وراعي المفكرين والشعراء والفلاسفة, والبنّاء في حقل العمران,والشاعر الناقد الأديب, والبطل العربي الذي وقف عشرين عاماً يدفع الروم عن حدود الدولة العربية.
ولد سيف الدولة في ذي الحجة من عام 303 هجري/915 ميلادي وقيل في سنة 301 هجري /913 ميلادي, وتوفي يوم الجمعة من شهر صفر عام 356 هجري/968 ميلادي, فيكون قد عاصر السنوات الأخيرة من فترة التسلط التركي التي ابتدأت بمقتل المتوكل عام 347 هجري/861 ميلادي وانتهت بدخول بغداد عام 432 هجري/946 ميلادي وبدء تسلطهم على شؤون الدولة في بغداد, وتنتسب أسرته إلى جدها (حمدان) من قبيلة تغلب التي كانت تعيش في الجزيرة الفراتية.
أسس سيف الدولة إمارته في حلب والتي تضم سهول سورية الشمالية, وإقليم أنطاكية وتخوم طوروس العسكرية, وقسماً من أعالي ما بين النهرين, أما علاقاته بالخليفة العباسي فقد كانت (بروتوكولية) محضة, لا تعيقه البتة عن حرية الحركة, فأقام مع الروم وقائع ومعارك كثيرة وطاحنة, انتصر في بعضها انتصاراً ساحقاً كما حدث حول مرعش سنة 341 هجري, وفي غزواته للروم سنة ,342 وحول حصن الحدث سنة ,343 كما انكسر في بعضها الآخر سنة 337 و سنة 339 التي نجا منها بأعجوبة, وكانت أكبر هزيمة له سنة 351 حوالي حلب, والتي تم بعدها للروم دخول المدينة وتخريبها وتهديمها.
إلا أن تلك الهزائم لم تنزل الرعب في قلبه, وكان دائماً يجمع قواه ويعاود القتال, إذ إنه بعد هزيمته الأخيرة في سنة 351 وكان قد أصيب بشلل في يده وقدمه, قام وحارب الروم وذلك في سنة 353 وألحق بهم هزيمة لم يكونوا يحسبون لها حساباً.
ومن مزايا سيف الدولة الهامة كثرة ما اجتمع حوله من رجال الفكر والأدب واللغة والدين والفن والشعر, وترتفع مزاياه أكثر حين نتذكر أنه كان فناناً وبناءً وإنساناً, فلقد كانت خيمته من ديباج صور عليها مختلف التصاوير, وكان يبني بسرعة ما يهدمه العدو من أسوار أو قلاع, كما كان صاحب (قصر الحلبة) الذي عد في زمانه من أبهى القصور ويقع غربي (باب الجنان) على بعد كيلو متر منه, وكان سيف الدولة قد عمل له أسواراً, وأجرى نهر (قويق) فيه من تحت الخناقية من الموضع المعروف بالسقايات حتى يدخل في القصر من جانب ويخرج من جانب آخر, وقد خربه (نقفور) الروم سنة 351 هجري في هجومه على حلب التي غدت أيام سيف الدولة مقصد الوفود, ومطلع الجود وجلبة الشعراء, فاجتمع على بابه ما لم يجتمع بباب أحد من الملوك -بعد الخلفاء- ما اجتماع من شيوخ الشعر ونجوم الدهر.
والشعراء الذين اتصل بهم سيف الدولة وجمعهم في حلب كثيرون, أشهرهم أبو فراس الحمداني وأبو الطيب المتنبي الذي عاش في كنفه ثمانية أعوام, خصه فيها بالجيد من شعره, وكذلك جمع العلماء, كالطبيب الفلكي عيسى الرقي, مترجم كتب سريانية إلى العربية, والفيلسوف الفارابي, وأسس أول مكتبة عربية في حلب, ووقف عليها عشرة آلاف مجلد, وكان يحمل في غزواته مجلدات, وهناك رواية تقول إنه فقد في إحدى المعارك خمسة آلاف ورقة بخط ابن مقلة, لذا ليس غريباً على صاحب (الأغاني) أبي الفرج الأصفهاني أن يهدي النسخة الأولى من كتابه هذا إلى سيف الدولة, فيرسل إليه مبلغ (ألف دينار) معتذراً من الأصفهاني عن ضآلة المبلغ قياساً إلى كتابه العظيم هذا.
لم يعمر سيف الدولة طويلاً, فتوفي في حلب سنة 356 من عسر البول, جيء بجثمانه إلى (ميا فارقين) ودفن في مقبرة والدته خارج المدينة, وكان قد جمع من (نفض الغبار) الذي يجتمع عليه في غزواته شيئاً, وعمله (لبنة) أوصى أن يوضع خده عليها في قبره, فنفذت وصيته.
صادر عن وزارة الثقافة/دمشق 2007