ماذا قصد بذلك؟ جاء الجواب من الجموع التي تظاهرت غاضبة في جميع مدن العالم، والتي يعني لها هذا الهجوم الضاري ضد شعب ليس لديه أي سلاح يدافع به عن نفسه، فقد حمل بعض المتظاهرين رايات صغيرة قارنوا فيها وحشية اسرائيل بالبربرية النازية، فمنذ ظهور اسرائيل المفاجىء وسط المنطقة قبل ستين عاماً وحتى يومنا هذا تعتبر مذبحة غزة الأكثر وحشية في سلسلة المذابح الوحشية بدءاً من دير ياسين بحق الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم من العرب.
مع ذلك يؤيد أغلب الاسرائيليين العمل الإرهابي لجنودهم، فالأدمغة التي غسلها القادة الصهاينة هي صحافة محاباة، فهم يعتقدون أنهم يقودون «حرباً عادلة» لكن باقي العالم يرى الصورة الحقيقية للواقع، مثل تلك الحفنة المتنورة من اليهود حيث يمثل يوري آفنيري - المحرك العنيد للسلام - الضمير الأخلاقي إذ يصور لنا دولة معتدية وغاصبة بقوله: «ما سيتبقى، هو صورة وحش بيديه الملوثتين بالدماء... سيكون لذلك نتائج خطيرة على مستقلبنا لفترة طويلة... بالنهاية، هذه الحرب هي جريمة بحقنا نحن، جريمة ضد إسرائيل».
ويقول حكيم إسرائيلي آخر وهو آفي شلايم الأستاذ في العلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد: «تنتهك الدولة المارقة القوانين الدولية، وتمتلك أسلحة دمار شامل وتمارس الإرهاب، وهذا يعني أنها تستخدم العنف ضد المدنيين من أجل أهداف سياسية وإسرائيل تتوافر فيها جميع هذه المعايير».
أما الحاخام الأميركي ميشيل ليرنير وهو رئيس تحرير مجلة تيكون (Tikkun) فيقول: «إن ما يفطر قلبي أن أرى غباء إسرائيل..كوني يهودياً مؤمناً، هذا يؤكد إلى أي درجة من السهل تحريف رسالة المحبة وتحويلها إلى رسالة كره واستبداد».
لكن الانتقاد الأقسى هو ذلك الذي نشره البروفسور إيلان بابيه Pappe، كاتب كتاب التطيهر العرقي لفلسطين والذي صدر عام 2006 وهو يروي الطريقة البشعة التي أرهبت وقتلت وأبعد فيها الفلسطينيون عام 1947-1948، ويقول: «الصهيونية هي ايديولوجية تتوافق مع التطهير العرقي، مع الاحتلال والقتل الجماعي، ما ينبغي عمله اليوم، ليس فقط إدانة المجازر الحالية، لكن عدم تشريع هذه الإيديولوجية».
الصهيونية حسب بابيه أثبتت أنها «ايديولوجية عنصرية ومهيمنة» وهذا الأمر ليس اكتشافاً بالنسبة للضحايا الفلسطينيين كما هو الحال بالنسبة لأغلب العرب والمسلمين.
يقول بابيه: «لنأمل أن ترتفع أسواق كثيرة لتقول لإسرائيل: إن سلوكها مثل ايديولوجيتها لا يحتمل وغير مقبول، وإن استمرت هكذا ستتمزق وستكون مستحقة للعقوبات» وهذه المخالفات في الرأي تؤكده أن اسرائيل خسرت الحرب.. فلقد شوهت صورتها بتدميرها لغزة وبقتلها للمواطنين، كما أساءت جداً إلى سمعتها السياسية والأخلاقية وخصوصاً طيلة فترة وجودها، فإذاً لماذا تتصرف على هذا النحو؟ هناك تفسيران لهذا الأمر، الأول، إمكانية وجود أمر غير منطقي في الإرادة الاسرائيلية بتحقيق أمان مطلق لشعبها، مهما يكن الثمن على حساب غيرها، يمكن أن يفسر هذا الأمر هكذا لماذا بدت اسرائيل عاجزة عن التسامح مع أبسط مقاومة، فصواريخ حماس دفعت اسرائيل إلى غضب قاتل، كيف يتجرأ جيش شعبي حافي القدمين على تحدي اسرائيل التي طالما حاولت فرض هيمنتها السياسية ضد تحالف عربي مماثل وأقنعت الولايات المتحدة لتضمن لها «تفوقاً عسكرياً» على خصومها؟ لكن يمكننا أيضاً أن نرى في سلوك اسرائيل مؤشراً إلى اضطراب نفسي، يجعلنا نفكر أن الولايات المتحدة غير يقظة بوضعها أسلحة قاتلة بين أيدي قتلة محترفين صحتهم النفسية غير سوية.
التفسير الثاني، يؤكد على هدف أكثر طموحاً وأكثر شؤماً، يسعى إلى أبعد من الحاجة، فمنذ عام 1948، في الواقع منذ وعد بلفور 1917 أثبت القادة الاسرائيليون تصميمهم بمنع ولادة دولة فلسطينية، خشوا وسيظلون يخشون الاختصام حول مشروعهم الوطني، سلكوا دائماً كما لو أنه لايمكن أن يتوفر مكان لقيام دولتين في فلسطين، هم يريدون الأرض كلها لهم، كيف تفسر إذاً رفضهم رسم حدود لهم والسعي ولاحتلال للمزيد من الأراضي؟ تحدث بعض القادة الاسرائيليين عن السلام مثل اسحق رابين، لكن لم يقرنوا القول بالعمل، الإلحاق المستمر للضفة الغربية مستمر سواء كان تحت لواء حزب العمل أم الليكود أم كاديما.
تبدو الحرب على قطاع غزة محاولة يائسة لإنهاء حل الدولتين، ما الحلول أمامهم؟ الواضح: التخلص من قطاع غزة وتوجيه ضربة قاضية آمال الفلسطينيين..
عام 2005 ألغى آرييل شارون مستعمرات قطاع غزة وذلك لتقوية وضع يد اسرائيل على الضفة الغربية، هذه السياسة هي سياسة كل يوم، فقد كثرت كثيراً مستعمرات الضفة الغربية، وليس لدى اسرائيل أي مصلحة في السلام فهي تريد المزيد من الأراضي.
هل يمكن أن تعكس أميركا في عهد أوباما هذا التوجه الخطر؟!
لقد صرحت هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الجديدة إنه يجب عدم إهمال فكرة التعايش السلمي بين الاسرائيليين والفلسطينيين،كلام سمعناه كثيراً كانت غير متبصرة بما فيه الكفاية حين أكدت أن الولايات المتحدة قد لا تتناقش مع حماس وهذه الغلطة الأولى، فكيف تأمل بصنع السلام؟.
يحتاج الأمر فقط إلى مجهود مركز من الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا والأمم المتحدة للعمل معاً، وبتصميم أكيد يعيد اسرائيل إلى صوابها ويمنح أملاً بالسلام.