وسحابة بيضاء تتعالى في سماء العفو، مخلفة وراءها وابلاً من الخير لإرواء النفوس العطشى بكلمات طيبة.
فالتسامح من شيم الكرام ويبدأ أولاً مع النفس، ثم يتهادى رويداً رويداً ليصبح مع الأهل والأقرباء والجوار والدنيا بأكملها، حتى يفتح للإنسان طريق الصلاح لمعرفة الخالق والتقرب منه، والمطلوب النصح والإرشاد في البداية، والتماس العذر للغير، وتقديم رسالتنا بعيداً عن اللوم والتهكم والتقليل من ذات الشخص وكرامته.
هذه القضايا وغيرها ما تناولها برنامج الخط الأبيض على قناة الثقافية الفضائية، وكان عنوان الحلقة ثقافة التسامح في المجتمع، حيث استخدم مقدّم الحلقة جميع وسائل المشاركة في البرنامج، بدءاً من التقارير عن هذه الثقافة المفقودة في مجتمعاتنا، مروراً بالريبورتاجات واللقاءات والاتصالات من المشاهدين، انتهاءً بالفريق الذي حضر إلى الاستوديو لمشاركة ضيفي الحلقة اللذين أحاطا الموضوع بشمولية كاملة، وأجابا على جميع التساؤلات التي طرحت، أو حتى التي يمكن أن تخطر ببال أحدنا وهو يتابع الحلقة.
طبعاً السبب في ذلك وكما أشار الضيوف والمشاركون ومقدّم البرنامج، حساسية هذا الموضوع وأهميته، لأن عدم تسليط الضوء على التسامح وفوائده والحث على العمل به، يسبب كثيراً من المشكلات، أولها المشاجرات وآخرها العنف والجريمة والطلاق كون ما يتصل به ينسحب على الأفراد، ثم على المجتمع برمته، وأول ما يبدأ التوتر في المنزل والمدرسة ومكان العمل والمؤسسات الضخمة، إلى أن ينتهي خارج إطار هذه الدوائر بمجملها ويمكن أن تتدخل دول أخرى بشؤون الغير بسبب عدم التسامح وانعدام الحوار بين الأطراف المتنازعة أو المتعارضة.
كما أنه لم ينس المتحاورون أن لثقافة التسامح حدود وأطر ونهايات، لأن التسامح يمكن أن يكون نهراً جارياً يروي عوالمنا أولاً بأول وننعم بخيره، او أن يكون سيلاً جارفاً يغرقنا و يقتلع الأخضر واليابس ويسبب الكوارث، ولاسيما عندما يزيد عن حده ويتحول إلى ضعف كما يفسره الآخرون دائماً عندما يأخذ الأشخاص الذين يواجهون أمراً ما بآرائهم.
إذاً التسامح حصيلة سلوكية، يكتسبها الفرد من خلال عمليات التعلم الاجتماعي، وتلعب عمليات التنشئة الاجتماعية دوراً رئيسياً في تنميتها، وتسهم متغيرات عديدة في تعزيزها، كما أنها تتأثر من حيث قوة اتجاهها، وشدة تأثيرها، بحاجات الفرد نفسه وقدراته المتنوعة. ولعل في هذا ما يفسر قدرة المعنيين في التأثير على مواقف الفرد ونزعاته، وتغيير ميوله واتجاهاته، بل والعمل على تنشئة أجيال، تميل قليلاً أو كثيراً عن ثقافة السلف، من خلال آليات وطرائق منوعة، تعمل على تنمية عمليات التنشئة الاجتماعية، و إيجاد مصادر تعليم جديدة، والبرامج التلفزيونية ووسائل الإعلام بأجناسها المختلفة إحدى المناهج التي يجب أن تعتمد في عمليات التنشئة هذه حتى يصبح الشخص متسامحاً مع نفسه ومع الغير ضمن الحدود المسموح فيها والتي تحفظ قيمته ووجوده.