تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفن خارج المصطلحات والتعريفات

ملحق ثقافي
10/4/2012
عقبة زيدان: ليس مهماً، أبداً، التفتيش عن مصطلح بديل لمصطلح «الحروفية»، ولا يرفع تغيير المفردات من شأن أدب ما أو فن ما. وليس ضرورياً، أبداً،

أن يسعى نقاد الفن التشكيلي والفنانون إلى إثارة موضوع وضع اصطلاح بديل، في حين لا تثار مشاكل فنية تشكيلية لها علاقة بتطوير هذا الفن عربياً، أو المحافظة عليه وإنقاذه من الأيدي الجاهلة وغير المبدعة، التي تطاولت على قوامه الجميل، وفائق الجمال.‏

.

هل تخدم المصطلحات الجديدة الفن؟ هل تقدم هذه المصطلحات، فعلاً، خدمة جليلة للخط العربي أو للخطاطين والفنانين التشكيليين؟‏

الإجابة الدقيقة ليست مهمة هنا، بقدر القول إن ما يهم هو تلك الجهود الجادة للعمل على تنشيط هذا الفن، ومحاولة تكريم العاملين فيه – ليس كلهم طبعاً، بل أولئك الذين يمتلكون رؤى جديدة لتطويره – ويصبح الدخول في التعاريف والمصطلحات لغواً فارغاً لا معنى له.‏

حاول كثيرون إدخال الخط والفن الحروفي عموماً في متاهة المصطلحات ودهاليز التسميات البراقة، كما حصل مع الشعر الحديث. إلا أن الفنانون والخطاطون لم يصلوا إلى مرحلة صدام وتخوين واتهام بالتخريب، وذلك لأنهم كانوا أكثر حذراً وأكثر رقياً في تعاملهم مع بعضهم – إلى الآن طبعاً، رغم وجود بعض الصدامات الخفيفة والجدالات غير الهادفة إلى إقصاء الآخر، مهما كان شأنه ودرجته الفنية.‏

ماذا يهمنا إذا كان فن الخط يدخل تحت يافطة «الحروفية» أو «المرسومات الخطية العربية» أو «التشكيل الحروفي»؟ تساؤل يقفز إلى الذهن فوراً، وينتهي فوراً أيضاً، عندما يغرق أحدنا في لوحة حروفية وينسحق في جمال الخط العربية وتعاريجه وتوليفاته المذهلة.‏

تطوير الخط العربي واحترافه، ومن ثم تشكيل خط مبتكر جديد، هي العناوين الجميلة والمفيدة، والتي يجب أن تكون برنامج عمل دائم، وغير ذلك لا معنى له.‏

يأتي كتاب الدكتور محمود شاهين «الحروفية العربية.. الهواجس والإشكالات»، ليقدم رؤية شبه وافية عن الخط العربية وعن أعلامه الكبار عبر التاريخ، ويتعرض لظاهرة الحروفية في الحيوات التشكيلية العربية المعاصرة، وهاجسها في المواءمة بين الأصالة والحداثة. يقدم الكتاب أبرز وأهم التجارب الحروفية وحراكها في الحيوات التشكيلية، كما يعرض لغواية التراث والحداثة في التجارب الحروفية وسجال ومخاوف الخطاط والفنان التشكيلي، وهمّ البحث عن الهوية، وميكنة الحرف العربي والثروة الضائعة، وصولاً إلى محاولة لرسم ملامح أولية لآفاق الفن التشكيلي العربي الذي اتخذ من تشكيل الخط العربي وسيلة لتحقيق منجز بصري جديد.‏

قسّم الدكتور شاهين كتابه إلى أربعة فصول، شملت دراسة عن الحروفية العربية وإشكالاتها، وسرداً وتحليلاً لبعض التجارب الحروفية والخطية في سورية والعالمين العربي والإسلامي.‏

قدم المؤلف الفصل الأول بنظرة تاريخية لنشوء الخط العربي وتطوره، ذلك الخط الذي اشتق من الخط النبطي قبل قرون من ميلاد المسيح، أما الخط النبطي فهو اشتقاق من الخط الآرامي. ويذكر الباحث الدكتور أبو صالح أحمد الألفي أن «الصورة الأولية للخط العربي، لا تبتعد كثيراً عن صورة الخط النبطي، ولن يتحرر الخط العربي من هيئته النبطية، إلا بعد أن استعاره العرب الحجازيون لأنفسهم لقرنين من الزمن. وقد سمي هذا الخط الذي انتهى إلى العرب بـ «الخط الحيري» أو «الأنباري».. ولما بنيت الكوفة سنة 18 للهجرة، نزح إليها من بقي من أهل الحيرة والأنبار لحلولها محل مدينتهم، وانتشر الخط بين سكانها، وجوّدوه وبرعوا فيه، فنسب إليها، فقيل «الخط الكوفي» بدلاً من «الحيري» أو «الأنباري». وكان الخط في مكة يسمى بالخط «المكي»، وفي المدينة «المديني» على حسب المدن التي كان يكتب فيها».‏

برز من أوائل الخطاطين الكبار الوزير ابن مقلة وابن البواب والحافظ عثمان وإبراهيم منيف وعبد الله الزهدي. واستمر اهتمام العرب بالخط العربي للحفاظ على هذا الفن الراقي، فافتتحت المعاهد والجامعات ومراكز البحث المتخصصة بتعليمه وفق أصوله وطرزه. وما زالت المعارض تقام بشكل كبير دلالة على أهمية تطوير الخط وإدخاله ضمن اللوحة التشكيلية، وتحولت الحروفية العربية – حسب الدكتور شاهين – إلى «تيار له ثقله الكمي والنوعي في الحيوات التشكيلية العربية والإسلامية المعاصرة، وهي على قدر كبير من التنوع والاختلاف وتباين السوية الفنية والتعبيرية من فنان لآخر ومن بلد لآخر». ويضيف د. شاهين: «إن تيار الحروفية لا يعيش معزولاً عن باقي الاتجاهات والمدارس الفنية الأخرى السائدة في هذه الحيوات، بل يتفاعل معها، مدفوعاً بهاجس التغريد خارج السرب، لا سيما بعد حالة التشابه والتكرار والتداخل التي تعيشها هذه الاتجاهات والمدارس، وسطوة الفنون البصرية الغربية الطاغية عليها».‏

تناول د. شاهين عدداً من التجارب الخطية السورية والعربية والإسلامية، وكان على رأس الخطاطين السوريين الفنان محمود حماد، الذي تفرد بتجربة حروفية، ليس على صعيد الحياة التشكيلية السورية المعاصرة فحسب، بل والعربية أيضاً، ويذكر د. شاهين أن حماد لم يأت إلى الحروفية التجريدية فجأة، ولا اقتحمها مباشرة، وإنما مهد لها بسلسلة من اللوحات، لخص فيها العنصر المشخص وكثفه واختزله، إلى أن تحول إلى مساحات لونية مؤطرة بخط قوي وصلب، ظلت تأخذ المتلقي إلى ماهيتها عبر مساحات مبسطة ومختزلة.‏

وعن الفنان سعيد نصري ذكر د. شاهين بأنه وقف تجربته الفنية على معطيات الحرف العربي وتجليات الكتابة العربية التشكيلية والتعبيرية، معتمداً كلياً على الخط العربي بكافة طرزه وأنواعه، في التعبير عن أصالة هذا الخط الذي يمكن بلورته بحرية مطلقة، حسب الشكل والتكوين المطلوب.‏

ولتجربة الفنان سامي برهان خصوصية أيضاً، فهي نهضت على نوع من الاختزال الشكلي والاقتصار على الضروري المعبر عنه. ويقول د. شاهين عن تجربته: «تطورت تجربة الفنان برهان أثناء إقامته في إيطاليا، لتأخذ شخصية حروفية متفردة، قائمة على نوع من الهجائية العربية في تكوينها، وعلى مضامين وشعارات حضارية، تستمد أصولها من التراث العربي، وتتجه بآفاقها نحو المضامين الإنسانية والفكرية والتربوية المعاصرة».‏

إضافة إلى الفنانين السوريين والعرب، ضم الكتاب بعض الفنانين المشهورين الإسلاميين الذين طوروا الخط العربي وعملوا على جمالياته، وجعلوه في متاحف العالم، ومنهم الخطاط التركي محمد أوزجاي وأخوه عثمان، والإيراني أمير أحمد فلسفي الذي أقام العديد من المعارض في الهند وفرنسا وبريطانيا وباكستان وأمريكا وألمانيا والصين وأذربيجان. ومن التجارب الخطية الإسلامية أيضاً، الفنان الإيراني إسرافيل شيرجي، ومواطنوه عباس أخوين، ومحمد جليل رسولي، وكرم علي شيرازي، وغلام حسين أمير خاني، ومن الأتراك يذكر الكتاب كلاً من داود بكتاش، صواش جويك.‏

الخط العربي فن استطاع أن يخلق بيئة تشكيلية جديدة، من خلال إتقان الخطاطين والفنانين العرب لقواعده وتحديثه وتطويره جمالياً، ما جعله يتألق عبر السنين ويبقى فناً قابلاً للدراسة والبحث والتجريب المستمر.‏

الكتاب: الحروفية العربية‏

الكاتب: د. محمود شاهين‏

الناشر: وزارة الثقافة السورية‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية