تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


هل حقاً لا مثيل لأميركا في العالم..؟

شؤون سياسية
الأثنين 23-4-2012
بقلم: محمد خير الجمالي

في سياق ردها على تحليلات لخبراء جامعيين في الصين تحدثوا فيها عن «تراجع أميركا» قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون «ليس هناك بكل بساطة مثيل للولايات المتحدة في العالم, ولم يشهد التاريخ دوراً كالذي نؤديه أو مسؤوليات كتلك التي نتحملها».

وطبقاً لهذه الرؤية , فإن الولايات المتحدة تختص بفرادة في أنموذجها كدولة , وتضطلع بدور ومسؤوليات غير مسبوقين في التاريخ السياسي العالمي , حتى لكأن جمهورية افلاطون العادلة المثالية الكاملة بنظمها وقيمها الأخلاقية , وبصورتها الأسطورية تغدو دون الدولة الأميركية .‏

فهل حقاً الولايات المتحدة دولة لامثيل لها.. وهل دورها ومسؤولياتها كانا استثنائيين في التاريخ...؟!‏

ما من شك في أن أميركا دولة عظمى,فلديها من الموارد وفائض القوة ما لم يتوفر لدولة اخرى في العالم بحكم مساحتها الشاسعة ووقوعها بين محيطين وعدد سكان متواضع وغلال وفيرة وطاقات مادية لا تنضب وتقدم علمي وتكنولوجي هائل, بما يؤهلها لأن تكون القوة العالمية الأولى..‏

وإذا كانت كلينتون اعتمدت عنصر القوة بمفهومها المادي معياراً لجعل بلادها لا مثيل لها, فهذا معيار غير كامل لأن أوزان الدول وأدوارها لا تقاس فقط بما تمتلكه من قوة مادية, بل ثمة أشياء أخرى اهمها الموقع الجيوسياسي والقبول العالمي, إضافة إلى التوظيف الاخلاقي للقوة حال توفرها في خدمة القضايا الانسانية, وهذان العاملان الأخيران لم نلحظهما, إذ العالم يكره أميركا, وقوتها تحولت بعد انفلاتها من عقالها في التاريخ المعاصر إلى وريث شرعي لقوى الاستعمار الغربي بعد أفول نجمها, وهو تحديداً ما كان موضع الانتقاد الأخلاقي والسياسي لأميركا واتهامها بالتراجع عن الأخلاق الناظمة للسياسة الأميركية ورؤيتها للنظام الدولي, وخصوصاً منها مبادىء ويلسون.‏

وحتى إذا كان المقصود بالتراجع هنا البعد المادي للمصطلح أي دخول القوة الأميركية في دور الضعف بعد بلوغها الذروة, فهذا صحيح أمام تبدد غطرسة هذه القوة وتراجع سحر تأثيرها بسبب خسارتها الحرب على العراق وعجزها بعد أحد عشر عاماً من القتال مع القوى الحليفة في دولة واحدة هي أفغانستان عن حسم الحرب وكسبها في مصلحتها, ناهيك عن تداعيات ذلك على القوة المالية والاقتصادية الاميركية وفشل كل الوصفات في انقاذ هذه القوة من ازماتها, ما يجعل القول: إن أميركا لا مثيل لها يفتقر إلى الدقة إلا إذا فهمناه بمعنى أن لامثيل لها بأزماتها الراهنة واهتزاز صورتها ومكانتها في عيون العالم.‏

وفي موضوعة استثنائية الدور والمسؤوليات التي تتحملها أميركا وساقتها كلينتون كدليل على عظمة بلادها ومثالها الفريد في العالم, فهذه الاستثنائية إن صحت, فهي ليست فيما تريد كلينتون أن تخلعه على بلادها من صورة أخلاقية تظهرها وكأنها توظف قوتها العالمية «لجمع التحالفات حول مواضيع تضمن الاستقرار في المناطق الحساسة» كما قالت, وإنما في مرتكزات وأهداف استراتيجية تفتقر إلى العدل والحق والمساواة بين الدول, بقدر ما تنطلق من نزعة التفوق والأبطرة والنظر إلى العالم كله «مجالاً حيوياً للمصالح الأميركية, لا مصالح لأحد فيه غير أميركا, ووحدها من يملك الحق للتدخل في أي مكان منه بحجة حماية هذه المصالح.‏

ولئلا نتهم بالغيرة من أميركا على نحو تساؤل الرئيس السابق جورج بوش «لماذا يغارون منا»؟ سنحتكم إلى وقائع ممارسة هذا الدور وتداعياته على السلم العالمي, لنتبين ما إذا كان دوراً يخدم السلام والاستقرار كما يقول اصحابه أم العكس..؟‏

بحكم هذا الدور النابع من عقدة العظمة وشعور التفوق واستخدام القوة لإرهاب العالم والهيمنة عليه, كانت الولايات المتحدة أول من صنع السلاح الذري واستخدمته ضد اليابان في رسالة أريد بها تحذير العالم من تحديها أو اعتراض ما تريده منه، وحتى إن تعارض مع مصالحه والسلام الذي ينشده.‏

وتمشياً مع الطبيعة التوسعية لهذا الدور, نظرت الولايات المتحدة إلى جوارها الاقليمي (أميركا اللاتينية) حديقة خلفية لها, تحدد لدولها علاقاتها مع العالم وتقيم النظم التي تخدم مصالحها فيها حتى بالدم, متجاهلة مطالب شعوبها بالحرية والديمقراطية والاستقلال.‏

وهنا في منطقتنا العربية كان هذا الدور هو ما شرعن إقامة إسرائيل خلافاً لمبادئ العدل والحق, ومدها بكل مقومات الدعم والتفوق لتكون قوة حماية لمصالحه وتهديد مستمر للأمن القومي العربي واستقرار المنطقة, ما أدى إلى انتاج أخطر كارثة انسانية حلت بشعب فلسطين, وحرمان العرب من إمكانية النهوض والتقدم بسبب تعهده بضمان تفوق إسرائيل مقابل إضعاف العرب.‏

وحتى حين حاولت بعض الادارات الاميركية إيجاد تسوية سلمية للصراع العربي- الإسرائيلي بغية تغيير الصورة المكروهة للسياسية الأميركية في الذهن العربي, عجزت عن إظهار دور مختلف كشرط لهذا التغيير, فجاءت مواقفها وطروحاتها الداعمة لإسرائيل دليلاً جديداً على أن الثابت في هذا الدور هو استقراره على مساره التاريخي, والمتحول الوحيد فيه هو تطوره نحو الأسوأ.‏

وقد جاء هذا التطور في تحويل الحلم الأميركي من حلم أرسي على الأخلاق والديمقراطية ومبادئ المساواة في الحقوق, إلى حلم التحول بأميركا إلى امبراطورية القوة الغاشمة من خلال الحرب على العراق وأفغانستان وطرح مشروع تنميط العالم وفق النموذج الأميركي تحت ضغط التهديد بمد رقعة الحرب إلى أي دولة في الشرق الأوسط ترفض هذا المشروع.‏

وعلى سبيل إنعاش الذاكرة الأميركية لإيقاظها من وهم فرادة دولتها ومسؤولياتها, نذكر هنا أن مرحلة التطور الأسوأ قادت وفق الاحصاءات الرسمية إلى إبادة 1.5 مليون عراقي وتدمير الدولتين العراقية والأفغانية وحصد ما لا يعرف عدده من الافغان والباكستانيين, والحبل على الجرار فيما إذا قررت أميركا وإسرائيل تنفيذ تهديداتها بالحرب على إيران, لأن هذه الحرب ستكون كارثية بكل معنى الكلمة ولن تقف حدودها عند مجرد ضربة عسكرية, بل ستتسع لتشمل المنطقة كلها وإسرائيل والوجود العسكري الأميركي في كل مكان منها..!‏

ويجب ألا يغيب عن الذهن هنا سياسة التفتيت التي اعتمدها هذا الدور ضد دول بعينها كيوغسلافيا والسودان, فضلاً عن استغلال الأحداث العربية لخدمة مصالحه, فهل بعد هذا كله يصح القول إن أميركا دولة لامثيل لها..!؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية