كان أحمد شوقي في صباح ذلك اليوم المذكور قد استيقظ من نومه وشعور بالاكتئاب يسيطر عليه, الأمر الذي دفعه إلى استدعاء طبيبه الشخصي للمعاينة وإبداء الرأي وبعد إجراء الفحص المعتاد أعلمه الطبيب أنه يعاني من ارتفاع طفيف في ضغط الدم وحالته الصحية مستقرة ولا تستدعي دخوله المشفى وعليه ألا يغير في برنامج نشاطه اليومي وعاداته الغذائية ولاسيما أنه من محبي التهام حلوى «الكرواسان» وأكل البيض النيئ.
وحين ودعه طبيبه قصد أصحابه إلى مقهى «صولت» حيث اعتاد التردد عليه في الصباح وتجاذب مع أصدقائه ومحبيه الأحاديث الشائقة والنوادر الأدبية واللطائف اللغوية وعاد إلى منزله ليتابع قراءاته الحرة مع كتب الأدب القديمة وخاصة كتاب «الكامل» للمبرد وديوان الشاعر صفي الدين الحلي الذي كان معجباً به أشد الإعجاب.
وفي مساء نفس اليوم 13 تشرين الأول زاره في منزله الشاعر عبد الرحمن صدقي فتمنى عليه أن يقرأ له قصيدته «الهمزية النبوية» فاستجاب صدقي لرغبة شوقي وقرأ:
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء
ومضى صدقي يلقي القصيدة بصوته الشجي وإذا بالدموع تتساقط من عيني شوقي دون إرادة منه حتى إذا انتهى من إنشادها سأل شوقي صديقه قائلاً: «ألا ترى أنها أجمل من قصيدة البوصيري؟ فأجابه صدقي: «أنا شخصياً أعتقد أنها تفوقها بكثير ففرح شوقي بهذا الرأي وبدت السعادة مرتسمة على وجهه وطلب مزيداً من الشاي له ولضيفه، بعدها استقام في مجلسه وطلب من صدقي أن يقرأ عليه قصيدة «البردة» فقرأ:
ريم على القاع بين البان والعلم
أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
وتمايل شوقي طرباً ونشوة نتيجة تفاعله مع أبيات القصيدة وبدا كأنه يسترد عافيته.
في نحو العاشرة ليلاً دخل شوقي إلى غرفة نومه وقبل منتصف الليل بقليل استيقظ أهله على جرس الشاعر اليدوي فأسرعوا إليه ليجدوه في حالة حرجة واستدعوا الأطباء دون جدوى وأسلم الروح بعد حياة حافلة بالعطاء الشعري الخالد.