وسمي مدفع الإفطار مع أنه ينبه للسحور والإفطار لأن إيقاظ الناس للسحور كان يتم بواسطة المسحر الذي يملك وقتا كافيا ليدور على الأزقة والحارات , في حين من غير الممكن تنبيه الناس للإفطار في وقت واحد .
وشهد مدفع دمشق للإفطار والسحور عدة تطورات في مكانه ونوعية الطلقات التي استخدمت فيه فحتى نهاية العصر العثماني كان مدفع رمضان يطلق من قلعة دمشق وبساتين الربوة , وبعد تنامي العمران في المدينة وخشية تأثيره على بنيان القلعة تم نقله في عهد الانتداب الفرنسي إلى خارج مدينة دمشق وتم وضع مدفع في الربوة ومدفع في بساتين الشاغور قرب باب كيسان, وكان صوت المدفع قويا يسمع في جميع أنحاء دمشق .
وفي الخمسينيات تم استبدال مدافع الذخيرة الحية بمدويات صوت كانت توضع في عدد من حدائق دمشق ومنها حديقة الثريا في الميدان , حيث يتم وضع اسطوانة في أرض الحديقة وتوضع فيها كمية من البارود ضمن قطعة قماشية ويتم إشعال فتيلة مرتبطة بها , وعندما تشتعل تندفع حشوة البارود عاليا وتطلق في الجو دون إحداث أي ضرر , وتختلف شدة الصوت قوة وضعفا بكمية البارود الموضوع في الحشوة .
ويتولى قسم شرطة محافظة دمشق الآن عملية إطلاق مدفع رمضان والأعياد والمناسبات , , حيث يقوم مندوب عن القسم بالمكوث في مكتب القاضي الشرعي الأول بدمشق وعند إعلان ثبوت الشهر يتم إعلام المحافظ الذي يوعز بإثباته عبر مدويات الصوت وهي التسمية الرسمية لمدفع رمضان في مدونات القسم المذكور .
ويتم إطلاق 21 طلقة عند ثبوت الشهر , وفي حال عدم ثبوته يجري إطلاق المدافع في عصر اليوم التالي ومثل ذلك لإثبات هلال شوال , ويوميا هناك ثلاث طلقات عند السحور الأول لتنبيه الناس والثاني لإعداد الطعام والثالث عند الإمساك , ويطلق عند الغروب طلقة واحدة , وتطلق مدويات الصوت الرمضانية الآن من ثلاث حدائق تغطي جهات المدينة .
وجميع ما كتب عن المدفع في الصحف العربية ومواقع الانترنت حول بداية ظهور مدفع الافطار تعوزها الدقة العلمية وعلى النقيض من الوقائع الموثقة في كتب التاريخ .
تقول إحدى الروايات إن مدفع الافطار يعود إلى قصة مدفع الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل في مصر , ويقدرون عمر المدفع الرسمي بمئة وخمسين عاما, وملخصها أن المصادفة وحدها كانت هي سبب ظهور مدفع الإفطار , ويذكرون أن بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل كانوا يقومون بتنظيف أحد المدافع الحربية فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة, وبالمصادفة كان ذلك وقت أذان المغرب في رمضان, فاعتقد المصريون أن أمراً من الحكومة صدر , وصار المدفع حديث الناس وأعجبت بذلك الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل وأصدرت فرماناً بانطلاق المدفع وقت الإفطار والسحور.
ومن الروايات الأخرى أن محمد علي الكبير في مصر كان في عام 1805 يجرب مدفعاً جديداً من المدافع التي استوردها من ألمانيا في إطار خططه لتحديث الجيش المصري, فانطلقت أول طلقة وقت أذان المغرب في شهر رمضان, فارتبط صوته في أذهان العامة بإفطار وسحور رمضان , وهذا يعني أن عمر المدفع مئتا عام .
وهناك رواية تعيد ظهور مدفع رمضان إلى خمسمئة عام في عصر المماليك , حيث يقال أن والي مصر خوش قدم ويعني ( القدم الجيدة ) كان يجرب مدفعاً جديداً أهداه له أحد الولاة.وتصادف أن الطلقة الأولى جاءت وقت غروب شمس أول رمضان عام 859 ه وعقب ذلك توافد على القصر أعيان القاهرة يشكرونه على إطلاق المدفع في موعد الإفطار.
لقد تم اختراع المدفع في عصر السلطان العثماني محمد الفاتح كما ورد في موسوعة الأسدي , وهو أول من استعملها في حصار القسطنطينية سنة 1453, ولم تكن المدافع معروفة في عصر المماليك , وقد جاء السلطان سليم الأول إلى الشام ومصر في عام 922 هجرية وتوفي في شوال سنة 926 ه أيلول 1520م .
وكان المدفع يستخدم لأغراض كثيرة في المناسبات كزيارة ضيف عزيز , ولهذا نلاحظ انتشاره في كل البلاد العربية ومنها مدن كبرى مثل دمشق وبيروت والقاهرة ثم مكة والمدينة وصنعاء وبغداد ,ولكل مدينة حكاية مع المدفع .
ولهذا فالروايات التي تقول أن أول مدفع للإفطار انطلق من القاهرة في عام 859 ه ليست صحيحة وتنقضها الوقائع التاريخية الثابتة , كما أن القول إن مدفع رمضان انتقل إلى بلاد الشام عندما غزا جيش محمد علي البلاد , تدحضه وثيقة تاريخية وردت في مذكرات البديري التي كتبت قبل قدوم جيش محمد علي بمئة عام .