هكذا قالت القبائل الطوارقية في يوم من الأيام.
حيث تبدأ هذه القبائل من جدتهم العظيمة (تين هينان) التي يعتقد أنها المؤسسة الأولى للتقاليد والثقافة والقيم والأخلاق.
فإذا أردت أن تتعرف على حضارة قوم لديهم فحاول أن تتعرف على موقع المرأة هناك.
فموقعها عندهم ينبع من كونها تتمتع بالحقوق الكاملة والمساواة وليس من كونها أنثى فقط حيث تعطى الأهمية لأصل الأم وليس لأصل الأب.
فالرجل الذي تنتمي أمه إلى قبيلة محترمة على سبيل المثال يمكن له إحراز موقع مهم في الحكم حتى وإن كان والده غير معروف الأصل لكن الرجل الذي لا يعرف أصل أمه لا يمكن له أن يتقلد زمام السلطة في هذه القبيلة حتى وإن كان والده ينتمي إلى أشرف العوائل الطوارقية.
ولهذا فالمرأة هناك لا تقبل باستبدال موقعها مع أي امرأة أخرى في العالم.
فالأمومة بالنسبة إليها عزة بدلاً من اعتبارها مسبباً للعجز والإهانة.
حقيقة ثابتة إذاً لا تحتاج إلى برهان أن المرأة كانت ولاتزال رمزاً للتضحية إلى جانب المجد.
وإن تباين دورها واختلف وتطور مع تباين واختلاف وتطور كل مرحلة من مراحل التاريخ. فالعائلة حسب (مورغان) قد تغيرت من شكل إلى شكل بقدر ما تغير المجتمع من درجة إلى درجة.
ففي الماضي كان الناس يظنون أن هناك شكلاً وحيداً طبيعياً للأسرة وهو الأسرة الجدة التي يتحلق حولها أولاد وأحفاد وأحفاد الأحفاد حيث المكانة المرموقة للمرأة في مجتمعات ما قبل التاريخ والتي تشير إليها الدراسات وتسميتها بالنظام الأمومي الذي كان سائداً في ذلك الوقت.
أي إن المرأة في ذلك النظام هي أساس وحركة النشاط الاقتصادي للأسرة أو القبيلة أو العشيرة حيث ينتسب الأولاد إليها .
أما في مرحلة ثانية من التاريخ فقد ظن الناس أن الأسرة البطريركية هي الشكل الوحيد للأسرة والتي تختلف باختلاف الأجناس والعادات والتقاليد من مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر .
ومن هذه المرحلة انطلقت المرأة كتابع للرجل.
فلم تعد سيدة وقتها ولم تبق الأمور في قبضتها كما كانت من قبل وإنما صارت شيئاً فشيئاً وفي معظم الحالات تتواطأ مع قوى تصغير كيانها وبمقادير متفاوتة .
وتتعامل مع مواقعها على أنها تمثل البدائل الممكنة للدور الذي يمكنها أن تقوم به وللوظيفة الثانية التي خلقت لها.
فالمرأة دوماً هي الموقع الآخر بالنسبة لمواقع الممارسات الفعلية.
فلماذا تحتل دائماً هذا المركز الثاني؟
..سؤال يطرح ذاته باستمرار لتكون الاجابة وفي مجمل حالاتها مستوحاة من فحوى تتعلق بإمكانيات المرأة ونفائسها المخبأة ضمن جرار أعماقها والتي لا تجرؤ على إخراجها بشكل كامل بسبب الخوف والحذر والريبة لا بسبب التكوين والطبيعة.
المسألة ليست مسألة بيولوجيا وفيزيولوجيا بل مسألة سلبيات مسألة تراكمية حشرت المرأة في خانة ضيقة منعتها من الحركة.
فصار الرجل أكثر انطلاقاً وحرية واستقلالاً ووعياً لواقعه وإن كانت الحال تتباين بتباين المجتمع والتربية.
فالبيئة بمجمل مؤثراتها تساهم بإنتاج إنسان إما أن يتحرر كلياً أو لا يتحرر.
الواقع الراهن بحاجة ماسة إلى حضور المرأة الفاعل وإن كلف ذلك المزيد من التعب والمزيد من المقدرة على التواصل مع معطيات القضايا الراهنة كي ترسم رؤية جديدة ومفاهيم متطورة ممهورة ببصمتها المشمولة برعاية الضوء.