تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عندما تهوي النسور

الصفحة الاولى
الخميس 5-4-2012
شهناز صبحي فاكوش

كثير من الشخصيات تمر في حياة المرء، منها ما يترك أثرا في نفوسنا او المحيط الذي عاش فيه ومنهم من يمر بالأيام مرور الكرام.. ومنهم من يحفر في الذاكرة رسماً له يظل حاضراً في الكثير من الوقت مع كل حدث أو موقف، له ما يشبه في ما قدمه ذاك الشخص المحفور في الذاكرة.

ولأنه عملاق في حضوره يحضر فور استحضار الحدث...‏

فلا يكاد يفارق الذاكرة ولا الذكر لقوة مروره بين ممرات الزمن الآني أو الماضي..‏

وعندما نذكر الشموخ نستحضر النسر طائراً عملاقاً لا يقف إلا على أعالي القمم.‏

وعندما يحلق في السماء فارداً أجنحته الكبيرة القوية نراها تمنح الظل فوق رمل الصحراء، فتمنع حر الشمس عن رؤوس العابرين فيها، لحظتها يرفع المرء رأسه تلقائياً ليرى أي نعمة وهبتها له الطبيعة في لحظة قيظ لتظلل رأسه، والنسور اليوم قلة في طبيعتنا والأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها..‏

ولجهة القوة والشموخ واعتلاء القمم وارخاء الظلال التي تمنح من تظلهم الأمان، يجعل فقدهم العيون تتوه في البحث عنهم، والقلوب تزداد طرقاً وهي تشعر بأنها قد لا تراهم ثانية، والجباة تتصبب عرقا وهي تنتظر منهم ظلاً ظليلاً.. ولكن عندما نفقد الأمل في الوصول اليهم تجثو النفوس هوناً، وتبدأ اضطرابات النبض تخبو لتهدأ في استيعاب الحدث في لحظات التسليم لقضاء الله وقدره.‏

سلام الله عليك يا نسراً ظلل بجناحيه على الفن السوري عقوداً من الزمن، ورفد ينابيعه بالعطاء المتدفق الذي كان ينساب سلسبيلاً ليغرف منه الكثيرون فيروي ظمأهم.. وعندما كان يحلق بشموخه يهتدي الناظر إليه، الى صوابية الطريق الذي من خلاله يسلك السبل التي تحميه من أي انحدار أو انحراف يجرفه الى غير مكان يتوه فيه في ضلالة اللاخير.. حيث لا مكان للعراقة والأصالة.‏

وعندما يقف على القمم كان يحتبس الألم كي لا يستشعره محبوه فيمنح كل شخصية يؤديها حقها حتى ليظنها المشاهد أنها تحيا معه في الحي أو الجوار، أو حتى في ذات البيت الذي يضمه وأسرته وهو واحد منهم.‏

سنوات العمر قد لا تكون مقياساً في الكبر أو الهرم.. لكنها انياب المرض والألم التي تتملك من الجسد فتنهكه..‏

هوى نسر الفن الاستاذ خالد تاجا.. لكن العمالقة لا تموت، وعندما تهوي النسور تحتل مساحة على الأرض كبيرة كما في تحليقها في قلب السماء.. ولأن لكل أجل كتاب - كان لابد من طي الصفحة الأخيرة في حياة الفنان الذي أحب الوطن بجوارحه مستسلماً لقضاء الله وقدره بعد أن استنزف كل لحظات حياته في العطاء، وحفر مكاناً في صخرة الدراما العربية للدراما السورية، التي دخلت بيوت الوطن العربي، وطارت عبر الفضائيات لتنال استحساناً عالمياً في غير محفل...‏

فكان واحداً من أعمدة الدراما السورية صلباً.. قوياً.. عالياً... معلماً...‏

فراغه صعب ملؤه..‏

جعل من الدراما ثقافة عصرية ونوعا متفرداً من الثقافة العربية يضاف لديوان العرب، وصفوه بأنطوني كوين العرب.. لكبير قدر كوين في السينما العالمية...‏

نسرنا اليوم حط على آخر القمم التي احتلها...‏

لعل انفاسه لم تحتمل رائحة دم الأبرياء والشهداء رغم زكاتها وعطرها، فآثر ان يحتل مكانه بينهم انتصاراً لهم ولدمائهم، محتجاً حتى في خياره الأخير وإن كان بغير إرادة، على كل طلقة تتجه الى صدور الأبرياء وحماة الديار. معلناً السير في قافلتهم ضد كل من يحاول النيل من وطنه..‏

فالنسر لا يمكن له إلا أن يرفض الضيم لوطنه. ولأنه لا يرتضي بديلاً من سيادة أرضه وحرية سمائه سيظل مشرعاً جناحيه الكبيرين محلقاً في القلوب والذاكرة حاضراً أبداً.. تذكره الأجيال لأصالته...‏

شموخ النسر على القمم...‏

سلام على الأرواح الطاهرة...‏

الرحمة والجنة دار الخالدين...‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية