هو تهديد جدي للصحة, حيث يموت سنويا أكثر من مليون شخص في أنحاء العالم بسبب العنف, ويصاب الآلاف بعواقب صحية لأذيات غير قاتلة نتيجة تعرضهم أو مشاهدتهم لأفعال عنيفة, وقد تستمر آثاره على البشر طوال الحياة, وتؤثر على تطور الفرد نفسيا وسلوكيا, في أي مرحلة من مراحله العمرية.
مشاركات مميزة..
رغم أن مؤتمر الاتحاد العربي للأطباء النفسيين, يعقد للمرة الأولى في سورية, يؤكد د. أديب عسالي مدير مركز الطب النفسي في إدارة الخدمات الطبية, ورئيس المؤتمر الحادي عشر للطب النفسي, على أهمية المؤتمر الذي شاركت فيه 26 دولة, ومساهمات /116/ ورقة عمل,و/9/ ورشات عمل تدريبية للأطباء المقيمين ولطلاب علم النفس والتربية, والدورات كانت عملية.
اختير موضوع العنف عنوانا للمؤتمر, بسبب ما يعانيه الوطن العربي على وجه الخصوص من الحروب, كاحتلال العراق وفلسطين, والعمليات التفجيرية التي تحدث في الجزائر, هذا إضافة الى المعاناة المنتشرة في البيوت سواء بضرب الأولاد, أو تعنيف الزوجات, والإهانة التي يتعرض لها الطلاب في المدارس, والتأثيرات النفسية الناتجة عنها التي يمكن أن تستمر العمر كله وربما تحوله الى إنسان عنيف..
وقد لاقى المؤتمر تجاوبا كبيرا بعد الإعلان عن طريق شبكة الانترنت بدءا من أميركا, وانتهاء بجنوب افريقيا, والدول العربية جميعها..حتى بلغ عدد الوفد التونسي حوالي 30 طبيبا, إضافة الى المشاركات المصرية والتركية, والأوروبية..
واقترح الأوربيون إقامة مؤتمر سوري أوروبي, كما طالب الاتراك بمؤتمر سوري تركي, ونميل الى ذلك بربيع 2010 في مدينة حلب..
وعلى هامش المؤتمر عقدت نشاطات عدة اهمها ندوة برئاسة وزير التعليم العالي حول موضوع إنشاء معهد للطب النفسي في سورية, يتضمن مشفى تعليميا يتدرب به طلاب علم النفس..
وندوة خاصة لدراسة قانون الصحة العقلية لتحمي المريض النفسي وتحفظ حقوقه..
وقد أتاح البرنامج الاجتماعي الفرصة للتمتع بدمشق, فكان المؤتمر فرصة للتمتع بحضارتنا العريقة وتجديد صداقات قديمة, وبناء صداقات جديدة..
علاج الحالات المستحيلة
عالجت أوراق العمل مواضيع هامة, وقد اهتم د. خليل فاضل طبيب نفسي/مصر/ في مداخلته بكيفية علاج الحالات المستحيلة فقال:
دأب المعالجون النفسيون على وجود صعوبات في علاج بعض الحالات فيغرقونهم بالدواء, أو يحولونهم لطبيب آخر, أو معالج آخر, وثمة طرق تعتمد على الصبر والتحليل النفسي والاجتماعي وعلى رؤية ما وراء العرض..
ومن الحالات الصعبة, الحالات العصابية التي تتمحور حول الخوف والوسواس, التي لها أسباب دفينة في علاقة الأب والأم, والتربية والنشأة الأولى, فعندما يغفل عنها المعالج, لا ينجح, لأنه يعالج المظهر دون الجوهر, وأوراق الشجر دون الجذر.
وفي ورقته الثانية التي كانت بمثابة ورشة عمل عن المسرح العلاجي النفسي, وهو أول من أدخل هذه الطريقة بشكلها الحقيقي والعربي والمصري في مصر سنة 2001, وما زالت قائمة حتى الآن, وهي تعتمد على تمثيل مواقف من الحياة للمتعالج وخلق أناس لا يتقدمون للعلاج مع أناس يتعالجون, في إطار واحد بشكل اسبوعي وبدون نص, وبتلقائية شديدة جدا..
