تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شايلوك.. والعصا الغليظة!

كل أربعاء
الأربعاء 24-11-2010م
سهيل ابراهيم

يراوح المشهد الفلسطيني في مكانه منذ سنوات بصورة مركبة يتجاذبها خياران: التفاوض من أجل التســـوية ولا شــــيء غير التفاوض، والمقاومة من أجل التحـرير ولا شــــيء غير المقاومة،

الأمر الذي طبع هذه المرحلة من النضال الفلسطيني بســكون يكاد يصل إلى حد العقم، فخيار التفاوض تأتي به مـوجة وتـذهـب به مـوجـات، وفق الجـهـات التي تهب فـيها الـريـاح الصهيونية، وخيار المقاومة صامد خلف متراســـــه في قطاع غزة خصوصاً، لا يملك القدرة الكافية على الفعل، ولا يقبل التنصل من الالتزام التاريخي باســـــــترجاع الأرض التي احتـُلت بالقوة، وبالقوة المضادة التي تحفر في الصخر ظروف اســــــــــتكمالها وجاهزيتها ولو طال الوقت!‏

والمصالحة بين الخيارين تبدو حتى الســــاعة عملية شـــاقة، لأن الإخوة الفلســطينيين لم يهتدوا بعد إلى صيغة يتكامل فيها الخياران، دون أن يلغي أحد أحداً، ودون أن يصبح التفاوض فيها كفراً، وتتحول المقاومة إلى مغامرة يائسة لا أفق في وجهها لإنجاز برنامجها على الأرض، بفعل ميزان القوة الذي يتحكم بواقع الصراع مع المحتل، وبفعل الوضع العربي الســــــــــقيم المســــتقيل بمعظم كياناته من دوره في هذا الصراع، والتحاقه الأعمى بالرؤية الأميركية التي تطبخ منذ عقدين عملية سلام في أوانٍ لا قعر لها، وعلى مواقد ليس من أثر فيها للنار ســـوى تصاعد الدخان!‏

لا تـوجـد مــقاومــة في التاريخ لم تضع التفاوض نصب أعـينها في نهاية المطاف، بعد أن تثبت حضورها في ميدان القتال، ما دام النصر بالضربة القاضية في هذا الصراع أمراً ميئوساً منه، لكن هذا التفاوض لا يصبح ذا جدوى إلا إذا اتكأ على قوة ضــاربة على الأرض، تـوجـع المحتل وتهدد اســتقراره، وتناله في صميم قلبه المنتفخ بالحقد والكراهية، ومن جهة أخرى فليس هناك من مفاوض في التاريخ ذهب إلى عدوه أعـزل، بيدين فارغتين من أي شـــيء، إلا من مطلب الســـلام، دون أن يحمي ظهره إلا بوقائع هزيمته، لأن هذا المفاوض يكون سـاعتها ذاهباً إلى الاستسلام دون قيد ولا شرط!‏

في حلقات مســلسـل التفاوض بين الصهاينة والفلسطينيين ثبت باليقين القاطع، أن شايلوك اليهودي الصهيوني يعرف قانون تجارته جيداً في ســــوق الســـــلام، وأنه وهو في عز ربحه السـاطع لا يفهم معنى أن يجامل الخاسرين، فيعوض عليهم بعض ما غنمه منهم، بحجة إرساء ســـــلام هو لا يبحث عنه، ولا يجد نفســـه في موقع من يحتاج إليه، فعصاه الغليظة ما زالت بكامل عافيتها ولياقتها، وهي القادرة على خوض الحرب وحراسة الســلام، فعلام يذهب في تجارته الرائجة نحو ســـلام يحرمه من التهام بقية أرض تبدو اليوم على مرمى شــدقيه، غنيمة ذهبية لن يكلفه ابتلاعها ســـوى صبر سـنوات أخرى، ومماطلة الوسطاء الذين هم في الأساس شركاؤه التاريخيون في خيانة نواميس العدل التي تعارف عليها البشر منذ أقدم العصور!‏

هذا هو مأزق التفاوض والمفاوض الفلســــــــطيني وتلك هي ملهاته، أما مأزق المقاومة والمقاومين فهو في بنيتها أولاً، وفي حـاضنتها العربية التي ذهبت بعيداً في الاســـــــتـخـفـاف بجدوى المقاومة، وألقت كل أوراقها في ســــلة الخيار الاستراتيجي الغامض الذي يدعى خيار الســلام، وكادت تقتنع أو تتظاهر بالاقتناع، بأن متغيرات العالم منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليـوم، فرضت وقائع في الجغرافـيا الســـياســــيـة للأمة العـربية، وفي طليعتها الـوجـود الصهيـوني كـدولة لا تقبل النقاش، شـــريكة في هذا البنـيـان الإقـليمي، وربما أحد الأوصـيـاء عليه!‏

هذا المشــهد المركب للصورة الفلسطينية الراهنة، بات صادماً للفلســطينيين، واســتبداله بمشـــهد تكاملي تتعزز فيه فرص المقاومة، كي يجد المفاوض الفلســــطيني خلف ظهره حماية مسـلحة تعصمه من الاستسلام، هذا التكامل هو في متناول اليد بعد أن وصل المأزق إلى ذروته أمام الخيارين، فلنذهب إذن إلى المصالحة الوطنية قبل القتال وقبل الاستسلام المهين!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية