أمين في رصد الأحداث والمعارضة الفنية عبر الصحافة وأن من أبرز خصائصه أنه تعددي غير منحاز لاتجاه أو اسم دون آخر و هذا ما يضمن مصداقيته كشاهد موثق تراكمي يقتنص الحدث التشكيلي وخصائص التجارب عبر المعارض التشكيلية وعندما يعالج تجربة فإنه ينقلها بحياد ويعرض نقيضها بنفس درجة الحياد.
ولعل ما أعرب عنه د. عرابي يشكل صورة دقيقة في توصيف الكتاب والكاتب إلا أننا سنقف عند تفاصيل هذا المنتج النقدي والفني الذي يشكل لبنة أساسية في بناء حياتنا التشكيلية في وجهيها التحليلي المعاصر، النقدي وما يعكس فنياً على النتاج الفني عموماً.
تزيد صفحات الكتاب على 500 والكتاب صادر عن الناشر المهندس باسم حلواني وهو من اخراج ماهر الحجار وهذه الطبعة الأولى منه وتحتوي على 1728 صورة للوحة ومنحوتة وقطع فنية كالأعمال التركيبية ورسوم الأطفال التوضيحية وأشير إلى أن حفل توقيع الكتاب سيقام في الخامس من الشهر القادم في «غاليري تجليات» بين الجمهور والكتاب محاولة جريئة في تاريخ التشكيل المحلي وتوثيقه بدقة وتقديم قراءة معاصرة ورؤى تحليلية حوله تتسم بالموضوعية والاختيار الموفق للمصطلح وابتكار الصياغة المناسبة التي تهدم الهوة بين التجربة الفنية والمتذوق من قارئ ومتابع، فهو بهذا يسهم إلى حد كبير في تعميق دور الخطاب البصري والاحاطة بكافة جوانبه، فالكتاب كما يرى الناقد مخزوم مراجعة نقدية وخطوة توثيقية ونقول بدورنا: إنها نتاج يكتنز أبعاداً من المكاشفة والمسؤولية تدفعنا للوصول إلى الحلقة المفقودة في دائرة النقد والفن والمتذوق تسهم في التقاط الذائقة الجمالية المرجوة.
يبدأ الكتاب بعدة آراء صرح بها فنانون لهم بصمتهم الكبيرة في سيرورة التشكيل المحلي، آراء حول آلية عمل الناقد مخزوم ككلمات موجهة له من الفنان الراحل فاتح المدرس عام 1998 ورسالة من الفنان عمر حمدي مؤرخة في 1997 رداً على مقالة كتبها الزميل مخزوم.
كذلك يوجد رأي للفنان غسان السباعي والفنان عبد المنان شما إضافة لتقديم الفنان د. أسعد عرابي الذي اقتبسته في الاستهلال مما أدلى به.
ثم يتبع ذلك بيان تشكيلي لمخزوم يطرح به رؤى متعددة لنقد عربي معاصر يقف من خلاله عند إشكاليات وقضايا متعددة فيما يخص الممارسة الفعلية للتشكيل المحلي بكافة تجاربه والتناول النقدي والصحفي له وما يشوب العمليتين والرابط بينهما ويشرح به منهجه في هذه المراجعة والطرق العملية والعلمية التي سار على هديها في تحليل العمل الفني والتجارب المتعددة والعلاقة بينها وبين التراث وكذلك الوافد من المدارس الغربية في الفن إضافة لمفاهيم فنية متعددة متوارثة أو معاصرة.
ثم يضع مخزوم جدولاً لمحتوى الكتاب يبين ترتيب التجارب التي تم تسليط الضوء عليها والتي تكاد تكون شاملة إلى حد كبير لكل الأسماء والتجارب الفنية التي تشكل الهرم التشكيلي المحلي.
ويتحدث عن الفنانين تباعاً وبشكل معمق مقدماً المعلومة الدقيقة والرأي الصريح بلغة سلسة مفهومة ذات مصطلحات دقيقة ولكل قراءة عنوان مختار بعناية يعبر بشمولية عن التجربة المستهدفة. وذلك بمرافقة صور المنحوتات أو اللوحات.
وقد حاول الزميل مخزوم عن طريق المساحة المتاحة لكل تجربة ومكانها في الكتاب الإلماح بالدلالة إلى أهمية التجربة بشفافية، وينتهي الكتاب بمجموعة من الصور تحاول الإحاطة بكافة التجارب المحلية في محاولة للحؤول دون إغفال أي منها ووفق إلى حد كبير في هذا.
أعود للبيان المذكور الذي فرد له الزميل مخزوم مساحة كبيرة من الكتاب ويطرح فيه نقاطاً غاية في الأهمية، فيرى أنه لابد من الذهاب في النص النقدي الحديث إلى أبعاد جمالية تقطف إيماءات الحالة الداخلية العاطفية وأنه من الأهمية بمكان أثناء الكتابة النقدية العصرية الوصول إلى لغة تحليلية خاصة وهذا لا يتم إلا من خلال إيجاد لغة نقدية تحليلية تعطي الناقد فرادة وشاعرية وأسلوبية متجددة ومنفتحة على ثقافة فنون العصر.
ويشير إلى إشكالية خطيرة تكمن في عدم اعتراف الفنانين بتجارب سواهم وإلى عدم متابعة الغالبية العظمى منهم لما ينشر من الصحافة وغيرها كنقد وتحليل وقراءة وتغطية وإطلاق عبارة «غياب النقد» جزافاً من الكثير منهم.
ويتطرق الزميل مخزوم إلى قضايا متعددة تتعلق بالمؤسسات الفنية والفعاليات وغيرها وما يشوبها من اشكاليات خطيرة، ويشير إلى غياب متحف الفن الحديث في معرض حديثه عن تاريخ الفن وتقدير النتاج الفني ومبدعيه.
ويتحدث عن أمور كثيرة يصعب الإلمام بمجملها في هذه العجالة تتعلق بلقب الفنان الذي ربما يطلق جزافاً في بعض الأحيان إضافة لضرورة انفتاح الكتابة النقدية التشكيلية على مختلف الفنون الأخرى إلى حال التشكيل المعاصر وارتباطه بالفن عموماً في العالم.