ويتصور حدوث أشياء ليس لها وجود على أرض الواقع وتوصف حالته بالانفصام ( الشيزوفرينيا) فيعالج ليخرج سليماً معافى وليأخذ مشروعه المرفوض سابقا إلى التنفيذ بقرار من ذات اللجنة التي سبق لها أن رفضته، ودون مبررات مقنعة أو غير مقنعة.
لقد حاول صانعو الفيلم استخدام النمط النفسي للسخرية من حالات اجتماعية وقلبها رأسا على عقب. ولأنه من المفترض أن تكون الكوميديا نتاج السخرية، يعتمد الفيلم في حبكته كوميديا الموقف مع سوء التفاهم بين الذات من ناحية وبينه وبين الآخرين من ناحية ثانية، ولا يقتصر الأمر على الشخصية فقط، وإنما يلحق أيضا أهداف الشخصية وخططها، لتنتهي الحكاية بكوميديا تتجاوز في جانب منها الجو النفسي العام، ولتصل إلى رؤية شديدة القتامة حول وضع الشخصية ولاسيما في لقطات البداية والنهاية.
تبدو التركيبة الدرامية طريفة وهذا قد يمنح الفيلم بعض الإعجاب ، لكن هذا الاعجاب سرعان ما يتبخر ونحن نسترجع فيلما أجنبيا منذ ست سنوات يحمل ذات الخيوط الدرامية هو (عقل جميل).
وكان من الممكن أن نكتفي بعبارة فيلم مقتبس في وصف فيلم (آسف على الإزعاج) لكن تجاهل صانعي الفيلم للأصل المأخوذ منه، يدفع إلى اتهامهم باللصوصية، فالسرقة تصل إلى أغلب أجزاء الفيلم، ابتداء من الفكرة والخطوط الدرامية وانتهاء بالمواصفات الخارجية للشخصية الرئيسية وسلوكها، مع شيء من المبالغة المفتعلة عند احمد حلمي.
ففي فيلم ( عقل جميل) الذي أداه راسل كرو وجينفير كونولي، يتصور عالم الرياضيات العبقري أن ضابط مخابرات أميركيا يزوره ويجنده في زمن الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي ويعيش البطل مع شخصياته الوهمية في النصف الأول من الفيلم، ثم يفاجئنا بحقيقة المواجهة بين البطل وذاته، ويبدأ بعد اكتشافه للحقائق علاجا نفسيا يمكنه من استعادة التوازن وممارسة حياته بشكل طبيعي إلى حد ما.
ولم يكتف الفيلم المصري بنقل الفكرة والخط العام للسيناريو، بل وصل إلى التفاصيل الصغيرة، ومنها مشهد رسائل أحمد حلمي إلى رئيسه، وبعد مواجهته بحقيقة مرضه يذهب إلى صندوق البريد ليجد رسائله كلها داخل الصندوق.
وفي الفيلم الأميركي مشهد مماثل يذهب فيه راسل كرو إلى صندوق قديم مهجور ليبعث منه رسائل تفك شيفرة الاتصالات السوفييتية إلى من يتصور أنهم رجال الاستخبارات الأميركية وليتبين له بعد ذلك أن رسائله لاتزال تقبع في الصندوق ، ويمثل المشهد لحظة مكاشفة ذاتية أكدت له أنه يعاني من المرض.
لقد سبق أن عزفت السينما المصرية كثيرا على وتر مرض الفصام، والمثال الأشهر فيلم ( بئر الحرمان) إخراج كمال الشيخ عام 1968 عن قصة كتبها إحسان عبد القدوس وكتب السيناريو نجيب محفوظ ويومها لم يتحدث النقاد عن التأثر والاقتباس لأن الفيلم كان محليا بالكامل.