وفي كتابه (وجع المصريين) يحكي عن الأزمة بين المريض والطبيب فالاثنان يكذبان على بعضهما, فهناك أزمة ثقة كبيرة, والحل لذلك يبدأ من كلية الطب, فقبل أن نعلم الطلاب الطب, نعلمهم الإنسانية وكيفية التعامل مع المريض وأهله, وكيفية كسر الأنباء القاسية مثل إخبارهم بالتشخيص وما إليه, وأيضا نعلمهم علم الاجتماع الحقيقي..
الاضطراب السلوكي..
وعلاقته مع التقنية والتربية
وفي بحثه الذي أجراه على المدارس في سورية, والذي حمل عنوان العلاقة ما بين الاضطراب المسلكي أو السلوك العدواني عند الأطفال مع التقنية (تلفزيون, كمبيوتر, انترنيت, أو علاقته مع العنف الذي يأتي مع التربية التي تعتمد على العنف (الصراخ, الضرب..) توصل د. ملهم حراكي, اختصاصي بالطب النفسي للأطفال والمراهقين الى أن الاضطرب السلوكي له علاقة قوية مع التربية إن كانت تميل نحو العنف ويزداد معدل الاضطراب السلوكي عند الأطفال حسب عدد ساعات مشاهدة التلفزيون, ونوعية البرامج التي يشاهدها وتؤكد الدراسة أن العلاقة مع الكمبيوتر واستعماله لم تكن قوية لكن الدراسات العالمية تؤكد على وجود علاقة مع البرامج المستخدمة عن طريق الكمبيوتر ..
والكشف المبكر عن هذا الاضطراب ومعالجته بالتدخل عن طريق العائلة (الأب والأم) هما الأساس في خلق انسان متوازن.
الاحصائيات اخذت من عينة 607 حالات, 43 حالة منها مصاب باضطراب سلوكي أي بنسبة 7%
المناطق التي درست دمشق, ومنطقة من محافظة إدلب..
نسبة الاصابة في دمشق 8% وفي المناطق الأصغر 6% وهذه نسب مرتفعة, والحالات الخفيفة هي الأكثر انتشارا.. وتتراوح النسبة العالمية بين 4% و 16%...
التطورات .. في علاج الاكتئاب
ثمة أسباب عديدة تكمن وراء إصابة الإنسان بالاكتئاب يلحظها د. نديم مشمش استشاري طب نفسي في النقاط التالية:
-حالة الفقد, فقدان شيء هام أو شخص قريب أوفقد مادي..
-الشعور بأن كل من حوله ضده..,
-أو يحس أنه ذليل, مهان.. لا قيمة له..
وعلاج الاكتئاب يكون باستخدام مضادات الاكتئاب أي العلاج دوائي, ويكون تدخل المعالج النفسي في الحالات الخفيفة والمتوسطة على شكل جلسات, وثمة علاج بالصدمات الكهربائية وهو علاج متطور جدا..
ضرورة إزالة الوصمة.. وتقبل العلاج النفسي
ويرى د. ابراهيم بيت المال, الممثل المقيم لمنظمة الصحة العالمية في دمشق, أن من أهم البرامج والخدمات الصحية التي تعول عليها المنظمة هي الخدمة النفسية لخطورتها وأهميتها..
ويقر أن 15 % من الخدمات الصحية لها علاقة بالصحة النفسية والطب النفسي, لذا نسعى للاهتمام بالرعاية الصحية النفسية وخصوصا من خلال منظومة الرعاية الصحية الأولية..
وفي سورية رغم امتلاكها لشبكة رائعة من الرعاية الصحية الأولية, إلا إنها لا زالت محصورة بالمشافي ويجب أن تخرج الى المراكز الصحية الأولية وتكون متوفرة على المستوى الأفقي..
وعلى طبيب الأسرة أن يكون ملما باحتياجات الأسرة كافة (طب نفسي, وصحي , وجراحي, وجلدي..) فإذا وجد الطبيب الذي يملك هذه الخبرات نكون قد تجاوزنا الكثير من المشاكلات وخصوصا النفسية منها, وهنا نركز على أهمية الاختصاصي الاجتماعي, والنفسي.., وللأسف لا زال العالم العربي غير آبه بهذا الاختصاص...
ويترتب علينا إزالة ما يسمى بالوصمة ,ونقبل العلاج النفسي, لأن هذا الامر ليس فيه ما يدعو للخجل أو العار أو الفضيحة...
وعن الوضع في سورية يقول:
ما زال موضوع الرعاية النفسية في البدايات, ولم نصل الى ما وصل اليه الغرب, وتحتاج للمزيد من (الدعم الرسمي والسياسي والاقتصادي) ودعم الرابطة لتحقيق التطوير في الخدمات, وليأخذ الطب النفسي حقه من الرعاية ويعطى مساحة من الأولوية ويجب أن يأخذ دوره لأننا بحاجة إليه.
وللهلال الأحمر واليونسيف.. دور هام
ويسعى الهلال الاحمر العربي السوري بالتعاون مع اليونسيف أن يساهم من خلال مشروعه في تقديم المساعدات عبر عياداته النفسية للأطفال العراقيين ممن تعرضوا للعنف سواء عبر المشاهدة أو الإذاء الشخصي..
هذا ما بينته نجوى كلاس منسقة برامج الدعم النفسي في الهلال الأحمر واليونسيف وأضافت:
نسعى للاستفادة من الخبرات الجديدة, وتعريف العالم على المشروع وأهدافه والنتائج التي توصل إليها, سواء على مستوى الأمهات حيث زاد الوعي لديهن وإدراكهن بأهمية الطبيب النفسي والمراكز التي تستقطب الاطفال المعنفين, وبالنسبة للأطفال استطعنا من خلال برامج الدعم النفسي أن نعيد لهم طفولتهم الحقيقية, وتحقيق السلام الداخلي لديهم..
وفيه مشاريع مستقبلية (مشروع الامهات, واليافعين من عمر 15-19) سنة, ضمن كادر متخصص ومؤهل بدورات عالية المستوى..
قوانين .. الأمراض النفسية
إن ممارسة مهنة الطب النفسي على خلاف تخصصات الطب الاخرى, يحدث فيها تحكم بحرية المريض, حيث يدخل المريض الى المشفى, وربما يمنع من الخروج منها, وهذا بدوره يحتاج لقوانين وأنظمة تنظم هذه الإجراءات..
د. ناصر لوزة أمين عام الصحة النفسية في وزارة الصحة في مصر وقف عند هذا الأمر في مداخلته, وأشار أنه لا بد من وجود قانون يحمي المرض ويحمي الأطباء والعاملين في هذا المجال من مثل:
-قوانين فترات ابقاء المرضى في المشفى
-حق المريض في تقرير مصيره إذا أمكن ذلك , وتقرير العلاجات المناسبة.
-وحق المريض في الاتصال بأهله وبمحاميه.. وحق الطبيب في حمايته عند أخذ القرارات, لأن العرف والمجتمع يحمل الطبيب مسؤولية كبيرة, إذا تسبب للمريض بمشكلة ما على مدى سنوات معا بعد خروجه من المشفى..
في سورية لا توجد قوانين بهذا الشأن, بل يعتمد الطبيب على خبرته وعلى اخلاقيات مزاولة المهنة.. والأطباء السوريون على مستوى مشرف ..
وقام على هامش المؤتمر معرض ضم العديد من الكتب المختصة تميز منها كتاب (كيف نفهم الطفل والمراهق) للاستاذ الدكتور عبد الرحمن ابراهيم- وهو يوضح كيفية فهم سلوك الطفل والمراهق من لحظة البيضة الملقحة وحتى نهاية سن المراهقة, بأسلوب سلس وتحليل نفسي لكافة التفاصيل الحرجة والدقيقة لما يجري من تطورات طبيعية على سلوك الانسان في هذه المراحل..
ففي فصول الكتاب تفاصيل دقيقة في التطورات النفسية الطبيعية لسلوك الانسان في مرحلتي الطفولة والمراهقة..