الأولى والثانية إلى موسكو في العامين الماضيين, حيث كانت لقاءاته قيادتي البلدين بمثابة حجر الأساس لمرحلة جديدة من التعاون الفعال وتحديد الإطار الصحيح في كل المجالات السياسية منها والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
حديث السفير الروسي جاء في محاضرة ألقاها في كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق, والمعهد الوطني للإدارة بعنوان (السياسة الخارجية الروسية تجاه الشرق الأوسط) وتمحورت حول موضوعين:
الأول: المبادئ الأساسية للسياسة الروسية.
الثاني: منطقة الشرق الأوسط وأهميتها بالنسبة لروسيا.
في الموضوع الأول تحدث السيد السفير عن أن روسيا تعتبر استمراراً للاتحاد السوفييتي من وجهة نظر القانون الدولي والكلمة المستعملة باللغة العربية (الوريث) لكن للتدقيق الوضع أكثر من ذلك, فروسيا هي استمرار للاتحاد السوفييتي مع كل الالتزامات والواجبات والحقوق التي تعود للاتحاد السوفييتي. لذلك ورثت روسيا من الاتحاد السوفييتي مكان العضو الدائم في الأمم المتحدة وبقيت طرفاً في كل المعاهدات الدولية والهيئات العالمية. لذا روسيا لا تزال طرفاً في اتفاقيات ثنائية مع أميركا فيما يتعلق بالأسلحة النووية والتقليدية وهذه الاتفاقيات تضمن الإدارة العامة للأمن في العالم والسلم الدولي. وهذا لتفسير مكانة روسيا في العالم والمسؤوليات الجسام التي تقع على عاتق روسيا شئنا أم أبينا لأنها تشكل عنصراً رئيسياً في الخارطة الجيوسياسية.وأضاف: نحن تجاوزنا الحقبة الصعبة ومع بداية الألفية الجديدة دخلت روسيا مرحلة جديدة.
وصف المرحلة
قال السفير الروسي: نحن نريد أن تبنى السياسة العالمية في هذه المرحلة على أساس تعددية مراكز القوى والنفوذ السياسي في العالم ونعتبر أن القطب الأحادي لا يخدم المصلحة العالمية ويؤدي إلى احتكار المصالح في دولة واحدة ويؤدي إلى اختلال في موازين القوى. ونحن نمارس سياستنا على هذا الأساس ونحاول إقناع الآخرين بقبول ذلك لأن ذلك لصالح الجميع, وأننا نسعى لأن يكون العالم المعاصر خالياً من الأحلاف العسكرية والتكتلات السياسية لأن وجودها يؤدي إلى محاولات الهيمنة من قبلها على الآخرين وإخضاع الدول المستقلة لرغبة الآخرين وهذا أمر غير مرغوب به. ونرى أن الأمم المتحدة كهيئة دولية شمولية لابد أن تلعب دوراً أساسياً في إقرار الأمن في العالم ونحن نولي الاهتمام بها.
وهناك نقطتان مهمتان:
1- الجدل حول الايديولوجية والسياسة الخارجية: في آخر سنوات العهد السوفييتي كان الجدال الواسع حول نزع المذاهب الايديولوجية ونزع السياسة عنها, وكان المقصود الايديولوجية الشيوعية, والطارحون لذلك الشعار كانوا يصورون الأمر على أن السياسة الخارجية لابد أن تكون محررة من أي فكر ايديولوجي, وهذا غير صحيح وبرأيي لأن السياسة الخارجية تبنى على التفكير وعلى أساس ايديولوجي, لكن السؤال هو حول ماهية الايديولوجية? البعض يحاول وصف السياسة الخارجية الروسية بالبراغماتية وهذا الوصف لا أتصور أنه يصف سياستنا بشكل سليم ونحن نستعمل أحياناً العبارة العقلانية في الوصف طالما ليست هناك عبارة أفضل منها.
2- المقارنة بين المرحلة الحالية في العلاقات الدولية ومرحلة الحرب الباردة أو الصراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي. والسؤال: أي مرحلة كانت أفضل من الثانية? أنا اجتمعت مع المعنيين في سورية والعالم العربي ولاحظت أن أكثرهم يعتبر أن المرحلة الماضية كانت أفضل لاعتبارات عديدة وأنا لا أوافق على هذا الطرح. المرحلة السابقة لو نظرنا إليها كنظرة فلسفية هي ليست أفضل أو أسوأ ولا يمكن وصفها بعد زوال الصراع بين المعسكرين والظروف تغيرت بشكل جذري ولابد من استعمال وسائل سلمية جديدة للدفاع عن المصالح الوطنية على الساحة الدولية.هذه الأهداف التي تشكل الركائز الرئيسية للسياسة الروسية الحاضرة
* الشرق الأوسط في السياسة الخارجية الروسية:
منطقة الشرق الأوسط منطقة مجاورة لروسيا وتعتبر من المناطق التي فيها مصالح حيوية لروسيا حالياً خصوصاً أن معظم الدول الواقعة فيها تربط بينها وبين روسيا علاقات ومصالح مشتركة. في حقبة التسعينيات ضعفت مواقع روسيا في المنطقة وضعفت أوجه التعاون المختلفة مع دول المنطقة (التعاون الاقتصادي والتجاري).
لكنني أقول: إن روسيا استطاعت أن تعيد درورها لحد ما في المنطقة وأن تثبت دورها من جديد في الشرق الأوسط ونحن نعتبر أن حل القضايا في المنطقة هو في مصلحة روسيا ونحن لا نريد حلاً منافياً لمصالح روسيا لأن هذا الأمر سيضر بسياستنا الخارجية الاقليمية, لذا نحن في سنوات التوتر كنا نسعى إلى إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي وكنا دائماً نتبنى سياسة ذاتية في هذا الموضوع, وكوننا الآن اشتركنا في رباعية دولية لا يعني إطلاقاً أن روسيا تخلت عن السياسة المستقلة في المنطقة وهذا غير صحيح, إنما نحن نشارك بهدف تثبيت سياستنا في الشرق الأوسط, لأننا كنا من أبرز الداعين لمؤتمر مدريد في حينه ونحن نبني سياستنا للحل في المنطقة وننطلق من قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية ومن الاتفاقيات الثنائية.
أما كيف أرى أنا الأفق في الشرق الأوسط? ما زالت هناك غيوم كثيفة نظراً لتعقيدات الأحوال السياسية الدولية وهذا ما يحول دون إحراز التقدم وأريد أن أشير إلى أن الأحوال في فلسطين كانت صعبة وكنا قلقين حول الاصطدامات الداخلية وبذلنا الجهد لتجاوز هذه المحنة ونحن مرتاحون للوصول إلى اتفاق.
أما عن الأحوال العراقية فالعراق وهي بؤرة التوتر الأخرى في المنطقة, كانت موسكو تبذل جهدها لتفادي الغزو الأميركي للعراق بكافة الوسائل والحوارات لإقناع الأميركان بعدم الجدوى وعدم استخدام القوة في العراق ولسوء الحظ حصل ما حصل ونحن نرى العواقب خطيرة جداً.قبل أن أعين في دمشق كنت أمسك ملف العراق في وزارة الخارجية الروسية (سفير المهام الخاصة) وقمت بعدة زيارات إلى العراق وأقول بصراحة إن انطباعاتي كانت صعبة ورأيت بأم عيني انهيار الدولة ومعاناة الشعب العراقي نظراً للعنف المتزايد. لذلك أنا لا أثق بتنبؤات الساسة والمحللين بالنسبة للعراق, فلم يتبلور مستقبل العراق إلى الآن وهو إلى الآن في صراع مدمر دموي لا إنساني وهذا ما يهدد المنطقة كلها فنحن نجد النازحين من العراق والمنتشرين في سورية والأردن بأعداد كبيرة.
هذا لا يعني أن نبقى مكتوفي الأيدي ونحن نحاول طرح وصفات محددة لمعالجة الوضع داخلياً عن طريق الحوار الشامل وعن طريق حشد الطاقات الدولية لمساعدة العراق ونحن شاركنا في كل التفاعلات الدولية المكرسة للبحث في موضوع العراق وهي لم تكن فعالة بدرجة مقبولة لكن ستبذل الجهد في المستقبل.
وفي نهاية عرض المحاضرة, أجاب السيد السفير عن تساؤلات الحضور, خاصة ما يتعلق بالملف النووي الإيراني, والضغوط التي تمارس على سورية, وفشل سياسة العزل الأميركية ضدها, مرحباً بخطوات الحوار التي أقدم عليها الحزب الديمقراطي وأهمها زيارة رئيس مجلس النواب السيدة نانسي بيلوسي إلى دمشق, حيث يشكل ذلك دفعاً لسياسة الحوار والتفاهم, وصولاً إلى الاستقرار في الشرق الأوسط والعالم وأعرب عن قلقه من السياسة الأميركية تجاه إيران.يشار إلى أن السيد كيربيتشنكو بدأ مهامه سفيراً لروسيا في دمشق منذ شهرين, وهو من مواليد ,1951 خريج معهد العلاقات الدولية بموسكو ويتقن اللغات: الروسية والفرنسية والإنكليزية والعربية, وعمل سفيراً لبلاده (منذ العهد السوفييتي) في الأردن 1981- 1983 والسعودية 1991- 1995 والإمارات 1998- 2000 وليبيا 2000- 2003 وأخيراً في سورية.