فإن نجح الكاتب بممارسة الواقع بشكل فني فوق الصفحات, فإنه يجبرك على ضم صوتك لصفحاته.
وهذا ما تدعوك إليه (توفيقة خضور) بمجموعتها القصصية الأخيرة (انسحاب إلى سموات الجنون).
على رؤوس أقلامها تجولت توفيقة بهذا الوطن الجميل المتعب, خبرتنا كيف يستر الوطن عيوب المواطن إن أحبه الأخير, صرخت باسم الشوارع كفى إعلانات مبتذلة: (يا لوجوهنا كم تشبه تلك اللوحات فلكل مرحلة قناعها ودهانها, استغرق بهذا القناع, أدرك أنه ليس سوى الوجه الآخر له).
تطرق الكتاب لموجة الأغنيات المستهلكة التي تغزونا ورغماً عنا, وما أكثر إشارات المرور في هذا الكتاب إذ تعلن الكاتبة كفى فساداً وإرهاباً وثقافة التواقيع والحفلات:
(في ختام المهرجان الثقافي الكبير, تهادى الادباء والنقاد مطبوعاتهم, واجتهد كل منهم ليكتب للآخر اهداء على الصفحة الأولى, ينم عن احترامه لعبقريته وشخصه, في اليوم التالي لم يستطع الموظفون استعمال مصعد البناء إلا بعد استدعاء المستخدمين لاخلائه من كومة الكتب التي تعج بالتواقيع البراقة).
قرعت توفيقة وساوسنا آخر الليل, فقرنا الذي بات يساومنا بمبادئنا, كشفت ستار العشاق ورغبتهم للغة عشيقة غير مطروقة, وأعلنت توقها لعشق يستحق انحناءة, توقها لثقافة جادة بعيدة عن ثقافة الشرقي الملتحف بقلمه, الكامن أبداً بذكورته.
(إذا رأيت لهفتي للقائك قيداً, واشتياقي لاحتوائك مسداً, فما معنى نضالنا من أجل الحرية).
(تمنت أن تكون ساعة لقائهما أزلية ليستمر شعورها بعظمة إنسانيتها وتمنى أن تكون ساعة لقائهما أزلية ليستمر شعوره برجولته).
كتاب يضج بالقضايا المطروحة من زاوية صريحة ومباشرة وجديدة ولغة رغم بساطتها فإنها تصلك محملة بأفخاخها.