تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


محاضرة.. شآم يا بنة ماض حاضر أبداً كأنك السيف مجد القول يختصر

ثقافة
الأربعاء 6-7-2016
فاتن أحمد دعبول

هي الأيام الخوالي دائما تشدنا اليها بما تحمله من ذكريات الطفولة ورفاق الصبا والشباب والعائلة الكبيرة، كل ذلك في بلاد هي أشبه بمدينة الأحلام، حيث الطبيعة الجميلة والأبنية الدافئة والآثار التي تحكي عراقة شعب وأمجاد أمة.

هي الشام ورغم عاديات الزمن احتفظت بروعتها، ولايزال لأسواقها الظليلة المزدحمة طعم الشرق ورائحته النفاذة وألوانه النضرة.‏

الدكتور صادق فرعون وضمن نشاطات مجمع اللغة العربية الدورية قدم محاضرة بعنوان «مجتمع الشام بين الأمس واليوم» بانطباعات شخصية يصف فيها الشام كيف كانت مدينة صغيرة آمنة ومنطوية على ذاتها بحب وحنان، تقع وسط جنة واسعة وفسيحة تحيط بها من كل جانب اسمها الغوطة.‏

كانت البيوت تتألف من طابقين وتضم عادة الجد والجدة والبنات والاولاد والأحفاد، ثلاثة أجيال تعيش في جو من المحبة والحنان والتفاهم والتعاون الذي لايمكن أن يدرك سحره وجماله إلا من عاش فيه، كان الحب يضفي على ذلك البيت السحري جوا من السعادة والطمأنينة والمحبة والأمان.‏

كان البيت عالما متكاملا ومتآلفا ومنسجما ترين عليه المحبة والألفة، ولكن ماإن تخرج من ذلك البيت السحري حتى تتلقاه الحارة التي تؤوي العديد من البيوت والعائلات المتحابة والمتآلفة لتشكل أيضا عائلة وخلية واحدة أكبر من سالفتها «بيت جبري، بيت المنير، بيت الدكتور كيال» لقد كانت الشام عائلة كبيرة واحدة يخيم عليها كلها الحب والتسامح والتراحم والتآزر.‏

وللأسف يرى فرعون أن ذلك العالم السحري الجميل قد اختفى وتلاشى، وأن العالم اختلف تماما من حوله، وباتت القيم مختلفة فالإنسان أصبح يقدر بما يملك من المال، ومايملكه من أبنية وشركات وتجارات رائجة ورابحة «أنت تملك دولارا إذن أنت تسوى دولارا» وأصبحت الابتسامة لها ثمن، واللطف له غاية، ويندر أن يزور جار جاره وأن يعوده وإن مرض، إلا إذا كان هناك غرض ما من الزيارة.‏

ويعرض بدوره لأخلاقيات وسلوكيات تستحق أن نفخر بها لأنها كانت تسم العلاقات الإنسانية بالمحبة والإيثار والتعاون والتكافل الاجتماعي الذي يقرب الناس من بعضهم ليكونوا أسرة واحدة في السراء والضراء.‏

ويتساءل فرعون هل من أمل أن تعود الغوطة الى خضارها الساحر القديم، وأن يعود إنسانها إنسانا حيا أصيلا مفعما بالحب والطيبة والحنان بعدما أماتت روحه الطيبة أمراض العصر الحديث؟‏

كل شيء ممكن على هذه الأرض عندما تعود قلوب البشر وعواطفهم الى طبيعتها البشرية النقية، ولكن كي تتحقق مثل هذه الأمنية الرائعة علينا جميعا أن نعيد بناء مجتمعنا على المحبة والتآخي والتسامح ونبذ كل أشكال الحسد والتنافر والتناحر، أي علينا جميعا أن ننقي نفوسنا جميعا من تلك الجرثومة الخطيرة والقاتلة الآتية من الغرب المادي الذي لايؤمن ولا يأبه بأي مثل أخلاقية وإنسانية والتي تسيطر عليه المادية النتنة.‏

كم كانت غوطة دمشق جميلة وساحرة ونقية، وكم كانت الشام حلوة وساحرة وخضراء، وكم كان أهلها مفعمين بالحب والعطف والمودة والصفاء، وهذا لايعني أنها فقدت الآن سحرها وجمالها، لأن الشام دائما متجددة ونضرة وخلف كل كبوة قيامة كبرى، فالأصالة متجذرة في ربوعها والجمال يتألق في كل أنحائها، وستبقى الشام ابنة الماضي الحاضر أبدا، وكأنها السيف مجد القول يختصر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية