كلمات كانت قريبة جداً تشبّهاً بالضربة القاضية التي أسكتت وأربكت العيساوي ، فتقلّص مقدار مشاغباته .. انحدّت لفاته وبرماته .
الفتى ( الحوّيص ) بان مكشوفاً أمام ضيفيه ( ليلى والمخرج المسرحي عز الدين قنون ) وكل أساليبه لحشرهما في زاوية ضيقة باءت بأكثر من فشل .. مهاراته في التقلّب من دور إلى آخر لم تُعنه إلا بمزيد من تشتت واضح وبتضييع غاية الحلقة ..
فما الغاية ؟
هل كانت تعريفية بالضيفين .. بالمسرح التونسي .. أم إدارة حوار يهتم بالشأن المسرحي .. ؟
يبدو كل ذلك مجرد غطاء تمويهي أمام تحقيق حاجة العيساوي بإشباع رغبة مناكفة الضيف .. إجباره على النطق بما لا يرغب .. يعني زحلقته إلى مطبّات لامرئية يتقن جوزيف تصنيعها ويتفنن بابتكارها .
هل يمكن القول إن السحر انقلب على الساحر لدى تأمل تصريح طوبال السابق وإضافتها ( يوجد حرية أم لا يوجد .. هو أمر يخصّنا ) ردّاً على استفزازات العيساوي لابس زي المنافح عن الحرية .. دون أن يدرك أنه ورّط نفسه بمأزق الظهور بمظهر ( صبي الأساطيح).. يتنطوط من على منابر الغير ( الخارج ) مجاهراً بما يعتبره نواقص ( الداخل ) .
بطريقة واضحة .. مباشرة .. لا لبس فيها .. أكّدت طوبال أن منبرها في الحديث عن بلادها دائماً سيكون في الوطن ، لا خارجه .. غامزةً من قناة محدّثها ، ولينفي بدوره ( هي ليست محطتي ) .
مابين الخاص والعام يتنقّل جوزيف في حديثه مع ضيوفه .. دون أن يضع لنفسه حدّاً فاصلاً مابين المسموح وغير المسموح .. لا يسأل ولا يستفسر إنما يُسائل .. يجعل مَن هو قبالته محاطاً بجو من مساءلة واستجواب .. يتنكّر بهيئة ( المُخبر ) أو المحقق ، كما في سؤاله قنون ( كم مرة خنت زوجتك ؟ ) .
وحيناً آخر يجلس على كرسي المعالج النفسي عندما يربط مابين موقف طوبال من موضوع إنشاء ( أسرة ) ومابين حياتها في أسرة كان فيها الوالد ( زير نساء ) .. يسألها ( كيف كانت علاقة الوالد مع الوالدة .. هل كان عنيفاً ؟ ) . ويمعن في الحشرية عند استفساره عن إقدامها على الإجهاض والطلاق بعد ستة أشهر من الزواج .
لم يوفق العيساوي ولم ينجح في محاولاته إدانة ضيوفه .. إظهاره حياتهم المهنية كنوع من ( إيكو ) محترم - ظاهرياً- لحياة عائلية غير صحية .
العيساوي خطا أولى خطواته وصولاً إلى تلك الغاية .. لكنه سرعان ما تعثر .. أساليبه في تحصيلها بدت مهلهلة غير متينة ، لأن شباكه يرميها إلى أبعد من شخص ضيفه .
والحال كذلك ..
فإن ما خفي هو الأهم والأعظم .. وعلى الرغم من بهرجات تسويقية تطبع ( قريب جداً ) بطابع ثقافي .. التستّر تحت غطاء وجبات ثقافية دسمة .. فإنها لا تخلو من بث السم عن طريق التسلسل .. نقطة نقطة .. كما في تمريره عبارة ( في البلاد العربية هناك عنصرية ضد الأقليات بما فيها الأقليات الجنسية ) .. وهنا مرة أخرى يعيد ارتداء زي المنافح عن الحرية مهما بدت مناقضة لأي مسؤولية .. انفلاشية تماماً كما أسلوبه الانفلاشي غير المضبوط .
فليس هناك شيء من الركون إلى حديث ثقافي مسرحي مفيد .. كل فرصة في سبيل ذلك ضيّعها جوزيف بنوع من ( مناقرة ومجاقرة ) تطبع الحوار وتجعله يميل أحياناً إلى شيء من شجار .
عضلاته يستعرضها باستفزازات لا طائل منها ( ثقافياً ) .. وهو ما يخفي عدم إلمام جدي بالموضوع المطروح على مائدة الحوار .. يضحي بتحصيل أي حديث حقيقي لجهة ( المسرح ) لصالح تحصيل متعته في مقارعة الضيف .