تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مـن ظرفـاء دمشـــق (36).. أحمـــــد القبانـــــي

ســـــاخرة
الخميس 5-4-2012
 نصر الدين البحرة

كان أحمد القباني (أبو صالح) من وجهاء حارتنا مئذنة الشحم، في أربعينيات القرن الماضي، وهو في الواقع واحد بين شخصيات عديدة، تشبه إلى حد بعيد، النماذج التي صورها الروائي العربي الكبير نجيب محفوظ في روايته الرائعة «زقاق المدق»، ولابد أنني سأعرض لذلك في حديث تال.

وقد كنت قريباً جداً منه لعدة أسباب، فقد كان وزوجته التي هي خالتي، من القاطنين في ذلك البيت القديم الذي أقامت فيه أسرتنا، أنا وأمي وإخوتي طوال عشر سنوات، والسبب الثاني لهذا القرب، أنه صهري - كما تقدم - أما السبب الثالث، فيكمن في عاطفة الحب التي كنت أكنها له.‏

شاربان كثان وطربوش طويل‏

كان أبو صالح معتدل القامة، يعتمر طربوشاً طويلاً - وكانت هناك طرابيش قصيرة - وله شاربان كثان، دون أن يعقفهما، ويرتدي الثياب الموصوفة بأنها عربية: شروال فضفاض، لكنه أنيق، وميتان (صدرية) بأزرار قماشية متعددة، وكان يؤثر أن ينتعل - في الأغلب - حذاء رمادياً، قلما كسر كعبه، مثلما كان يفعل آخرون.‏

كأنه في فرقة مولوية‏

كانت غرفته في الطابق الثالث من تلك الدار الكبيرة، ذات نافذة شمالية تطل على (مصلبة) الحارة التي تتوسط (الشارع المستقيم) بعد سوق البزورية مباشرة، وكان يحلو لي أن أتسلل من غرفتنا في الطابق الثاني، لأتفرج عليه وهو في طقوس ارتداء ثيابه، إذ يعاني وهو يدخل أزرار «الميتان» القماشية في عراها، وإذ يلف خصره بشملة حريرية طويلة، كان يضع طرفها الأول تحت يمناه، ويكلف خالتي أن تمسك الطرف الثاني فتلفه، فيما هو يدور كأنه فرد في فرقة «مولوية».‏

زنار الليرات الذهبية‏

على أن أحمد القباني، كان قبل ذلك يحيط خصره بزنار أبيض مجوف، تخبأ فيه العملة، وكانت في الأغلب ليرات ذهبية، وكان هذا الزنار، قدر محيط الخصر تقريباً، وله قفل معدني، بعد ذلك يحين دور الشملة، التي تخفي ذلك الزنار تماماً.‏

مع ماري جبران‏

أما مهنته، فهي وكالة أحد مكاتب السفر إلى بيروت - لبنان، وكان يذهب إلى هناك في الضحى، ثم يعود بعد الظهر ليطعم ويتقيل، استعداداً للسهرة الطويلة التي كان يمضيها في أحد المرابع الليلية، حيث تشدو المطربة الكبيرة ماري جبران، والتي كان أبو صالح يدلل اسمها - مع رفع الكلفة - فيقول: مارو.‏

ضرة خالتي الشقراء‏

على أن أبا صالح هذا، كان من عشاق الجمال، وعلى الرغم من أن خالتي السمراء لم تكن قبيحة، إلا أنه أتاها بضرة، يخيل إلى من يراها، لولا الحجاب الإسلامي، أنها غادة سلافية: سيدة مكتملة الجمال، طول، ذات شعر أشقر وعينين زرقاوين، لم يسكنها أبو صالح بالطبع مع خالتي، رغم وجود غرفة شاغرة أو أكثر في الدار.‏

أم نذير في دارنا‏

كنا ندعوها «أم نذير» باسم ابنها ذي السنوات العشر الذي جاء معها، والغريب في الأمر أن خالتي قبلت ضرتها هذه - على مضض لم يكن يبدو عليها - لأن أم نذير كانت تتردد على دارنا بين وقت وآخر، كأنها عضو أساسي في الأسرة، أكثر من هذا، فإن أم نذير كانت تشارك في النزهات و«السيارين» التي كنا نقوم بها في الربوة أو غيرها، دون أي حرج يمكن أن تشعر به، وهناك تساهم في شي اللحم وإعداد الطعام.‏

أشجار في منزل أم نذير‏

أرسلتني خالتي أكثر من مرة، في بعض الشأن، إلى منزل أم نذير الذي كان يقع في الحي ذاته، خلف جدار قصر العظم الغربي، لم يكن في حجم منزلنا إلا أنه يضم ثلاث غرف وأحواض زريعة، وشجرة كباد.. وشجرة ليمون وثالثة: أكي دنيا، وقلما كنت أرى ابنها نذيراً، ذاك أنه، رغم صغر سنه وجد لنفسه عملاً في الحارة.‏

للحديث صلة‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية