كثير من الإسرائيليين الآن ينتابهم الشعور بأن كماشة التاريخ تضغط عليهم بفكيها ولقد سبق أن عاشوا هذا الإحساس قبيل حرب حزيران عام 1967، إن الإسرائيليين اليوم يشعرون بالخوف أكثر مما شعر به أسلافهم بل لديهم إحساس باقتراب أيام كارثية مع أن »إسرائيل« الآن أكثر قوة وازدهاراً من عام 1967 حيث كان عدد السكان اليهود فيها مليونين أما اليوم فهو نحو خمسة ملايين ونصف المليون إضافة إلى أن جيشها لم يكن يمتلك حينذاك سلاحاً ذرياً واليوم لديه السلاح الذري إلا أن هذا كله لا يمنع أغلبية اليهود من الشعور بالتشاؤم والرعب.
هذا الحدس يعود سببه بشكل رئيسي إلى أن العالم العربي والإسلامي عامة لم يتقبل شرعية الدولة الإسرائيلية وما زال يعارض وجودها رغم اتفاقات السلام المنفردة مع مصر والأردن التي تم توقيعها منذ عام 1979.
من جهة ثانية على »إسرائيل« أن تلاحظ أن الرأي العام الغربي وقادة الأنظمة الديمقراطية لا يمكن أن يبقوا طويلاً إلى جانبها حيث أصبح هذا الرأي العام حالياً أقل حماسة لإسرائيل وقد رأينا كيف نظروا بعين ساخطة لما فعلته »إسرائيل« في غزة وبالتالي بدأ يخف تأييدهم لـ »إسرائيل«.
أيضاً للطريقة التي تتعامل بها هذه الدولة مع جيرانها الفلسطينيين الذين يخضعون لسيطرتها في الوقت الذي تعزز فيه الدول العربية قدراتها وتثبت نفسها أكثر فأكثر، لذا علينا أن نعترف بأن »إسرائيل« بدأت تواجه نسقاً من التهديدات الخطرة فإلى الشرق هناك إيران التي تتمسك ببرنامجها النووي بقوة، ويعتقد الإسرائيلون مع عدد من أجهزة الاستخبارات أن هذا البرنامج هدفه تصنيع قنابل ذرية، يضاف إلى ذلك تهديدات الرئيس الإيراني العلنية بتدمير »إسرائيل« وهذا ما يقلق المسؤولين السياسيين والعسكريين في »إسرائيل« ويفسر لنا خوفهم.
وفي الشمال حزب الله المدعوم من سورية وإيران فبعد حربه مع »إسرائيل« عام 2006 وبحسب أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ازداد تسليحاً ولديه الآن أكثر من 40000 صاروخ من تصنيع روسي لقد تضاعف تسليحه عما كان عليه عام 2006 ولديه الآن صواريخ يمكن أن تصل إلى تل أبيب وديمونه حيث تقع المراكز النووية الإسرائيلية.
وفي الجنوب على »إسرائيل« أن تواجه حماس التي تسيطر على قطاع غزة والتي تتبنى ميثاقاً لا يعترف بإسرائيل ويطالب بالقضاء عليها واستعادة كل شبر من فلسطين ولدى حماس اليوم جيش يتكون من آلاف الرجال كما لديها عدد كبير من الصواريخ وقذائف القسام إضافة إلى الكاتيوشا الروسية والغراد وكلها جاءت من سيناء وعبر الأنفاق.
»إسرائيل« لم تنجح في شيء رغم نجاح هجماتها الجوية على غزة لكن لو اتسعت عملياتها البرية على القطاع فإنها كانت ستغرق في مستنقع من الوحل ولن تستطيع القضاء على حماس حتى لو سيطرت على غزة ولن تستطيع أبداً وضع حد لصواريخ حماس.
عامل الخطر الرابع الذي يهدد وجود »إسرائيل« العامل الداخلي ألا وهو الأقلية العربية التي تعيش إلى جانبها، ففي »إسرائيل« يعيش مليون وثلاثمئة ألف عربي لا ينقص تمسكهم بقضايا الشعب الفلسطيني بل هو في ازدياد كما أنهم يشكلون ركائز قوية لحزب الله، وحسب الاحصاءات الجديدة فإن العرب سيشكلون أغلبية سكان »إسرائيل« بين الأعوام 2040-2050، وفي المستقبل القريب أي بعد خمس أو عشر سنوات سيشكل أيضاً الفلسطينيون في الداخل إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة الأغلبية فيما يعرف جغرافياً بفلسطين الممتدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط.
إن العداء داخل الحياة السياسية بين عرب »إسرائيل« واليهود يشهد تحولاً كبيراً.
ففي العام 2000 أيام الانتفاضة الثانية هب آلاف الشبان العرب لنجدة الفلسطينيين وحدثت اضطرابات عديدة في المدن التي يعيش فيها الشعبان الفلسطيني واليهودي تعبيراً عن الدعم الأخوي لعرب الأراضي المحتلة.
وهذا ما حدث في الأسابيع الأخيرة خلال العدوان على غزة وإن كانت أقل حدة بسبب قمع السلطة الفلسطينية لهم.
لهذه الأسباب مجتمعة يضيق فيما الكماشة على »إسرائيل« وإن كانت ردة الفعل قوية إلا أنه يجب ألا نتفاجأ من انفجارات أعنف ينتظر حدوثها.