين سكنيتين فقط,والباقي عبارة عن محال تجارية.وبناء على توصيات اللجنة تم إصدار الأمر رقم 853/9/2 الذي قضى برفع الحجز المفروض على الشقتين وعدد من المحال, وذلك بتاريخ 22/10/.2007
ماذا يقول المتضررون?
خالد كايد: ثلاثة عشر عاماً ونحن نقطن في منازلنا التي اشتريناها بكدنا وعرقنا ولا نملك سواها.. ما الذي تغير الآن?وكل منزل يضم بين خمسة وعشرة أشخاص... أين سنذهب وما البديل?!..
وداد رحيل: اشتريت شقتي على الهيكل من (ن - ع) عام 1996 قبل صدور أي أمر بالاستيلاء على أي من أملاك (ن - ع), وبمساعدة أهل الخير قمت بإكسائها لإيواء أطفالي الستة ولا سيما أنني لا أعمل وفيما بعد وخشية أن يتم تشميل شقتي بأمر الاستيلاء سارعت لرفع دعوى قضائية وحصلت على حكم قضائي يثبت شرائي للشقة واكتسب الحكم الدرجة القطعية.
وأتساءل كيف تم رفع الاستيلاء عن بعض الشقق وقد اشتريت شقتي قبل شراء هذه الشقق بعامين? وأضافت هل يتوجب عليّ دفع ثمن خطأ ارتكبه رجل واحد?.. وما مصيري أنا وأولادي وهل نفترش الأرض?!..
مجيد عبود: اشترى الشقة وسافر خارج القطر وملكيتها باسمه, وحالياً تشغلها عائلة فقيرة لاحول لها ولا قوة.
محمد حجازي:اشتريت المنزل عام 2001 وخلال متابعة إجراءات نقل الملكية سألت المحافظة- مكتب الاستيلاء فأكدوا لي أن الإشكال والاستيلاء يقع على الصالة الرياضية فقط أما باقي الأبنية السكنية فلا علاقة للمحافظة بها نهائياً والدليل أنها لم تحجز ولم تشمع إلا الصالة ولو كان على الشقق خلاف لصدر أمر بالاستيلاء عليها وتحديدها بالمساحة والاسم.
عجبي ...!!
السيدة وداد رحيل اشترت شقتها حسب العقد بتاريخ 25/6/1996 وصالحت عليها مالياً بتاريخ 13/10/1999 وثبتت عقد البيع بحكم قضائي صادر عن محكمة ب.م ببيلا برقم أساس 386 تاريخ 15/10/2000 لكن اللجنة لم تأخذ بذلك.
تم الحجز على الصالة الرياضية بتاريخ 4/7/1999 ولم يتم استثمارها إلا في عام 2005 الأمر الذي هدر أجور استثمار ست سنوات, فأين الحرص على الأموال العامة..?!
مدير الشؤون القانونية بوزارة النفط قال:»الأبنية الطابقية فوق أي عقار تعود لصاحب العقار مالم يثبت ساكنوها عكس ذلك). أين كانت هذه القاعدة عن خبراء اللجنة القانونية التي تشكلت عام 1999?!
هل يعقل أن يتحمل مواطنون أبرياء أخطاء لجنة رسمية مؤلفة من خبراء قانونيين وهل ينحصر ذنبهم أنهم صدقوا قراراتها?!..
أحد القانونيين قال إن صحيفة العقار رقم /846/ غير مصححة بالسجلات العقارية.
كان يتوجب على وزارة النفط إقامة دعوى قضائية على اللجنة التي شكلتها عام 1999 لأنها إن صح حجزها الحالي على البناء تكون قد ضيعت عوائد إيجار إحدى عشرة شقة وعدد من المحال مدة ثماني سنوات.
اللجنة هي التي حددت العقار بالصالة فقط دون الشقق وهذا سبب الخلل واللجنة تتحمل المسؤولية وإذا كان القانون لا يحمي المغفلين فإنه لا يحمي أيضاً لجاناً أو جهات ما.
أحد القانونيين قال:إن عدم أخذ اللجنة التي درست وثائق الملكية بالعقود المبرمة بين البائع والشاري قبل تاريخ 4/7/1999 يقوم على الناحية الظنية بعدم النزاهة ويمكن التدقيق بتوقيع البائع الذي دخل السجن عام 1999 لأنه لن يستطيع توقيع عقود بعد ذلك التاريخ إضافة إلى إمكانية النظر قانوناً بشهادات الشهود.