تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لم أستطع إنقاذ طفل واحد

ترجمة
الأثنين 26-1-2009م
ترجمة : رندة القاسم

عندما كنت صغيرة اعتادت أمي البكاء قائلة: لم أستطع إنقاذ طفل واحد يهودي.

والآن أنا أصبحت كأمي أقول: «لم أستطع إنقاذ طفل واحد في غزة»‏

لم أستطع إنقاذ أولئك الذين كانوا في الشرانق الخضراء ممددين صفا إثر صف محاطين بحشد من الرجال الحزينين، لم أستطع مواساة الآباء الذين كانوا يثبون في أماكنهم صارخين من الحرقة وأولادهم الموتى أمامهم على الأرض.‏

لم أستطع تهدئة الأم التي كانت عيناها كسيرتين بيضاوين من الرعب تحدقان من الصورة إلى ما ورائي، ولا إنقاذ الصغير الذي إلى جانبها بوجهه الدامي المكدوم ولا شقيقه الأكبر فهما كانا الوحيدين اللذين بقيا من أولادها الستة، لا أستطيع أن أقول: تعالي لدينا مكان كبير ومريح مع سرير لك وللأطفال وحمام والكثير من الطعام، سوف نأخذكم ونحميكم، لم أستطع أن أرحب بهم في بيتنا المفعم بالهدوء وبضوء الشمس حيث الشجيرات الجميلة والثلاجة المتخمة بالطعام والحمامات الجاهزة لاستقبالهم مع مياه دافئة تنهمر لتريح أجسادهم المسحوقة التعبة لم أستطع إنقاذ طفل واحد من غزة. ولا أولئك الذين رأيتهم على محطة الجزيرة موتى برؤوس كلها دماء ممدين تحت بطانيات على أرض مدمرة، ولا الصغيرة بضمادتين ملطختين بالدماء أو ربما ثلاث تغطي جمجمتها ووجهها الدامي فلا يبقى لي ما أراه سوى شفتيها المسحوقتين وجزء من عين واحدة مطفأة ويائسة وشقيقتها الكبرى القليلة الحيلة التي بالتأكيد لا تتجاوز الرابعة إلى جانبها. لم أستطع أن آخذها وأعيدها إلى الحياة الطبيعية فأضمها وأغني لها، أضعها على البيانو وأطلب منها الاستماع إلى الأوتار حين تمر أصابعي فوقها، وأراقب وجهها حين يضيء فرحاً وهي تستكشف قطتي فأضمها وأضمها وأضمها.‏

لم أستطع إنقاذ الفتاة الصغيرة التي ربما في الخامسة إذ قالت:إن الجندي وقف ونظر إليها وأطلق النار على يدها ثم على ظهرها حين استدارت لتركض إلى حيث أمها، رصاصة اخترقت ظهري وعبرت معدتي هل يستطيع الأطباء في مشفى جعله الحصار مفتقداً للمعدات والدواء، مشفى ينبغي على المرضى فيه التشارك بالأسرة مشفى حيث الأرض مغطاة بالجرحى وبرك الدماء حولهم هل يستطيع الأطباء العمل بالسرعة اللازمة مع فوضى العائلات المذعورة المتدفقة من شوارع غزة المذعورة، هل يستطيع الأطباء الذين يعملون بالسرعة التي يستطيعونها في هذه الأرض القاحلة أن ينقذوها؟؟؟‏

لم أستطع إنقاذ المولود الجديد محمد والأجهزة على صدره والكمامة تغطي وجهه الصغير، لقد ولد وسط الرعب الذي يهز الأرض ويصم الآذان، رعب القنابل المتساقطة من طائرات اف16 ، لقد ولد للحياة من الجحيم حيث دخان القذائف والقنابل المتفجرة يخمد أصوات أطفال ونساء ورجال آخرين يهربون بلا حيلة قبل أن يستخدم «البهيموت» أذرعه الطاهرة لسحق الفلسطينيين الصراصير ذوي الساقين الذين قالت عنهم غولدا مائير لا يوجد فلسطينيون وعنهم كتب مستوطنو هيبرو عبارات على الحائط مثل العرب إلى غرف الغاز، وعن أهميتهم قال الحاخام: عربي واحد لا يعادل أظافر مليون يهودي وقال أفيغدور ليبرمان: ألقوا القنبلة الذرية عليهم كما فعلت أميركا مع اليابان.‏

لم أستطع رفع المراهقة ذات الشعر الداكن والبشرة الداكنة من الحمالة وهزها بين ذراعي قائلة: اهدئي يا عزيزتي سيصبح الحال جيداً لأنه لن يصبح جيداً لقد ماتت بوجه متجه نحو الأرض واليأس يغطي جسدها بينما أنا أراقب صورتها على الكمبيوتر.‏

لن يصبح الحال جيداً أنا كأمي والآن هو عام 1942 ثانية في غيتو وارسو ، الأمر مختلف يجب أن أعترف يجب أن أعترف بأنهم لم يكونوا يقتلون الجميع بل فقط بعضاً منهم فقط 400، فقط 600، فقط 800، فقط 1000، متى أضحت الأضرار الملازمة حقداً مبيتاً؟ متى ترجم الحقد إلى موت؟ متى أضحى الموت مذبحة؟ متى تحولت المذبحة إلى محرقة؟‏

لم أستطع إنقاذ طفل واحد في غزة أنا الآن أمي وها نحن نبكي معاً‏

البهيموت في التوراة يقصد به مخلوق هائل جداً.‏

الكاتبة هي ايلين كانتارو وهي يهودية مقيمة في بوسطن تكتب عن الضفة الغربية و«إسرائيل» منذ عام 1979وهي مغنية وعازفة بيانو ومدرسة.‏

الإنترنت عن موقع‏

counter punch‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية