|
حين لا ينفع الندم فضائيات ولكن المثير للدهشة أن الإعلام المرئي المنوط به المساهمة في تشكيل الرأي العام للمشاركة في مواجهة كل هذه القضايا يحيا في كوكب آخر, وإن كنا لا ننكر بعض الجهود الفردية لقنوات فضائية عربية, الأمر الذي يشعر معه المشاهد بأن هناك من اختطف الإعلام العربي لتغييبه عن حاضره, وشغله بالتفكير في متعة تسلية اللحظة, وبالتالي ينسلخ ببطء عن واقعه, ويفقد الأمل في مستقبله, ثم نجد أنفسنا نعود ونتساءل بعد (خراب مالطة) عن الحاجة إلى إصلاح الإعلام وتطويره. هل أصبحت مادة الترفيه وبرامج التسلية هي الاستراتيجية الإعلامية العربية للقرن الحادي والعشرين? وما التداعيات والنتائج المترتبة على ذلك? ومن المسؤول عن اختطاف الإعلام العربي? وهل نجحت الفضائيات العربية قديمها وجديدها, في تشكيل رأي عام للمواطن العربي تجاه قضاياه المصيرية التي تواجه أمنه الوطني والقومي? ما الدور المطلوب من الإعلام المرئي أن يؤديه? وكيف نحققه? ومن المسؤول عن صياغة الخطاب الإعلامي العربي في جميع المجالات? أسئلة كثيرة تتراكم في محاولة لفهم ما يحدث حتى يمكننا فهم ما يجري على شاشات التلفزة العربية من جانب, وما يجب عمله لتحرير الإعلام العربي من قبضة مختطفيه. نقر ونعترف أن الترفيه رسالة مهمة للإعلام وخاصة المرئي منه, ولكنها ليست كل شيء.كما أننا في حاجة إلى التسلية حتى لا نكتئب من جراء ما يحدث لنا نحن العرب من محنٍ وأزمات, ولكن برامج التسلية حالياً تتسم بالتفاهة والإسفاف, لذلك أصبحت إشغالاً لوقت المشاهد بلا فائدة ثقافية أو علمية أو ترفيه, ورغم ذلك تركز معظم الفضائيات العربية على هذه النوعية من البرامج. من المعروف أن للتلفزيون أربع مهام أساسية تشمل التغطية الإخبارية, والثقافة, والترفيه, وتوعية الرأي العام, ولكن معظم القنوات جرى اختطافها من جانب برامج الترفيه والتسلية والبرامج الإخبارية المشوهة, ومن المعروف أن برامج الترفيه والتسلية تشغل حالياً ما نسبته 73% من ساعات الإرسال اليومية لمعظم الفضائيات العربية, على الرغم من أن معظمها إما تقليد أو استنساخ ضعيف لبرامج أجنبية. وإذا كان الرد بأن الإعلام المرئي يغطي الأخبار من خلال منظومة متكاملة من المراسلين, والمتابعة المستمرة لعرض الأخبار, فإن الرد الواقعي أن الأخبار وحدها ليست الطريق الصحيح لصياغة الرأي العام تجاه قضايانا الأساسية, كما أن اختزال الاهتمامات العربية في قضيتين فقط هما فلسطين والعراق ترف صعب قبوله, في ظل وجود قائمة مطولة من القضايا المصيرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. لقد تفاءلنا عندما شهدنا الصحوة الفضائية العربية والسعي إلى التطوير والمنافسة, ولكنها كانت ولا تزال في الاتجاه الخاطىء, بعد أن أصبحت التسلية هدفاً استراتيجياً لإشغال المشاهدين عن قضاياهم وباتت المهرب من عدم توافر عناصر إعلامية قادرة على التصدي لمناقشة الموضوعات المهمة, لقد أصبح التقديم وإدارة الحوار مهنة من لا مهنة له, والكل يسعى للظهور على الشاشة الصغيرة, دونما تأهيل أو إعداد أو توافر خلفية ثقافية كافية للقيام بهذه المهمة. لقد فشلت معظم الفضائيات العربية في التعبير عن مصالحنا الاستراتيجية, وتبنت برامج تعتمد على تصورات خاطئة وخادعة للرسالة الإعلامية المنوط بها أداؤها, ومن هنا تبرز أهمية سرعة التوصل إلى حل ناجح لاستعادة إعلامنا المرئي لخدمة أمننا القومي. وأعتقد أن هناك خطوات عدة يجب أخذها بعين الاعتبار حتى يمكننا تخليص الفضائيات من قبضة مختطفيها. أولاً: ضرورة وضع استراتيجية إعلامية واضحة تحدد الهدف المراد تحقيقه من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة, ومن ثم تطرح الإطار العام والتوجهات الرئيسية لتحقيقه, على أن يشارك في وضع هذه الاستراتيجية جميع المسؤولين عن وسائل الإعلام سواء التابعة للدولة أو ذات الملكية الخاصة. ثانياً: طرح سياسة إعلامية تهدف إلى تطوير الخطاب الإعلامي, ونشر ثقافة الحوار, والعمل على تأهيل القائمين عليه وتوعيتهم بالقضايا والموضوعات المحلية والاقليمية والعربية والعالمية المؤثرة على حاضرنا ومستقبلنا. ثالثاً: أن تكون هناك خريطة واضحة للبرامج بأنواعها المختلفة, تبنى على أساس تحقيق التوازن بين كل الأهداف الإعلامية المراد تحقيقها من خلال منظومة متكاملة من الإعلاميين والفنيين بمختلف تخصصاتهم. رابعاً: الاهتمام ببرامج الحوار المرئي بنفس قدر الاهتمام ببرامج التسلية, والكف عن الاستنساخ والتقليد المشوه للبرامج الأخرى من عربية وأجنبية. خامساً: وجود قدر من الحرية الإعلامية يزيد من حدود النقاش وتعدد الآراء, ويتيح للمشاهد فرصة أكبر للتعرف على جميع وجهات النظر من دون قيود أو محددات على فكره و رأيه. إن مانريده ليس ترفاً إعلامياً بل يصب في صميم بناء الإنسان العربي وصياغة منظومة قيمه السياسية والاجتماعية والنفسية, لذلك فهو أمر مرتبط بصورة مباشرة بأمننا القومي, ومن ثم يحتاج إلى مزيد من الاهتمام به وتخليصه من مختطفيه, حتى لا نندم في المستقبل عندما نجد إعلامنا قد أصبح مسخاً يفتقد إلى الهوية والتوجه وحينها لن ينفع الندم.
|