تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أوديســـا الـــفضـاء

كتب
الأربعاء 24-6-2009م
من المعروف عن ستانلي كيوبريك أنه يوظف مفردات اللغة السينمائية بحيث يبدع أسلوباً يعبر به عن رؤيته، فنراه يختار الشاشة العريضة التي تتلاءم مع هذا الموضوع

ويختار الألوان لتقدم مزيجاً فريداً من الواقع والخيال حيث توحي لنا بواقعية ما نراه بينما هو خيال، وتصل إلى ذروتها التعبيرية في مشهد اللامنتهى حيث تصبح الوسيلة الأساسية في التعبير عن اللانهائية.‏

وذلك في فيلمه الشهير (أوديسا الفضاء 2001) الذي يعتبر من أعظم الأفلام في تاريخ السينما وليس في السينما المعاصرة فحسب، فهو نموذج لفيلم يحقق فيه الفن السينمائي مستوى عالياً ويرفع لغته إلى مستوى لغات الأدب والموسيقا والنحت والتصوير.‏

يتكون الفيلم من أربعة أجزاء «فجر الإنسانية» و«رحلة إلى كوكب المشتري» و «كوكب المشتري» و «مابعد اللامنتهى» ثم «اللاوظيفة» حيث نرى الإنسان يتطور من مرحلة الفرد إلى مرحلة الخروج إلى الفضاء ومحاولة اكتشافه ومن مرحلة صنع العقول الإلكترونية إلى مرحلة الصراع معها في القرن القادم.‏

وبقدر ما يعلي كيوبريك من شأن الإنسان في قدرته على التطور وتفوقه على العقل الإلكتروني عندما يحاول العقل أن يتمرد عليه، بقدر ما يصوره ضعيفاً أمام أسرار الحياة الكبرى منذ «فجر الإنسانية» إلى «اللاوظيفة» أسرار الحياة والموت.‏

ويعبر كيوبريك عن هذه الأسرار بقائم من الحديد الأصم ويعبر عن ضعف الإنسان أمام هذه الأسرار بتصويرها هذا القائم في المرات الأربع التي يظهر فيها دون أن يمسه أدنى تغيير، فهو في النهاية كما كان في البداية وبمصاحبة نفس الجملة الموسيقية التي توحي بالعظمة والرهبة.‏

البناء الدرامي في 2001 أوديسا الفضاء أشبه ببناء العمل الموسيقي، ففي الجزء الأول يمضي الإيقاع بطيئاً ثم يسرع إلى أن يبلغ أقصى سرعته في مشهد اللامنتهى التجريدي وفي النهاية يعود الإيقاع بطيئاً كما كان وبهذا يتلاحم الإيقاع مع مضمون الفيلم سواء في وحدة إيقاع الجزء الأول رغم الانتقال من الإنسان القرد إلى غازي الفضاء أو في عودة الإيقاع كما كان وأسرار الحياة بلا حل.‏

صحيح أن الكمبيوتر أو العقل الالكتروني لم ينطق بعد ولكن ربما ينطق يوماً وربما يدخل في صراع مع الإنسان كما في الفيلم. التطور العلمي إنجاز إنساني هائل ولكن مشكلاته الأخلاقية هائلة أيضاً، كما يؤكد سمير فريد مترجم الكتاب في مقدمته. تقوم الموسيقا بدور درامي كامل في « أوديسا الفضاء 2001» فإلى جانب الموسيقا المصاحبة للقائم هناك الكورال الذي يسبقها دائماً عندما يتطلع الإنسان إليه، أما مشهد اللامنتهى فتصاحبه موسيقا الكترونية نسمعها أيضاً حينما يتأمل البطل حجرة النوم.‏

هكذا يجد القارئ متعة في قراءة نص فيلم أبدعه يوماً مخرج بحجم كيوبريك، أبدع بتوظيف مفردات اللغة السينمائية.‏

الكتاب صادر حديثاً عن وزارة الثقافة سلسلة الفن السابع 2009‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية