ساحة الأمويين (الحالية) غرباً، ومن نهر بردى شمالاً، إلى حدود أبنية الجامعة السورية (جامعة دمشق حالياً)، إضافة لشارع الرئيس (شكري القوتلي) الموازي لبردى، وللحديقة الممتدة من طلعة التجهيز وحتى قصر الضيافة (والتي يشغلها حالياً فندق الفورسيزنز). وعلى هذه المساحة توزعت أجنحة الدول التي شاركت في الدورة الأولى للمعرض، وبلغ عددها 26 دولة إضافة إلى عدد كبير من المؤسسات الصناعية والتجارية في سورية.وإلى ما سبق أُنشئ في مدينة المعرض على المرج الأخضر المجاور لبردى، (المطعم الشرقي) وقد بُني على الطراز الشرقي العربي ويتسع لأكثر من ألف شخص ويشرف على بحيرة غاية في الجمال والإبداع. أقيم كذلك (المطعم الدولي) وقد بني على أحدث ما تبنى به مطاعم العالم الدولية من حيث الهندسة والتأثيث والخدمة. وأنشئ خلفه مسبح حديث (المسبح البلدي) هو الأول من نوعه في دمشق، سد هذا المسبح فراغاً كبيراً في حقل التربية الرياضية ومسابقات السباحة، حيث شهد عام 1958 أول مشاركة للسباح السوري العالمي محمد زيتون في سباق رسمي، وفي المسبح ذاته فاز زيتون بسباق التحمل للسباحة المتواصلة لمدة خمس ساعات في المياه الباردة، كما أسست في المسبح البلدي أول مدرسة لتعليم السباحة بإشراف السباح تيسير الحموي الفائز في سباق (الليوار) في فرنسا عام 1955. وإلى جانب مدينة المعرض أقيمت مدينة الملاهي في السهل الواسع الواقع بين وزارة المعارف وفندق قطان، وحوت هذه المدينة، التي صارت أحد معالم المعرض، أحدث الألعاب التي استوردت من مختلف بلاد العالم.
كانت الفكرة السائدة أن يكون معرض دمشق الدولي معرضاً دورياً يقام كل خمس سنوات، إلا أن النجاح الذي لاقاه المعرض في دورته الأولى كحدث اجتماعي استثنائي، استقبل مليون زائر، وكحدث اقتصادي كبير جنت البلاد من ورائه فوائد اقتصادية مهمة، كل هذا دفع إلى إصدار القانون رقم (40) لعام 1955 والذي أقر إقامة المعرض سنوياً، وهذا ما حدث فعلاً على امتداد ستة عقود تالية.
والجدير بالذكر هنا قيام كثير من الشركات العالمية والخاصة للطيران والبواخر وشركات النقل البري بإجراء تخفيضات على أجور السفر لزوار المعرض، كما أن الحكومة السورية منحت الزائرين سمات دخول مجانية وتسهيلات خاصة. وكما ورد في زاوية سابقة فقد كان لبعض الأجنحة مكانة خاصة عند الزوار كما كان حال الجناح الجزائري في أول دورة للمعرض تلت تحرر الجزائر من الاستعمار الفرنسي، وحال الجناح المصري بعد انقطاع عن المعرض استمر منذ انفصال دولة الوحدة وحتى أواخر الستينيات، وحال جناح فلسطين الدائم الحضور في المعرض، والذي ارتفع الإقبال عليه مع انطلاق العمل الفدائي، وحال الجناحين الألمانيين (ألمانيا الاتحادية وألمانيا الديمقراطية) اللذين كانا يتنافسان على جذب اهتمام الجمهور بما يعرضانه من معدات وآليات ضخمة، وأجنحة الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية التي توفر للزوار الكتب والاشتراك بالمجلات الدورية بمبالغ زهيدة، وجناح (الصناعات اليدوية) الذي يجذب الزوار وأهل البلد على حدّ سواء لمشاهدة الحرفيين المهرة أثناء عملهم، وخاصة صنًاع الزجاج اليدوي.
