ولكن من خلال إجراء تحليل بسيط للقوى الموجودة في الساحة نستنتج أن المعركة محصورة ضمن إطار مواجهة محدودة تجري بين روسيا والدول الغربية, كما جرت العادة سابقاً قبل انهيار جدار برلين.
وطبعاً فيما لو اندلعت تلك الحرب العالمية سيكون لكافة القوى العظمى دور فيها, أي كانت هي شرارتها أو ساحتها, وليس خافياً على أحد أن واشنطن وحليفتها إسرائيل سعتا إلى تحويل القوقاز ومنطقة الشرق الأوسط إلى ساحة معركة ضخمة لتجد دول المنطقة نفسها الآن متوزعة بين طرفين متحاربين, من جهة الولايات المتحدة و إسرائيل ومن جهة أخرى الدول المعادية لهما.
وعلى أرض الواقع تواجه إسرائيل الآن وفي ادعائها دفاعها المشروع قوتين لا يستهان بهما هما حماس وحزب الله, وهوالذي أظهر خلال حرب تموز عام 2006 قوة مكنته من مقارعة الجيش الإسرائيلي وقهر اسطورة الجيش الذي لا يقهر ضمانة الحلم الصهيوني. وليس خافياً على أحد كما أثبتت عدة وقائع الدعم الروسي والإيراني والصيني المقدم إلى حماس وحزب الله, وسابقاً لم تتردد روسيا في الاعتراف بحكومة حماس حين قاطعها العالم أجمع تقريباً , كما وقدمت لها مساعداتها فيما التحالف بين إيران وحزب الله ليس بحاجة إلى إثبات سواء في المجال المالي أم العسكري, وتبدي الصين تكتماً شديداً في هذا الشأن وقد ادعت )إسرائيل( على مصرف الصين أمام محكمة أميركية بحجة دعم المذكور لحزب الله وحماس, وثمة خيط ايديولوجي رفيع ومتين يربط بين الأطراف المعادية للصهيونية الذين يقارعون القوى الغربية على أرض فلسطين ولبنان والقوى الثلاثة المعادية للامبريالية الصين - روسيا- وإيران( فالقاسم المشترك بينهم هو عدو واحد.
ونلاحظ أنه وفي شرق الكرة الأرضية تتكاثر القواعد الأميركية المتمخضة عن غزو العراق وأفغانستان (وكذلك الموجودة في منطقة الخليج العربي وإن كان وضع القوات الأميركية المحتلة في العراق وأفغانستان في موقف لا تحسد عليه وغارقة في رمال متحركة , إلا أن تلك القواعد تشكل كيفما كان نقطة ارتكاز كبيرة للولايات المتحدة ويجدر القول إن الناتو وتحالف العراق لا يعدو عددهم 20 ألف جندي.
وفي الشمال اتخذت أميركاو اسرائيل جورجيا المتاخمة لروسيا قلعة لهما,وكما دلت الأحداث الأخيرة, عملت واشنطن وتل أبيب على تمويل ودعم هجوم الحكومة الجورجية بزعامة ساكاشفيلي الذي تم تكريمه في جامعة حيفا الإسرائيلية بمنحه درجة الدكتوراه الفخرية على أوسيتيا الجنوبية ولم تخرج أوروبا عن الصف الأميركي في نظرتها إلى الوضع في القوقاز حتى إن انجيلا ميركل رئيسة وزراء ألمانيا أكدت تأييدها انضمام جورجيا إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي بينما اقترح بعض المسؤولين أمثال برناردكوشنير وزير خارجية فرنسا فرض عقوبات على روسيا.
وفي الباكستان استقال الزعيم الموالي للغرب برويز مشرف ومن المرجح جداً أن تنقلب الأمور في الباكستان إلى الطرف المعادي للولايات المتحدة )وهذا ما ندركه من خلال الصراع على السلطة الذي يوشي الحياة السياسية في البلاد وثمة لاعب أكثر أهمية وهي الصين التي تمتلك حدوداً لها مع الباكستان وتقدم غالباً دعمها للبرنامج النووي الإسرائيلي ولاسيما في تبنيها مواقف دفاعية إلى جانب الموقف الروسي في مجلس الأمن الدولي, وبعيداً عن المعطيات الايديولوجية والسياسية ثمة معطيات اقتصادية ليست بالأقل أهمية ويجب أخذها بعين الاعتبار , وقيل يوماً على لسان أحد السياسيين )في السياسة الدولية ليس هناك أصدقاء بل مصالح مشتركة فالمنطقة غنية بالنفط ,وتعتبر كل من العراق وإيران من أوائل الدول المنتجة للنفط في العالم وتعتبر القوقاز ممر عبور لخطوط النفط الحيوية, وأمام الأزمة النفطية الحالية من الطبيعي أن تسعى قوى عظمى مثل الصين إلى حماية اقتصادها من أي عوز وحاجة والاتحاد الأوروبي من جهته يعيش على بعض خطوط النفط ويدرك أهمية وضرورة أن تحمي أوروبا نفسها.
وضمن هذا السياق ندرك أن المنطقة تتشكل من مزيج رهيب من المصالح ويمكن فيها التمييز جيداً من الناحية العسكرية بين المحورين المتعارضين, المحور الأميركي- الإسرائيلي والأوروبي من جهة ومحور المعادين للامبريالية وهم الصين وروسيا وإيران من جهة أخرى ,وهنا في تلك الرقعة يمكن أن يكون مسرح الحرب العالمية الثالثة فيما إن واصلت أميركا و)إسرائيل( سياستهما القاضية ببذر المشاكل وزعزعة الاستقرار وإثارة الأزمات.
وفي الخارطة الدولية يتوقع الكثير من المراقبين أن تكون إيران وهي المجاهرة بعدائه لإسرائيل والولايات المتحدة والمصرة على المضي ببرنامجها النووي مركز الحرب المفترضة وقد أشار الروس إلى أن المناورات الجورجية في أوسيتيا الجنوبية إنما تشكل محاولة أميركية وصهيونية تهدف إلى زعزعة استقرار روسيا من أجل توجيه ضربة إلى إيران, وقد حذر الإيرانيون بشكل واضح من مغبة هكذا مغامرة على لسان أحد جنرالاتهم حين أكد أياً كان نوع الضربة الموجهة لإيران فذلك يعني بداية حرب عالمية ,إن طموح وعدوانية زعماء أميركا والصهيونية العالمية التي لا حدود لها يمكن أن يقود العالم تدريجياً إلى حافة الهاوية.
الإنترنت عن موقع الترانفو