تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بوش.... وحّدتنا كراهيتك!

واشنطن بوست
ترجمة
الأثنين 26-1-2009م
ترجمة: ريما الرفاعي

بطبيعة الحال لايمكن أن نتصور أن ثمة من يدعي أنه يحب الرئيس جورج بوش، ولاأحد، ولا أحد كان سيطالب بإجراء تعديل دستوري يتيح لبوش الاستمرار في منصبه الرئاسي لولاية ثالثة.

ولكن قد يكون صعباً تصور أن نعيش من دون بوش الذي وحد أمته على أمر واحد وهو كراهيته وكراهية إدارته سنفتقد ذلك الرئيس الذي قال ذات يوم: إن أعداءنا لا يكفون عن التفكير في ابتكار أساليب جديدة كي ينالوا من بلادنا، وكذلك نفعل نحن! كما سنفتقد ذلك الرئيس الذي عبر عن تعاطفه مع مواطنيه قائلاً في أحد خطاباته: أعلم أنكم تعملون بجد من أجل «وضع المزيد من الطعام على عائلاتكم» فبعد أن يذهب بوش، من أين سنحصل على رئيس يتحفنا بهذه الأخطاء اللغوية التي تثير السخرية؟ ولا أحد يتطلع إلى خلفه باراك أوباما كتعويض محتمل عن هذه الخسارة الكبيرة، فهو لن يتحلى بهذه الطرافة اللغوية، لكونه فصيح اللسان ولاينطق إلا بجمل وعبارات مشحونة ومتماسكة لغة ومعنى، ولعل السؤال المهم اليوم من سيكره الأميركييون بعد أن يغادرنا بوش؟.‏

لقد أعطانا هذا الرئيس الكثير من الأسباب التي تدفعنا لكراهيته، وإذا تجاوزنا سياساته الحمقاء، يكفي أن نتحدث عن تعثر لغته وطريقة ضحكه وانفعالاته وغضبه، البلدان الأخرى تستطيع تقديم قادة يستطيعون مخاطبة شعوبهم باعتبارهم أفراداً ناضجين، أما نحن فقد ابتلينا بهذا الرئيس الذي يتصرف كما لو كان لم يتجاوز العاشرة من عمره، ناهيك عن عدم اهليته الواضحة لتولي أعلى منصب قيادي في البلاد، وهو ما يثير الحزن بقدر ما يثير الغضب ويدفع إلى الجنون ، ولنأخذ هنا أحد الأمثلة هو تصريحه الذي قال فيه: «لقد أنجزت المهمة» والحديث هنا عن اكتمال مهمة الحرب في العراق في أيار 2003، في حين أن الحرب التي أعلن عن إنجاز مهمتها لاتزال محتدمة هناك حتى اليوم، وهل هناك من هو مستعد للإصغاء إلى تعليقات بوش عن الاقتصاد؟ ثم هناك قائمة «جرائم» إدارته وقد قصدنا استخدام هذه العبارة حرفياً، بالنظر إلى أن أساليب التحقيق التي اتبعت مع سجناء الحرب على الإرهاب والتي أجازها بوش، هي مخالفة لجميع القوانين الفيدرالية، فضلاً عن المواثيق الدولية، التي تحرم ممارسة التعذيب بحق المعتقلين، كل هذا وغيره كثيرا جداً، حوّل بوش إلى هدف سهل لإثارة الكراهية العامة له ولإدارته.‏

وفي نهاية شهر كانون الثاني الماضي، أشارت نتائج استطلاعات الرأي العام إلى اعتقاد مايزيد على ثلثي الأميركيين أن بوش سيكتب اسمه في التاريخ باعتباره من أضعف الرؤساء الأميركيين أداءً ، بل إن نسبة 28 في المئة ممن شاركوا في الاستطلاعات يصفونه بأنه أسوأ رئيس عرفته أميركا في تاريخها.‏

علينا أن نعترف بأننا ندين لبوش بفضل واحد هو إتاحة الفرصة لصعود الرئيس أوباما، الذي تتجاوز شعبيته في أوساط الأميركيين نسبة 80 في المئة، ولعل ماخول أوباما حق الترشح للرئاسة كونه في نـظر معظم الناخبين المرشح الأكثر بعداً عن الشبه ببوش بين جميع المرشحين المنافسين الآخرين، لا أقصد هنا التقليل بأي حال من جاذبية رسالة أوباما ولا السياسات التي عبرعنها خلال حملته الانتخابية والتي أكدت على قيمة الأمل وإشاعة العدل، إلى جانب تأكيدها لرؤية التوافق الاجتماعي والعطاء والتطلع إلى مستقبل أميركي متحرر من الخوف والقلق والهواجس، وكل ذلك ما أضفى على حملته الانتخابية قيماً إيجابية عظيمة، ولكن السؤال هو إلى أي مدى كان لذلك المنحى الإيجابي تأثيره المحتمل على كسب تأييد الناخبين للحملة، فيما لو لم يكن منسوب الغضب الشعبي العام من إدارة بوش وسياساتها الرعناء قد فاض عند مجمل الأميركيين؟.‏

وأطرح هذا السؤال انطلاقاً من إدراكي لحقيقة أن أبحاث علم النفس تؤكد سهولة وسرعة بناء مشاعر التضامن السياسي الاجتماعي بين الأفراد والجماعات، على أساس المشاعر السلبية مثل الغضب والاستياء والكراهية، بدرجة أسهل وأسرع بكثير من بناء المشاعر نفسها على أساس المشاعر الإيجابية، مثل الحب والأمل والسخاء، وغالباً ما تتوحد مشاعر البشر حول شعور عام بمعارضة قوة ما تهدد كيان الجماعة الاجتماعية، سواءأكانت تلك القوة داخلية أم خارجية، وبغض النظر عن كونها حقيقية أم وهمية، وبالمثل يسهل إثارة المشاعر العامة ضد شيء ما بدلاً من تعبئتها لصالح شيء آخر، وعلى سبيل المثال يسهل إثارة المشاعر العامة ضد الشيوعية، أكثر من استقطابها لصالح التعاطف مع الرأسمالية، وبالمنطق ذاته تسهل إثارة المشاعر المعادية للسامية أو ديانة ما، من استقطاب المشاعر العامة لصالح الاعتزاز الجماعي بالتسامح الديني العرقي، ولايعني ذلك عدم تمكن المجتمعات من الجمع بين المشاعر السلبية والإيجابية في آن واحد، مثلما فعل مجتمعنا بكراهيته لبوش وترحيبه بأوباما.‏

لقد نكث بوش بالكثير من وعوده الانتخابية لحظة ترشيحه باستثناء وعد واحد ألا وهو توحيد أمته، فهو سيترك خلفه أمة موحدة بالفعل، ولكن ربما ليس على النحو الذي أراده حين وصل إلى البيت الأبيض.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية