قبل قيامه برحلته الأخيرة التي كانت يومياتها وبعض ذكريات الكاتب السابقة في الجبل جل ما يحتويه هذا الكتاب( مغامران بين خرائب باشان- رحلة إلى حوران )عام 1874 الذي قام بترجمته المترجم كمال الشوفاني وقدم له عبر نبذة موجزة عن وليم رايت الرحالة الذي قضى عشر سنوات في سورية- كما نعرف من مقدمة المترجم- جاء وليم رايت إلى سورية في مهمة تبشيرية لصالح(الكنيسة المشيخية) وكانت المهمة في دمشق عام 1965 وانطلق رايت وزوجته وكانا كلاهما في الثامنة والعشرين، برحلة طويلة إلى دمشق حيث استغرق الوصول إليها عشرة أيام.
كان رايت متديناً جداً وكان الكتاب المقدس بالنسبة له مرجعاً تاريخياً ووثيقة يعتمد عليها.
لذلك كان سروره عظيماً أنه سيزور البلاد التي جاء ذكرها في الكتاب المقدس وكان منزل رايت في الشارع المستقيم في دمشق، سوق مدحت باشا( وهو اليوم جزء من المدرسة المحسنية الخاصة للذكور) وقد استقبل فيه كل أصدقائه الذين كانوا في دمشق في فترة مكوثه التي استمرت عشر سنوات.
وكان رايت يحب مصادقة كل المشاهير أنى حل في دمشق، تعرف على القنصل الإنكليزي، الرحالة والأديب ريتشارد بيرتون، صاحب كتاب( سورية غير المكتشفة) وصديقه تشارلز دريك والفنان فريدريك ليتون، والقس د. ليغنغستون والدكتور وليم مكلير تومسون صاحب الأرض والكتاب ثم القنصل الأميركي الشهير د. ميخائيل مشاقة الدمشقي معلم رايت العربية وكانت له صداقة خاصة مع الأمير عبد القادر الجزائري والليدي الليمبرا جين النبيلة الإنكليزية التي اختارت سورية موظفاً لها بعد زواجها من شيخ بدوي يدعى مجول المصرب.
قام رايت برحلات عديدة في أرجاء سورية كلها أهمها إلى تدمر وحوران وقد دون ملاحظاته واستشكافاته تلك في كتابه( تدمر وزنوبيا).
يعتبر وليم رايت أول من اعتبر الحثيين أصحاب امبراطورية عظيمة وقد قام بأبحاث عديدة حول الحثيين أثناء وجوده في سورية شملها في كتابه الأول( الامبراطورية الحثيّة) الذي صدرت طبعته الأولى في عام 1884 وأعيدت طباعته خمس مرات أخرى.
كان كتابه الثاني عن عائلة برونتي الأدبية الشهيرة بعنوان( آل بيرونتي في إيرلندة) وصدر عام 1893 وقد تركز حول علاقة الأديبات الشهيرات إميلي، تشارلوت، وآن برونتي في إيرلندة حيث إن العائلة ذات أصول إيرلندية.
أما آخر أعمال رايت فهو إنتاج آخر بعد( الامبراطورية الحثية ) من خلال وجوده في سورية، فهو كتاب(تدمر وزنوبيا) الذي أضيف إليه جزء كبير يعتبر كتاباً عبر ذاته بعنوان( مغامرات بين خرائب باشان).
وجمع في كتابه( تدمر وزنوبيا) نتاج رحلات عديدة قام بها إلى مناطق شتى في وسط سورية وجنوبها.
وقد اعتبر الرحلتين الأخيرتين اللتين قام بهما في ربيع عام 1874 قبل عام من مغادرته الأراضي السورية عماد هذا الكتاب وانقضى عشرون عاماً حتى رأى هذا الكتاب النور عام 1894 قبل وفاة رايت بعدة سنوات.
كان شغف رايت بالترحال كبيراً، ولم يتوقف عنه يوماً، وفي عام 1887 غادر إلى هولندا ثم بلجيكا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا، وفي عام 1890 قرر رايت أن يخوض غمار رحلة طويلة حول العالم فزار الصين وبورما والهند وسيريلانكا ثم هونغ كونغ وسنغافورة وطوكيو حتى حط الرحال أخيراً في أميركا قبل أن يعود إلى وطنه بعد سنتين من التجوال حول العالم.
توفي رايت في 31 تموز عام 1899 عن اثنين وستين عاماً في منزله في ( وولز ثروب).
لقد ولد رايت في نفس السنة التي اعتلت فيها الملكة فيكتوريا العرش وتوفي قبل نهاية حكمها بوفاتها عام 1901 إنه قدره أن يعيش في العصر الفيكتوري الأكثر ازدهاراً وأشهره في تاريخ بريطانيا.
يقول وليم رايت في مقدمته لهذا الكتاب:( كتب جزءاً من هذا الكتاب على سرج الحصان، والجزء الآخر في الخيمة بين الأماكن التي يصفها لذلك تجد سطوره تصطبغ باللون المحلي، إن الاستكشافات والأحداث التي ذكرت كانت أحداث إقامة في سورية لتسع سنوات مفعمة بالحياة مثيرة للمشاعر صحبة رفاق شاركونا هذه الحياة في السراء والضراء.
هذا العمل الذي نشر منه بعض الفصول قد حرر على ضوء النقوش والكتابات المكتشفة حديثاً ويهدف لتقديم صورة مختصرة لما كانت عليه الحياة في الماضي وما آلت إليه اليوم.
يحوي الكتاب الكثير من العبارات المقتبسة مباشرة وقد وضعها المترجم بين قوسين من قصائد معروفة لشعراء إنكليز أو من مسرحيات أو كتب أخرى وقد ذكر بعضاً من أصحابها وترك بعضهم للقارئ دون ذكر صاحبها والمترجم كمال الشوفاني أشار إليها في حواشي الكتاب التي أضافها.
فقد كان لزاماً عليه فعل ذلك لزيادة معرفة القارئ ببعض الحقائق التي لم يأت عليها الكاتب بالتفصيل أو إنه لم يكن على دراية كاملة بها، أو فسرها بشكل خاطئ.
وكان لا بد من توضيح بعض المعاني التي مر بها الرحالة، وكون الكاتب لديه هوامش خاصة به فقد وضعها المترجم في نهاية كل فصل.
كما أضاف ملحق صور ووثائق تتعلق بالأماكن والشخصيات التي وردت في الكتاب وأشار إلى مصدرها.
من الكتاب
لدى مغادرة القرية عرض على حافة اللجاة التي تبدو كحبل بازلتي إلى حافة بسهل، وفي السنة الماضية وقبل أربعة أيام من تاريخنا اليوم عندما زرت «براق».
كانت أزهار الليلك تغطي المكان لينتشر عبقها في كل أرجاء براق.
أما اليوم فالبكاد نشاهد القليل منها في طريقنا.
هذا الاختلاف ربما يعود إلى أن ربيع السنة الماضية جاء بعد فصل شتاء ماطر بينما جاء ربيع هذا العام بعد شتاء جاف، كان هناك أسراب من الحجل اليوناني يتراكض فوق الصخور... إن عملية صيد الحجل في سورية تختلف عن مثيلتها في إنكلترا فالحجل في سورية أكبر وأقوى من الحجل في بلادنا.
الكتاب: مغامرات بين خرائب باشان- رحلة إلى حوران عام 1874 - تأليف: وليم رايت - ترجمة وتقديم كمال الشوفاني - صادر عن دار ليندا- دمشق قطع متوسط في 209 صفحات