بلغ من اهتمام الدول المشاركة في المعرض أن عرضت الولايات المتحدة في دورته الأولى اختراعها السينمائي الجديد المبهر (السينراما) لأول مرة خارج أراضيها وبعد عامين فقط من ظهوره في نيويورك. تم العرض وسط حضور كبير في المساحة التي شيد عليها في السنة التالية مسرح المعرض. و(السينراما) شاشة نصف دائرية كبيرة جداً بارتفاع شاهق، يُرشق عليها الفيلم من ثلاث كاميرات عرض، تُكمّل كل منها صورة الأخرى، ويرافق العرض الأصوات ذوات الأبعاد (ستيريو فونيك)، وهي أصوات مضخمة تدخل في كيان المشاهد. استمر اهتمام الدول بعرض أهم ما لديها خلال الدورات التالية، حيث ضمت أجنحتها المعدات الصناعية والآليات العملاقة ووسائل النقل الفردية والجماعية، إضافة إلى المنتجات الاستهلاكية على اختلاف أنواعها، وقد عرض السوفييت في إحدى دورات المعرض عدداً من الأقمار الصناعية والمعدات الفضائية الحقيقية، ومنها ما هو مستعاد من الفضاء الخارجي، وقام بزيارة الجناح اثنان من رواد الفضاء السوفييت، (أليكسي ليونوف) أول إنسان سبح في الفضاء الخارجي عام 1965، و(بافيل بيلاييف) قائد المركبة (فوسخود 2) التي حملتهما إلى الفضاء. وكان الجناح السوفيتي على الدوام أحد أهم أجنحة المعرض، وأحد أكثرها اتساعاً وإقبالاً ونشاطاً. وكانت تشغل الجزء المكشوف منه، إضافة إلى الآليات والمعدات العملاقة، شاشة كبيرة تعرض على مدار الوقت جوانب من الحياة في الجمهوريات السوفيتية. وبعد عودة العلاقات السورية - الأميركية إثر حرب تشرين (أكتوبر) 1973، وعودة المشاركة الأميركية في المعرض بعد انقطاع استمر منذ عدوان حزيران (يونيو) 1967، عرض الأميركيون في جناحهم مركبة فضاء والعربة القمرية، وعينات من أحجار القمر.
في الدورة الأولى للمعرض عرض في جناح وزارة الدفاع الوطني لأول مرة في سورية جهاز تلفزيون. وفي الدورة الثانية للمعرض أقيم في باحة واسعة وسط الجناح الأميركي أستوديو دائري زجاجي مرتفع عن الأرض نحو المتر ونصف المتر، وقطره نحو الثمانية أمتار، وفي داخله كاميرا تلفزيون. وتم الاتفاق مع الشاب خلدون المالح البالغ من العمر ستة عشر عاماً ليكون مذيع هذا الأستوديو، فكان يقدم كل ليلة، منذ غروب الشمس وحتى منتصف الليل، شرحاً لهذه التقنية الجديدة، ومسابقات للجمهور، إضافة إلى الفقرات الموسيقية والغنائية الحية. وكانت الصورة تنتقل عبر الكاميرا إلى أجهزة التلفزيون الموزعة حول الأستوديو الزجاجي، وفي مختلف أنحاء الجناح يتابعها الآلاف من الزوار، وبذلك أطلق معرض دمشق الدولي خلدون المالح كأول مذيع تلفزيوني في الوطن العربي، وفي آسيا وإفريقيا. وكان الإعلامي والأديب ياسر المالح يزوده بأسئلة المسابقات فكانت تلك المساهمة بداية عهده في إعداد البرامج التلفزيونية. خلال زيارته للمعرض شاهد الأمير يحيى الشهابي، مدير برامج الإذاعة السورية حينذاك، خلدون المالح وهو يقدم برنامج المسابقات فكلفه تقديم أول برنامج مسابقات في الإذاعة وكان يحمل اسم (فكّر تربح) واستمر هذا البرنامج لعدة سنوات حتى تأسيس التلفزيون السوري عام 1960 فانتقل المذيع والبرنامج إليه.
يقف معرض دمشق الدولي اليوم على عتبات دورته الحادية والستين مُحملاً بالذكريات الدافئة النضرة التي تكاد لا تنتهي لستين دورة مضت. وبالأمل في صنع ذكريات جديدة تنبض بالفرح والأمل والإنجاز.