كما يمثل تحدياً أيضاً للزعماء العرب، حيث يقدم لهم فرصة نادرة وفريدة قد لاتتكرر مرة أخرى لانتشال دولة فلسطينية من قلب الكوارث التي منيوا بها خلال الستين عاماً الماضية، لكن السؤال القائم هنا : هل يستجيب الطرفان المتخاصمان لهذه الفرصة النادرة الحدوث؟
إن عزم أوباما على حل هذا الصراع الذي طال أمده بين الاسرائيليين والفلسطينيين على أساس حل الدولتين لم يعد موضع شك إطلاقاً.
فقد حرص الرئيس الأمريكي على توجيه تلك الرسالة منذ الساعات الأولى له في البيت الأبيض ثم أعادها باقتناع كبير في خطابه التاريخي في القاهرة في الرابع من حزيران الجاري، ففي ذلك الخطاب قال أوباما: إن أمريكا لن تدير ظهرها لطموحات الفلسطينيين الشرعية في استعادة كرامتهم وحقوقهم، وإقامة دولة خاصة بهم.
وهذا السبب الذي يجعلني أتابع شخصياً هذا الموضوع حتى الوصول إلى النتيجة المطلوبة بكل ما يتطلب ذلك من صبر، وأكد أوباما أن حل الدولتين يسير لمصلحة اسرائيل أولاً والفلسطينيين ثانياً ولمصلحة أمريكا والعالم بكامله.
إن نتنياهو يواجه مأزقاً حرجاً للغاية حالياً، فإذا قرر مواجهة أوباما، فإنه سيعرض شريان الحياة الحيوي الممتد من أمريكا لاسرائيل للخطر، وإذا رضخ لمطالب أوباما، فسيفقد تأييد شركاء له في الائتلاف اليميني الحاكم ما يؤدي لانهيار حكومته.
لكن الخيار المتاح أمام نتنياهو قد لايكون بهذه الدرجة من التحدي على الصعيد العملي.
وإن كان ذلك لاينفي أنه سيقوم بأي شيء لعدم الدخول في صراع مفتوح مع أوباما كالسعي للتفاوض واقتراح حل وسط، واللجوء إلى وسائل المراوغة والتهرب والمماطلة بكل وسيلة ممكنة في هذه اللحظة الحاسمة من لحظات الاختيار، وإذا انهار الائتلاف الحاكم فمن المحتمل أن يسعى لبناء تحالف جديد مع حزب العمل أو حزب كاديما بزعامة ليفني.
وحتى إن حصل ذلك، فإن الخيار الرئيسي سيبقى قائماً، وهو إما مواجهة المستوطنين، وهذا مايطالب به أوباما حقيقة، أو الاستسلام لهم إذا فشل في مواجهتهم، وخسارة الدعم الأمريكي لهم بالنتيجة، وهذا يعني أن اسرائيل مطالبة حالياً بالاختيار بين حلم اسرائيل الكبرى وتحقيق السلام مع العالمين العربي والإسلامي وبين إرضاء المستوطنين أو إرضاء أمريكا.
وثمة احتمال آخر،وهو أن أمريكا تسعى من خلال ماتفعله إلى إدارة عملية سقوط نتنياهو.
إن نتنياهو وحلفاءه المستوطنين الذين يستولون على أراضي الفلسطينيين بالقوة والحاخامات المتطرفين والمتعصبين ووزير خارجيته، ليبرمان العنصري المتطرف هو الآخر الكاره للعرب، هم خصوم عنيدون لرؤية أوباما للسلام والتسوية، ومن الصعب تخيل إمكانية التوصل معهم إلى أي نوع من التسوية.
على صعيد آخر، يواصل الفلسطينيون صراعاتهم وقتل أنفسهم كما لو كانوا لايعرفون أنهم يقامرون بقضيتهم القومية ويسعون لتحقيق مايريده نتنياهو.
فالصراع القائم بين الفصائل الفلسطينية هو أغلى هدية يمكن تقديمها لنتنياهو، إذ يمكن لهذا الصراع أن يقدم له الحجة التي تمكنه من الهروب من الخيار الذي يصر عليه أوباما، والسؤال القائم في هذا الإطار الآن هو: متى يدرك قادة فتح وحماس الحقيقة البسيطة القائلة إنهم إذا أرادوا دولة فلسطينية حقاًَ، فيتعين عليهم ترك خلافاتهم جانباً، وإذا لم يتمكن القادة الفلسطينيون أن يتغلبوا على خلافاتهم الصغيرة فيجب عليهم في هذه الحالة أن يتنحوا ويفسحوا المجال لآخرين أقل تمسكاً بصراعات الأمس الشخصية والأيديولوجية.
إن مسؤولية القادة العرب مسؤولية ضخمة جداً في الوقت الراهن، ولاسيما قادة السعودية ومصر وسورية والأردن وبعض دول الخليج العربي التي لها تأثير ونفوذ على الفصائل الفلسطينية.
ويستطيع هؤلاء الزعماء الضغط على القادة الفلسطينيين لترتيب بيتهم من الداخل، لكن هل نتوقع من القادة العرب في هذه اللحظة الحاسمة من لحظات رئاسة أوباما أن يضعوا خلافاتهم جانباً ويجب دعوة كافة الفصائل الفلسطينية لصياغة ميثاق مشترك جديد بين هذه الفصائل ووضعه أمام العالم؟
فإذا أراد الغرب السلام، وإذا أراد الفلسطينيون الدولة، فيجب عليهم أن ينظروا إلى ماوراء خلافاتهم الداخلية و أن يقدموا لهذا الزعيم صاحب الرؤية، الذي يمثل ظهوره في قيادة أمريكا مشهداً لايستطيع لأحد أن يصفه بأقل من أسطوري، الدعم والمساندة التي يحتاجها، وإذا اعتقد الجميع أنهم يستطيعون تحقيق النجاح دون مساعدته، سيكونون قد ارتكبوا خطأ فادحاً بحق أنفسهم.
بقلم باتريك سيل