يعتبر الروائي البرازيلي «باولو كويلو» ضمن هؤلاء القلة الذين يفسحون المجال للبحث في روحانية الكون عبر الانسحاب من الغرق في التفاصيل الحسية للواقع, وتفريغ مساحات شاسعة لحلول الإيمان الراسخ بوجود عوالم أخرى أكثر قوة وثباتاً، هذه العوالم التي تساعد الإنسان على إعادة اكتشاف ذاته… وهذا ما يؤكده كويلو في أحد حواراته قائلاً: «إيماني عميق بأننا نختبر التحول على الدوام. لهذا نحن في حاجة لأن ندع الحياة تقودنا إلى السرّ عوضاً عن دفعها باتجاهه.»
«كويلو» عرفه القارئ العربي وذاعت شهرته عبر روايته الأشهر «الخيميائي» والتي ترجمت أيضاً تحت عنوان «ساحر الصحراء» تناول من خلالها بطله المسافر للبحث عن الكنز في مصر عوالم «الداخل الروحانية» التي تنقل تفكير الإنسان من جانب إلى آخر وتساعده على الولوج إلى مناطق معتمة من ذاته، حيث الكنز مدفون في أعماق روحه… هذه العوالم موجودة أيضاً في رواية «حاج كومبستيلا» التي يحكي فيها عن تجربته في الحج إلى مزار يعقوب. «كويلو» الذي يصف شخصيات رواياته بالقول: «كل الشخصيات في رواياتي تخوض رحلة البحث عن روحها». يتضح هذا البحث بشكل جلي في سائر رواياته أيضا كما في «فيرونيكا تقرر أن تموت» و»إحدى عشرة دقيقة» و»على نهر بيدرا جلست وبكيت»، ثم في روايته «ساحرة بورتبيللو» .
تدور أحداث رواية «ساحرة بورتبيللو» بين دبي وبيروت ثم لندن، وهذه هي المرة الثانية التي يعود «كويلو» إلى الشرق في كتابته بعد أن كتب عن مصر في رواية «الخيميائي»… أما أسباب اختياره لمدينتي بيروت ودبي فيبررها بقوله: «إن مدينتي بيروت ودبي مدينتان مذهلتان، ما يجذبني إليهما ليس بالضرورة ما قلته عن سمعة الفوضى والصخب أو الانفتاح والتضاد، بل نواحيهما الأخرى المختلفة جداً… بيروت بالنسبة إليّ مدينة في صراع مستمر، وأنا مثلها أعيش الحالة ذاتها. أما دبي، فهي إحدى أكثر المدن التي لفتتني معاصرة وتطوّراً.
لكن هذا التأثر بالثقافة العربية الذي لا يخفيه كويلو، يعود إلى أكثر من سبب، ربما من ضمن الأسباب أن هذه الثقافة فيها الكثير من الأجواء الروحانية التي يفضلها، ويستند إليها في نصوصه، ولعل هذا الأمر واضح جداً في كتابته وهو لا يخفيه بل يوضحه قائلاً في أحد حواراته: «الثقافة العربية منحتني نظرة أخرى إلى الحياة، مزيداً من الانفتاح ربما لأنها ثقافة قريبة من الصحراء، فهي تسهل علي تبسيط الأمور من دون الوقوع في فخ التسطيح. منذ بدأت احتكاكي بالثقافة العربية بدأ الإلهام يأتيني بسهولة. الثقافة العربية تقيم اعتباراً كبيراً للأمور الخفية، لما هو غامض وسري… أنا ككاتب أحتاج إلى مثل هذه الرؤية المخالفة… إلى مثل هذا الفضاء».
في رواية «ساحرة بورتبيللو» يروي كويلو قصة «أثينا» الطفلة الغجرية التي تعيش في ميتم ثم تتبناها أسرة لبنانية وتعيش سنوات طفولتها في بيروت قبيل الحرب. تظهر عند أثينا قدرات تنبؤية في معرفتها بعدة أحداث قبل وقوعها، ثم تبدأ رحلة «أثينا» في البحث عن ذاتها.
يبدو وكأن غاية «كويلو» في هذه الرواية التركيز على ماهية «الحب»، الحب الكوني الذي ينبعث من الأرض ويغمر العالم، «الحب» الذي يفيض كالنهر المتدفق لكننا لا نبصر ماءه العذب… إن هذه الطاقة الكبيرة للمحبة كما يري كويلو هي الوحيدة التي ستنجد الإنسان من كل الشرور والآثام، وستقوده للسلام الداخلي. يقول في ختام الرواية عبر لسان أحد الشخصيات: «الآن أدري أن الحب يحدث ببساطة».