فالأوضاع تبعث على الحزن والكآبة بشكل فظيع,فعمليات العنف تزداد يوما بعد يوم ويزداد عدد الضحايا,ولا سيما بين المدنيين الأبرياء,ولا يرى نهاية لمعاناتهم.
وبات جليا للعيان أن العمليات العسكرية الأمريكية لم تسفر عن التأثير الذي جرى الحديث عنه,ولن تسفر عن أي شيء إيجابي,وتبين بطلان الذرائع التي على أساسها بدأت الحملة العسكرية الأمريكية-البريطانية,وقد اثبتت الأحداث واقعيا,أن تلك الذرائع مصطنعة ومفبركة بشكل كامل.
واليوم وبعد أن غاصت واشنطن في المستنقع العراقي,فإنها لم تعد تتذكر الأهداف الأولية لغزوها هذا البلد:أي البحث عن أصناف من أسلحة الدمار الشامل المحظورة,ووضع حد لنشاط تنظيم (القاعدة).ولكن الأمريكيين والبريطانيين بدؤوا يتلاعبون بطرح الحجج الجديدة,فيزعمون أنه إذا ما سحبت الولايات المتحدة قواتها العسكرية فستسود الفوضى في العراق,لعدم قدرة الحكم على السيطرة.لكن الجميع يعرف جيدا أن من زعزع ركائز استقلال العراق وحول الوضع فيه إلى فوضى,هي واشنطن بالذات,التي قوضت بغزوها آلية وأجهزة الحكم الوطني,ودمرت النظام وتنظيم الحياة وأمن السكان في هذه البلاد,ويبدو بعيدا للغاية احتمال استعادة الوضع في ظروف تدهور مستوى الأمن.
أما بصدد اتهام قوى خارجية تحملها واشنطن مسؤولية أفعال العنف وعدم الاستقرار,فإن ثمة الكثير من الشكوك حولها,ويكمن الأمن في أن جيران العراق لا يطالبون بأي جزء من أراضيه ولم يطرحوا أية دعاوى أخرى.كما أن تفشي الفوضى والاضطراب في هذه البلاد ليس من مصلحة الدول المجاورة اطلاقا,بل على العكس تماما فجيران العراق القريبون يهتمون بنهضة العراق وإعادة بناء اقتصاده,إذ إنها ستجد فرصة للمشاركة في عملية بناء العراق مما يجلب لها المنفعة.نظرا لتوفر ثروات ضخمة من النفط والغاز في العراق.
كما أن هؤلاء الجيران يرون في وجود قبضة عسكرية ضخمة أجنبية في العراق,أمراً مثيراً لقلقها,لاسيما وأن علاقات العديد من البلدان المجاورة للعراق ليس لها علاقات مثالية مع الولايات المتحدة.
ويخالجها القلق لأن وضع العراق الراهن غير المستقر وغير الآمن يمس مصالحها الجيوبوليتيكية,ويخلخل الوضع في المنطقة العربية وفي الدول الإسلامية عموما و النتيجة لما يعاني منه العراق اليوم,أن الكثير من شرائح المجتمعات المحلية,ولا سيما في الأوساط الدينية,تبدي الانزعاج والاحتجاج على واقع الاحتلال الأمريكي وتداعياته الخطرة على الوضع في البلد,إذ إن استمرار الاحتلال,سيزيد من نشاطات الإرهاب في المنطقة بأسرها,ويزيد من التطرف والعنف.ومن المناسب أن يطرح السؤال التالي: ماذا سيكون رد فعل واشنطن لو اقتحمت إحدى البلدان المجاورة لها مثل المكسيك أو كندا جحافل عسكرية ضخمة جاءت من أصقاع بعيدة من أجل فرض نظامها هناك?.لا شك أن رد فعل الولايات المتحدة سيكون أشد بكثير من رد فعل البلدان المجاورة للعراق!!..
إن الإدارة الأمريكية تخيف العالم اليوم,من أن سحب قواتها وقوات حلفائها من العراق,سيؤدي إلى اندلاع الحرب الأهلية وتنامي خطر الإرهاب في العالم,مما يلحق أشد الضرر بالولايات المتحدة نفسها.إن هذه الفكرة ليست سوى ستار من الدخان يراد به تغطية فشل واشنطن في العراق ويمكن مقارنته بأفعال فريق من الأطباء أدت إلى تدهور صحة المريض وليس إلى تحسن صحته وجعلته يواجه خطر الموت, وفي هذه الحالة ومن أجل إنقاذ المريض,يجري عادة تغيير الطبيب واللجوء إلى آخر.ومثل هذه النصيحة تناسب العراق تماما.والطبيب الآخر الأكثر قدرة عن فهم حالة المريض هو الخبير بأمراض بلده, ولا يوجد في مثل هذه الحالة أفضل من ترك العراق المريض للعراقيين انفسهم فهم الوحيدون القادرون على حل مشاكلهم وامراضهم بأنفسهم ولاضير من دعم المجتمع الدولي لهم أي يجب ترك مهمة تخليص البلاد من أنواع السقم والمرض الشديدين للعراقيين الذين جاء مرض بلادهم مع الاحتلال ومن موروثات النظام السابق. وكان على الأميركيين ليس تعميق جراح العراق بل مساعدته وتقديم الدعم له للنهوض على اقدامه ولكن عوضا عن ذلك عمقوا الجرح.
والولايات المتحدة التي ادعت انها ارادت معاقبة رئيس البلاد السابق فقامت بمعاقبة العراق وتواصل معاقبة الشعب العراقي كله ولهذا فإنها لقيت المقاومة المستمرة.
يجب على الولايات المتحدة الاعتراف بأن استمرار الحرب واحتلال العراق يعتبر خطأ سياسيا فادحا في مسيرة التاريخ وإلا فإن العالم سيكون شاهدا على وقوع المزيد من الضحايا والمزيد من الدمار فالحل ترك العراق لأهله وسحب القوات الاجنبية من أراضيه فالشعب العراقي هو الأقدر على معالجة وحل مشاكله بنفسه.